تعتبر زراعة التبغ في سورية واحدة من أهم الزراعات بالنسبة للدخل الاقتصادي، إذ إن سورية تعتبر من الدول المصدرة له، وللتبغ السوري ميزاته وسمعته الجيدة في الخارج، وخير دليل حصول التبغ السوري شهادة الأيزو الدولية لعام 2003.

وكما هو معروف فإن قرى الساحل السوري هي من أكثر الأماكن زراعة للتبغ، إذ إنها كانت تعج بالمساحات الخضراء المزروعة على مد النظر. غير أنه مؤخراً يلاحظ قلة زراعته، فالقرية التي كانت تزرع أراضيها كاملة بـ"الدخان" استعاضت عنه بمزروعات أخرى لا تحتاج لجهد كبير. ورغم أنه من المبكر الحديث عن قلة الإنتاج من التبغ لكونه لدى المؤسسة العامة للتبغ كميات كبيرة من السنوات السابقه، إلا أن تكرار الوضع كما هو الحال في هذا العام، ينذر بضرورة أخذ الحيطة والحذر والبحث في الأسباب الكامنة وراء ذلك.

أواظب على زراعة الدخان منذ طفولتي على الرغم من أنه لا يسد احتياجاتي، ولكن لا بد أن يكون هناك أمل يبشر بزيادة الأسعار

المزارع "محمد عيسى"، مزارع من قرية "بكراما"، يرى أن «تدني أسعار الدخان هو السبب وراء انصراف المزارع لأمور أخرى تجلب له المال ذاته وبجهد أقل، نتعب في الدخان خمسة وستة أشهر وما ندخره من المال يذهب للأدوية ولشراء المياه لكون التبغ يحتاج لسقاية متواصلة».

وبات يفضل العديد من المزارعين تشجير الأراضي الخصبة التي تصلح لزراعة التبغ والخضراوات بزراعتها بأشجار الزيتون وحتى الحمضيات، حيث يقول "كاسر حسن"، مزارع من قرية "بشلاما": «تلك المزروعات توفر كثيراً على المزارع، فهي ذات مردود أكبر، على خلاف الدخان الذي يمر بمراحل صعبة جداً تبتدئ بزراعته ومن ثم قطفه وتوضيبه وتعريضه لأشعة الشمس وفي النهاية توضيبه في أكياس خيش، دائماً تعدنا مؤسسة التبغ بزيادة سعر الدخان لكن الزيادة تأتي مخيبة للآمال ولا تعادل الجهد المبذول».

ومع أن المؤسسة العامة للتبغ تسعى دائماً وباستمرار لتطوير منتجها بهدف تحسين سمعتها، كما ذكر مديرها والعديد من القيمين عليها، إلا إن ذلك لم يعجب مزارعيها الذين يحملون سبب هجرة البعض منهم لزراعة التبغ إلى مزروعات أخرى، حيث يقول "زاهد سلطان"، مزارع من قرية "المتن": «أفضل أن أبيع دخاني بالسوق على أن أبيعه في الريجه، لأنني في السوق أتحكم بالسعر بعكس الريجه التي تترك لأحد خبرائها مسؤولية تخمين الكميات المتوافرة».

يروي الكثير من المزارعين أنهم غير مستعدين للدفع للخبير المسؤول مقابل إعطائهم أسعارا جيدة.

ومن المعروف أنه في كل عام من هذا التاريخ يستعد المزارع لشحن كميات التبغ المتوافرة لديه من أجل بيعها في الريجة، "سمير عمار"، مزارع من قرية "بشريه" يقول: «أواظب على زراعة الدخان منذ طفولتي على الرغم من أنه لا يسد احتياجاتي، ولكن لا بد أن يكون هناك أمل يبشر بزيادة الأسعار».

وعلى ما يبدو فإن الجهات المسؤولة عن زراعة التبغ ستواجه صعوبات لاحقه، إضافة إلى تلك المتمثلة في امتعاض المزارع وانصرافه إلى مزروعات أخرى، منها عدم القدرة على تحقيق المنافسة "الإنتاج المحلي من السجائر غير مرغوب به ويبقى الأجنبي يحتل الصدارة في مبيعات المحال التجارية" على حد تعبير "ريم غزال"، مهندسه زراعيه، وتضيف: «ربما طريقة تحضيره في الخارج أفضل من الطريقة المتبعة محلياً أو لربما أن الدخان عادة والناس اعتادت الأجنبي أكثر من المحلي».

لكن في الجهة المقابلة تمكنت المؤسسة العامة للتبوغ من إنتاج أصناف جيدة من المعسل ذات أضرار أخف على صحة الإنسان.

يذكر أن المؤسسة العامة للتبغ أيضاً تمكنت من تمويل مشاريعها الاستثمارية ذاتياً، "ووصل الربح الإجمالي للمؤسسة العامة للتبغ إلى 8.716 مليارات ليرة، والمبالغ المحوَّلة إلى خزينة الدولة عام 2009 هي 18.660 مليار ليرة". ولم يكن لقرار منع التدخين في سورية الذي صدر مؤخراً، أثر على إلغاء زراعة التبغ أو تخيض سعره، بل إن الجهات المعنية مستمرة في تطوير أدواتها ومنتجاتها، باستثناء زيادة الأسعار.