لتجارة وصناعة "الملح" تاريخ عريق في الشرق العربي والعالم يمتد إلى آلاف السنين، وهنا بالقرب من "أوغاريت" تتواجد ممالح بقيت مستخدمة حتى مدة قريبة من قبل السكان المحليين الذين ينتجون فيها الملح البحري بالنوعية الجيدة.

على بعد أقل من مئة متر عن "المدينة الرياضية" وبالقرب من مزار "الخضر" المعروف لأهل المنطقة ككل، توجد مجموعة من التشكيلات الصخرية المحفورة بدقة في الصخر البحري الكثير في تلك المنطقة، يتحدث السيد "محمود أبو بالا" (56 عاماً) وهو عامل في شركة "الغزل" ويمارس هواية الصيد، لمدونة وطن “eSyria” بتاريخ 28 حزيران 2014، عن ماهية تلك الحفر فيقول: «مازلنا لا نعرف من بناها، وأذكر أنني عندما كنت طفلاً كنت آتي مع أهلي صيفاً فنشاهد كيف كان العمال يجمعون الملح من هذه الحفر حيث يتراجع البحر نهاراً بسبب الجزر، وتبقى كمية من المياه المالحة في هذه الحفر التي تعلو على مستوى المياه، وبسبب التبخر الذي تسببه حرارة الصيف يظهر الملح على شكل غطاء أبيض للحفر».

إن كمية الملح المستخرجة من مياه البحر على مستوى العالم سنوياً تتجاوز 260 مليون طن، ويشكل الملح من مياه البحر نسبة 2.7% بالوزن، وأملاح الماغنيزيوم 0.6% وأملاح الكالسيوم 0.1%، وأملاح البوتاسيوم 0.1%، إضافة إلى ما يقارب المئة عنصر آخر كالبورون والبرومين والليثيوم والسيلينيوم وغيرها

تحتاج الممالح إلى بضعة أسابيع حتى يظهر الملح فيها بعد غمرها بمياه البحر، ويتابع السيد "أبو بالا" حديثه فيقول: «قد يتم غمر الممالح أو السبخات بالمياه المنقولة من البحر، وبعد ظهور الملح يقوم بعض الناس المختصين بهذه الصناعة (خاصة أهالي "دمسرخو" القريبة من المنطقة جداً) بجمعه في تلال صغيرة لعدة أيام، مستخدمين في ذلك الرفوش المعدنية والمكانس المصنوعة من "المكنس" (نبات قاسي الأغصان) حيث يصعب أحياناً قبع الملح عن الأرض الصخرية، بعد ذلك يجمع في أكياس من الخيش أو الكتان، وينقلونه على ظهر الدواب إلى المدينة، حيث لم تكن السيارات قد ظهرت هنا بعد».

من نماذج الممالح الصخرية

تبلغ المسافة بين الممالح والمياه بضعة أمتار، ويبدو أن تاريخ بنائها يعود إلى زمن بعيد غير معروف، وهي على عدة أشكال إلا أن الغالب عليها هو الشكل المربع حيث يسهل كما يقول السيد "أبو بالا" تجميع الملح، إضافة إلى المحافظة عليه في حال حدوث مد مفاجئ للمياه، وقد بقيت هذه الممالح مستخدمة حتى مطالع السبعينيات من القرن الماضي.

يتم حفر هذه الممالح على الشواطئ الصخرية، ويقول الباحث "جمال سلطان" اختصاصي التغذية: «إن كمية الملح المستخرجة من مياه البحر على مستوى العالم سنوياً تتجاوز 260 مليون طن، ويشكل الملح من مياه البحر نسبة 2.7% بالوزن، وأملاح الماغنيزيوم 0.6% وأملاح الكالسيوم 0.1%، وأملاح البوتاسيوم 0.1%، إضافة إلى ما يقارب المئة عنصر آخر كالبورون والبرومين والليثيوم والسيلينيوم وغيرها».

المساحات الواسعة للممالح

تسمى هذه الطريقة بطريقة "التبخير الشمسي Solar Salt Mining Method"، وهي من طرائق التعدين، يتم بواسطتها تعدين الملح من السبخات الساحلية والداخلية باستخدام ظاهرة التبخير بأشعة الشمس؛ حيث يتم فيها غمر أحواض مجاورة للسبخة بمياه السبخة وتركها لتتبخر، ثم يجرف الملح، وإن كان الأمر هنا له أصول كيميائية وقواعد أخرى خاصة بدرجة تركيز الملوحة واتساع السطوح وفترة التحضين وسرعة الترسيب ومعدل التبخر، كما يقول الباحث "سلطان".

ويحتاج جسم الإنسان، كما تذكر الموسوعة الطبية العربية، إلى "ما يقارب 6 جرام ملح طعام يومياً، حسب آخر التوصيات الطبية بعد أن كانت 20 غراماً، ويستهلك حوالي 9 كيلو غرام سنوياً، لإحداث توازن المحاليل الملحية اللازمة لأجهزة الجسم كي تؤدي وظائفها الحيوية، ويرجع سر احتياج الإنسان والكائنات الحية لملح الطعام إلى قيامه بإثارة اللعاب الذي يقوم بالدور الرئيسي في عملية هضم للنشويات فلا يعقب الغذاء بها الشعور بالتخمة أو عسر الهضم، كما أن ملح الطعام ينظم ويوازن هيموجلوبين الدم والبلازما، وينظم الدورة الدموية نتيجة لإفراز العرق أو التبول، وتبلغ درجة تركيزه في المحلول الخلوي لجسم الإنسان 0.9% كمحلول مساعد في عمليات الهضم والإفراز ونقل وامتصاص الأغذية وتوازن مكونات الدم".

سبخة ملاصقة للبحر

يباع الملح بأسعار رخيصة هذه الأيام، إلا أنه كان يعد من أنواع التجارة الرابحة، فاستخدام الإنسان للملح يعود إلى أزمنة بعيدة جداً، وأغلب الحضارات اعتبرته من الأشياء الثمينة التي استخدمت في المعاملات الاقتصادية، ويذكر "بلينوس الأكبر" في كتابه "التاريخ الطبيعي" كيف كانت "مصر" تصدره إلى مختلف موانئ المتوسط، ومنها "أوغاريت"، حيث يبدو أن كمية الملح المنتجة في ممالحها لم تكن تكفيها، مع العلم أنه يوجد مقابل "أوغاريت" الحالية عدد من الممالح البحرية قرب شاطئ "ابن هاني" حيث المقر الصيفي لملوك "أوغاريت".

يذكر أخيراً، أنه كانت هناك طرق حول العالم لنقل الملح، من بينها الطرق التي وصلت "أوغاريت" بالشمال والداخل السوري، إضافة إلى نقله عبر السفن إلى "قبرص" والبحر المتوسط ككل.