ما إن يبزغ فجر يوم الجمعة من أي شهر، صيفاً شتاءً، حتى تبدأ نداءات "السرافيس" إلى "سوق الجمعة"، مقتصرة طريقها إليه، وما إن تصله، حتى تجد هناك كل غريب وعجيب.

يختفي هذا السوق كل الأيام، ويظهر فقط بين الساعة السادسة صباحاً والرابعة مساءً من يوم الجمعة، وهذا التوقيت يطول ويقصر تبعاً لحركة البيع والشراء فيه، فقد تكون الحركة قوية فينتهي قبل الظهر، ويبدأ دوماً باكراً، يتحدث إلى مدونة وطن “eSyria” بتاريخ 19 أيلول 2014، السيد "مختار خليل" وهو أحد الباعة القدامى في السوق، فيقول: «أنا من زوار وبائعي هذه السوق من سنوات طويلة، وقد كنت آتي إليه مع أبي أيضاً، فلا أحد يعرف بالدقة متى نشأ، حتى مكانه تغير إلى هذا المكان الحالي بعد أن كان أبعد وأقرب إلى "الضاحية الجنوبية"، فوق الجسر المتجه إليها، مع أنه كان موجوداً قبل بناء الضاحية نفسها».

أنا من زوار وبائعي هذه السوق من سنوات طويلة، وقد كنت آتي إليه مع أبي أيضاً، فلا أحد يعرف بالدقة متى نشأ، حتى مكانه تغير إلى هذا المكان الحالي بعد أن كان أبعد وأقرب إلى "الضاحية الجنوبية"، فوق الجسر المتجه إليها، مع أنه كان موجوداً قبل بناء الضاحية نفسها

يقع السوق على امتداد الشارع الموازي لسور جامعة تشرين الجنوبي، ويبدأ تقريباً من حدود مفرق "الضاحية الجنوبية" بعد مديرية النقل، وصولاً إلى سور مؤسسة التبغ (الريجي) بطول يقارب الواحد كيلومتر، وعلى الجانبين وبين المنصفات للأوتوستراد إياه، حيث يفترش البائعون هذه البقاع فاردين بضاعتهم المتنوعة من كل حدب وصوب على بسطات من القماش أو "المشمع".

بضائع لكل الناس

لا يصح إطلاق لقب "تجار" على شاغلي هذا السوق، فهم ليسوا من عالم التجار الحقيقين، بل هم أناس أغلبهم من بائعي مفرّق المفرق أو من المواطنين الذين لديهم "أشياء" مستعملة في أغلبها، ويريدون بيعها لهذا السبب أو ذاك، يقول مرافقنا في الجولة السيد "مختار": «الفقر هو السبب الرئيس في عمليات البيع هذه، لذلك تجد أن أغلب زوار هذا السوق هم من الفقراء أيضاً، أو من ذوي الدخل المحدود والمتوسط الباحثين عن "لُقطة" ما، كأن يكون طالب جامعي يبحثُ عن كتاب مفقود، أو صاحب بيت يبحث عن نافذة مستعملة.. وهكذا.

يوجد في السوق بسطات لأي شيء، ثياب مستعملة وجديدة، كتب لأرقى الجامعات، دفاتر منتهية الصلاحية، فرش منزلي، أدوات كهربائية عاطلة عن العمل وأخرى جديدة، بطاريات بأنواعها، قطع تبديل سيارات، مواد غذائية مختلفة من معلبات وأرز وبرغل ورب البندورة وزيت للقلي، وقد يصادفك الحظ فتجد (هارد حاسب) أو (إبريق نحاس) أو (ساعة جدارية) صنعت في العام 1950، وهكذا أي زائر يمكن أن يجد شيئاً ما يبحث عنه.

السيد مختار خليل

ضمن جولتنا في السوق وجدنا كل شيء بالمعنى الحقيقي وليس المجازي، من أبسط الأدوات التي لا يخطر ببالك أنها تباع (الشواحن المعطلة) مثلاً إلى جهاز (قياس السكري)، سألنا أحد أصحاب بسطات الشواحن المعطلة: لماذا تباع هذه الشواحن؟ فأجاب السيد (محمد علوش) قائلاً: "قد يكون لدى أحدهم شاحن مضروب فيه دارة الشحن، وهذه لا تباع في المحلات، فيأتي إلى هنا ويشتري عدة شواحن بمبلغ لا يعادل ثمن شاحن واحد (بحدود 500 ليرة سورية)، ويجرب حظه مع هذه الشواحن، وقد يكون مثلاً أحد الشواحن في حالة شبه جيدة، لكن أصحابه رموه، وهكذا".

تتعدد مصادر (البضائع) في هذا السوق، فمنها الجديد الذي له محاله المخصصة المعروفة في البلد، ومنها تلك المسروقة التي لا يعرف صاحبها، ومنها من ضاقت به الحياة فبدأ يبيع ما لديه من أشياء، وقد لاحظنا كثرة من زوار السوق من مهجري المحافظات، وبعض هؤلاء انضم إلى أصحاب البسطات ليبيع منتجات محافظته وبأسعار تعد الأرخص مقارنة بأسعار السوق.

من غرائب السوق

ولكل الشرائح العمرية حضورها في السوق، فهناك نساء يبعن أشياء، كذلك هناك أطفال ورجال، وهناك من يشتري ومن كل حدب وصوب، من هؤلاء التقينا أحد الطلاب الجامعيين، الطالب "نوار علي" من جامعة تشرين، ويدرس في كلية الزراعة، قال لنا: "نأتي إلى هنا لشراء بعض المواد الغذائية التي هي أرخص من سعر السوق على العموم، عدا أن نهار الجمعة له خصوصيته لنا كطلاب هنا، أنا من محافظة "حمص"، ويهمني توفير بعض المال خاصة في وقت ارتفاع الأسعار الكبير، نشتري مثلاً المعلبات بأسعار أقل بنسبة ثلاثين بالمئة عن سعر السوق".

تركنا السوق عند الظهيرة بعد أن حصلنا على نسخة من "روبن هود" طباعة الخمسينيات، فكل من يدخل هذا السوق لا بد أن يخرج منه بشيء مما يهمه.