أسست "اللاذقية" قبل أكثر من ألفي عام عند رأس يسمى اليوم "الكورنيش الجنوبي" وهو اليوم مقصد أهل المدينة الباحثين عن متنفس بحري والنزهة والتمشي وأكل عرانيس "الدرة" المشوية خاصة في الفترة المسائية.

يمتد "الكورنيش الجنوبي" على أكثر الرؤوس البرية توغلاً في البحر، ويكاد لا يسبقه سوى رأس "ابن هاني" شمال المدينة، عند هذا الرأس بنى "سلوقس الأول" مدينته التي حملت اسم والدته "لاواديسا" فوق تل حمل سابقاً اسم "يرموتي"، ولعله كما يذكر الباحث "جبرائيل سعادة" في كتابه "المختصر في تاريخ اللاذقية" الاسم الأول المعروف للمدينة.

نأتي بالذرة من سوق الهال، ونقوم بسلقها ومن ثم نقوم بفرطها، هناك من يرغب بها مع الجبنة وهناك من يرغب بها فقط مع الملح، ونقدمها للزوار، حيث تختلف حركة الزوار بين المسا والصباح، المساء تشتد أكثر، نظراً لان الناس تجد في المكان فسحة حقيقية للنزهة والتمتع بمنظر غروب الشمس، إضافة للتمتع بالمشروبات والمأكولات على البحر

تشمل المنطقة كامل الرأس الممتد من جسر القطار المتجه إلى المرفأ، وصولاً إلى حديقة "المحافظة"، وبالقرب من الجسر، باتجاه الجنوب، قامت بلدية المدينة بتنظيم المكان بشكل جيد جداً، فبنت الأدراج الإسمنتية من أعلى التل وصولاً إلى البحر، حيث تتوضع مقاهي القهوة والشاي بالقرب من موج البحر، يتحدث السيد "خالد حمامة" صاحب إحدى هذه "القهاوي" لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 30 أيار 2014، فيقول: «نقدم في هذا المكان كل خدمات السياحة الشعبية، إضافة إلى خدمات المشروبات الساخنة والباردة، ويزورنا العديد من الناس للاستمتاع بالفسحة البحرية الصخرية الموجودة هنا، فهنا كل الشاطئ صخري، إضافة إلى وجود هواة الصيد ومراكب الصيادين أيضاً وخاصة مساء، وإن كان وجود مصب "للصرف الصحي" ما يسبب المشكلات الصحية وضعف الإقبال لدينا، نرجو أن يتم إلغاء هذ المصرف واستبداله بمكان آخر، فإضافة إلى تلوث البيئة فهو يشكل مصدراً للحشرات والقوارض».

البناء الحديث على الكورنيش

طرحت قبل فترة وجيزة فكرة تحويل المكان ككل (الكورنيش الجنوبي) إلى متنزهات شعبية، وقد تم إنجاز الجزء الأكبر منها، وطرح جزء منها للاستثمار، وانتشرت على طول الكورنيش كولبات بيع الذرة المشوية والميلانة (الحمص الأخضر كما يسمونه هنا)، والقهوة والشاي وغيرها بشكل جميل، الذرة المشوية أو المسلوقة، أو تلك التي تقدم "مفروطة" مع الجبن، يقول السيد "محمد مطرجي" صاحب عربة لبيع الذرة: «نأتي بالذرة من سوق الهال، ونقوم بسلقها ومن ثم نقوم بفرطها، هناك من يرغب بها مع الجبنة وهناك من يرغب بها فقط مع الملح، ونقدمها للزوار، حيث تختلف حركة الزوار بين المسا والصباح، المساء تشتد أكثر، نظراً لان الناس تجد في المكان فسحة حقيقية للنزهة والتمتع بمنظر غروب الشمس، إضافة للتمتع بالمشروبات والمأكولات على البحر».

غير بعيد عن جسر القطار، توجد الصخرة الأشهر في المدينة، وهي تعرف بـ"صخرة الانتحار"، ولا يعرف تحديداً من أطلق عليها هذا الاسم، إذ لم تشهد أبداً أية حادثة انتحار هنا، نسأل أحد المواطنين، فيقول السيد "نذير رسلان"، وهو من سكان "الكورنيش الجنوبي": «ربما شبهت بصخرة "الروشة" في "بيروت" حيث تحمل نفس الاسم، وهي صخرة جميلة تعلو بشكل مواز للرأس، وهي مقصد لكل زائر للمدينة، وهي من أجمل ما يميز الكورنيش هنا، ويتم الصعود إليها يدوياً، وتعلو تقريباً بحدود خمسين متراً، كما تقع تحت الصخرة مغارة يدخل إليها البحر، وهي مغارة واسعة، تعدّ هي الأخرى مقصداً للزوار نظراً لغرابتها وتشكيلاتها الصخرية، وهي من أثر البحر».

شمالي الكورنيش بجوار جسر القطار

يعدّ ميناء الصيد المحدث هنا مكاناً مناسباً لممارسة هواية الصيد، ويقع شمال صخرة الكورنيش، ويبلغ اتساعه عشرات الأمتار، وهو مناسب للصيادين الذين وجدوا في "الجون" الصغير مكاناً ملائماً لوضع مراكبهم، حيث يشكل هذا المرفأ الصغير حماية من الرياح العاتية التي تضرب المرفأ، وتبلغ الأعماق هنا بين نصف متر وتنفتح فجأة على عدة أمتار، وتنتشر هنا أيضاً المقاهي الشعبية التي تطل مباشرة على البحر.

إلى الشمال من الكورنيش، توجد غابة صنوبر تمت زراعتها حديثاً، تشكل فسحة خضراء للراغبين في مشاهدة المنطقة الشمالية من الكورنيش، والابتعاد عن المقاهي، وهي تطل على شاطئ صخري أبيض متعرج بأشكال فعل الموج بها فعلته، فباتت وكأنها تموجات صخرية لن تجد لها مثيلاً على الشاطئ، كذلك يطل الكورنيش هنا، على الجزء الجنوبي الغربي من المدينة حيث ينبسط الشاطئ رملياً على طول منطقة "الرمل الجنوبي" ومرفأ الصيد.

صيد السمك على الكورنيش

يكاد "الكورنيش الجنوبي" اليوم أن يكون فسحة البحر الوحيدة للمدينة، بعد أن أكل المرفأ بتحديثاته المستمرة معظم الواجهة البحرية للمدينة، وينظر إلى منطقة "الكورنيش الجنوبي" على أنها متنفس المدينة الوحيد، ولا تحتاج سوى إلى قليل من العناية لتعود إلى سابق مجدها.

أخيراً، تقول الأغنية اللاذقانية الشهيرة "يا محلا الفسحة على راس البر"، وراس البر هذا هو "الكورنيش الجنوبي"، أيام كان الناس يحتفلون بعيد "الزهورية" عند صخرته الأشهر.