من شمال "اللاذقية" إلى جنوبها مناطق صيد بحري مختلفة، يجول فيها الصياد "عبد الرحمن جانودي" والعامل البحري "عفيف سنكري"، كما كل الصيادين، منتقين منها ما يعطيهم صيداً أفضل، تبعاً لطريقة صيدهم وأشهر السنة والليل والنهار.

الساعة الخامسة من صباح الجمعة 23 أيار 2014 ومن ميناء الصيد والنزهة في شمال المدينة، مدونة وطن "eSyria" انضمت إلى رحلة بحرية على متن الفلك "خيرية" مع الصيادين "جانودي"، و"سنكري" والهدف صيد وافر بطريقة "البولص".

عندما نرمي الرصاصة في المناطق العميقة يستغرق وصول الطعم إلى القاع وقتاً طويلاً، ووقتاً أطول عندما نرفعه، عدا أنه يحتاج إلى جهد عضلي أكبر، فلا ينتهي اليوم إلا ونعود منهكين تماماً، فإن لم يكن هناك سمك وافر فيها، فمن الأفضل أن نقترب قليلاً من الشاطئ حتى إن كان هناك أيضاً السمك أقل

يقدّر الصيادان أن أفضل مكان للصيد في هذه الفترة من السنة هو "أرض الجون" وهو الاسم المتعارف عليه لمنطقة بحرية واسعة ذات قاع رملية تقع إلى الجنوب من مدينة "اللاذقية" على بعد 1-2كم في حدها الأدنى من الشاطئ وبعمق يتراوح من عشرة إلى مئة كم، إلا أن المسافة إلى "الجون" تستغرق وقتاً في الفلك لا يقل عن الساعة للوصول إليها، ويمر المركب بمياه ذات قيعان مختلفة ومتنوعة لذلك قرر "جانودي" التوقف لاختبار مناطق تمر بها فلكه وشرح لنا ذلك فقال: «إن أفضل مكان للصيد بـ"البولص" أرض "الجون"، وتحتاج إلى أكثر من ساعة للوصول إليها لذلك ليس خطأً أن نتوقف قبالة الحاجز الصخري لميناء "اللاذقية" الرئيس "المكسر"، علنا نتمكن من صيد بعض أسماك "المنفاخ"، أو "الدياب"، أو "البحالق". ويسمي الصيادون المكان "الشراق"، ويتراوح العمق فيه من 10 إلى 25 متراً وهو ذو قاع صخري، وهذا سبب بحثنا عن الأنواع التي ذكرت من السمك دون غيرها».

مركب مجاور

في أرض "الشراق" اختار "جانودي" مكاناً بدا كأنه يعرفه جيداً، بنظرة إلى البر المقابل غرباً وشمالاً استطاع تحديد نقطة كأنما يقف، ويتابع: «يتحكم في حركة المركب بعد إطفاء المحرك عاملان هما: الريح والتيار المائي، والآن لا يوجد تيار قوي، والريح شمالية ستدفعنا ببطء نحو الجنوب، تعتمد طريقة صيد "البولص" على ثقل من الرصاص بوزن يقارب 100 غرام مربوط بأعلاه أربع سنارات يعلق عليها طعم من "القريدس"، ترمى لتصل القاع ويمسك الصياد بطرف الخيط من الناحية الأخرى بيده أو بقصبة معلق عليها بكرة للسحب سنرمي الخيط الآن لنرى ما يوجد في القاع».

كل منهما قد حضر عدته وجهز الطعم أثناء مسير الفلك، ولم يستغرق الصيد في تلك النقطة أكثر من نصف ساعة كان نصيب كل منهما بضع سمكات "دياب"، فقررا متابعة المسير إلى غايتهما "الجون"، وفي الطريق أكملنا الحديث مع "جانودي" لنعرف أكثر ما الفرق بين مكان وآخر، فقال: «عندما يجتاز الفلك المنطقة الفاصلة بين "الشراق" و"الجون" يمر فوق قاع شديد الانحدار يدعى "الحرف"، يزداد فيه العمق إلى الضعف خلال مسافة لا تزيد على مئتي متر، وهو قاع فقير بالأسماك لا يتوقف الصيادون عنده كثيراً، وإلى الجنوب ببضعة كيلومترات تصبح الأعماق كبيرة جداً حيث تعيش أسماك الغسانيات ذات اللون الوردي، وهي سمكة مطلوبة جداً وسعرها جيد في السوق، لكن في هذه المنطقة يعاني الصيادون من مشكلة العمق فتراهم يفضلون الأعماق التي لا تزيد على 50 متراً، ومع ذلك لا بأس من التجربة».

صيد اليوم

يطفئ "جانودي" المحرك ويبدأ الاثنان الصيد مجدداً ونصف ساعة أخرى تكفي لأن ينهيا الموضوع مفضلين مكاناً آخر، يدير "عفيف" المحرك لتتجه بنا "خيرية" إلى مكان آخر.

يقول البحري "عفيف": «عندما نرمي الرصاصة في المناطق العميقة يستغرق وصول الطعم إلى القاع وقتاً طويلاً، ووقتاً أطول عندما نرفعه، عدا أنه يحتاج إلى جهد عضلي أكبر، فلا ينتهي اليوم إلا ونعود منهكين تماماً، فإن لم يكن هناك سمك وافر فيها، فمن الأفضل أن نقترب قليلاً من الشاطئ حتى إن كان هناك أيضاً السمك أقل».

جانودي يسحب خيطه

قريباً من شاطئ "اللاذقية" الجنوبي يصبح العمق أقل وتبدو تفاصيل الشاطئ الرملي أكثر وضوحاً، هناك يطلق الصيادان اسماً آخر على المكان هو "الصيفية"، وغالباً ما يكون الصيد فيها أكثر سهولة وربما وفرة.

توقف الفلك كان هذه المرة موفقاً فكلا الصيادين أخرجا السمك بوفرة أكبر، إنها سمكة "الفارة" صادف أن تواجدت أعداد كبيرة منها، وبدأت تعلق بالسنارات واحدة تلو الأخرى، فبدأ الجد كما قال "عفيف"، أما "جانودي" فكان أكثر تحفظاً، وقال: «إذا أردنا أن يكون صيدنا من "الفيران" مربحاً فعلينا أن نصيد أكثر من 10 كيلوغرامات، وأن نبيعه بسعر يفوق 500 ليرة سورية للكيلو الواحد، وبذلك نغطي تكاليف الصيد ونحقق ربحاً مقعولاً أما غير ذلك فصيدنا خاسر، والجيد في هذه الأيام أن هذه السمكة مرغوب فيها للتصدير إلى "لبنان"، وهذا يرفع سعرها قليلاً، أما قبل ذلك فكان سعرها منخفضاً جداً رغم أنها سمكة جيدة ومغذية جداً، لكن ربما اسمها هو من يبعد الناس عنها؛ ولذلك (يقول ممازحاً) ربما علينا أن نسيمها اسماً أجمل».

تحت شمس أيار تهدأ الريح أحياناً ويتغير اتجاهها، وفي أحيان أخرى تقوى وتضعف، توقفنا هنا للطعام... "عفيف" يشغل المحرك و"جانودي" يذهب بنا إلى مكان يعتقده الأفضل، حتى انقضى النهار وكلاهما أنهكا من التعب، وآن لـ"خيرية" أن تعود إلى حيث انطلقت.