لم تعد الزراعة العضوية حكراً فقط على الدول الأوروبية وبعض الدول النامية فقط، إذ إن هذه التجربة انتقلت إلى سورية، لتشكل نقلة نوعية في تاريخ الزراعة السورية. حيث يقام في قرى مدينة "جبلة" و"القرداحة" مدارس حقولية لهذا الغرض، نظراً للمقومات الطبيعية لتلك القرى والتي تشكل العامل الأساسي في نجاح تجربة الزراعة العضوية الخالية من الأسمدة.

وكما هو معروف أن الزراعة العضوية تحتاج لأرض تستمد خصوبتها من مواد طبيعية كمخلفات الحيوانات، شرط أن تتغذى تلك الحيوانات على نباتات طبيعية. بحيث إن المنتج العضوي يكون خالياً من كافة انواع السماد الصناعي كي يتم تصنيفه ضمن قائمة المنتجات العضوية الصافية.

الناس بحاجة لوعي وتثقيف حول نوعية المنتجات المفيدة

وقد قامت قرية "بكراما" التابعة لمدينة "القرداحة" بتنفيذ هذه التجربة، من خلال تأسيس جمعية تحمل "أصدقاء نسمة جبل" يجتمع المزارعون من مختلف القرى المحيطة أسبوعيا من أجل تلقي محاضرات نظرية ودروس عملية تساعدهم أثناء تنفيذهم للزراعة العضوية ضمن أراضيهم الخاصة. وللوقوف أكثر على مدى نجاح هذه التجربة التقى موقع eLatakia التقى السيد "محمود شباني" مدير المشروع الخاص بالزراعة العضوية في ريف "القرداحة" الذي حدثنا عن هذه التجربة قائلاً: «تعتبر هذه التجربة الأولى من نوعها في سورية، إذ إننا نسعى إلى جعل المنتجات الزراعية عضوية، في ظل توافر الأمكانات المناسبة لذلك».

ويضيف "محمود": «إن هذا المشروع هام جداً لكونه سيتطور ليشمل زراعة نباتات طبية وعطرية في تلك المنطقة، كما ستفتح مدارس حقلية في تلك القرى تزرع خضارا ونباتات ذات فائدة طبية.

غير أن البعض من المزارعين ممن خاضوا هذه التجربة على أرض الواقع وزرعوا خضار عضوية كالخيار والبندورة، غير راضين عن هذه الزراعة، حتى إن البعض منهم ينوي أن يتركها نظراً لعدم تحقيق ربح مادي».

وفي هذا السياق يقول "أبو إيمار أحمد"، مزارع قام بزراعة الفطر العضوي وبعض الخضار: «عانينا من مشكلة كبيرة في التسويق، كما أن هناك مديرين وقيمين على المشروع وعدونا بشيء وأخلفوا ذلك.

فهمنا من خلال الاجتماعات التي كنا نعقدها بأنه سيتم تعويض المزارع الذي ضحى بأرضه لاقتناعه بمدى أهمية الزراعة العضوية، لكن ما حصل هو أننا تورطنا ولم نر من يساعدنا في التسويق ولم نحصل على حتى تعويض مادي بسيط».

وكذلك الحال بالنسبة إلى المزارع "أبو جعفر محمد،" مزارع قام بزراعة البندورة والخيار العضوي وكذلك البروكولي والفاصولياء والكوسا، يقول عن تجربته: «لقد قضيت أياما بطولها في الاهتمام بمزروعاتي لاعتقادي بأنني سأحقق مدخولا جيدا يعيلني وأسرتي، غير أن ما زرعته لم يعوض لي تكاليف خسارتي. جرت العاده أن تزرع أراضي قريتي "بسين" بالتبغ البلدي لكونه مرخصاً حكومياً وذا دخل لا بأس به بالنسبة للمزارع، وقد استغنيت عن جزء من أرضي من أجل الزراعة العضوية التي لم تعوض لي ما كان يفعله التبغ».

يضاف إلى الخسارة المادية التي مني بها "أبو جعفر" وآخرون من أمثاله، صعوبة تسويق منتجاتهم الأمر الذي جعله محبطاً من التوجه لهذه الزراعة والتفكير بعدم إعادتها مرة أخرى.

ويضيف: «عندما نضج المنتج الطبيعي لم أجد من يأخذ بيدي ممن وعدوننا بأنهم سيقفون إلى جانبنا من أجل إنجاح هذا المشروع الذي قد يكون له دور كبير في تحسين دخل المنطقة سواء سياحياً واقتصادياً».

ومع فشل التجربة من وجهة نظر المزارعين، إلا أن هناك من يرى بصيص أمل في نجاحها على مدى السنوات القادمة. حيث تقول السيدة "أم أحمد عيسى"، مزارعة أيضاً زرعت خضاراً عضوية عن تجربتها: «أي تجربة تعاني من صعوبات في عمرها الأول، ويجب أن نخسر حتى نربح كما هو الحال بالنسبة للتجارات الكبيرة. لا أستطيع الجزم بأنني سأتابع هذا النوع من الزراعات، لكن في حال توافر التسويق والسعر الممتاز فسيكون هناك كلام آخر».

التسويق إعلامياً للمشروع كان سيحقق نجاحاً كبيراً نظراً لجمال المنطقة ومدى خصوبة أراضيها، حيث يرى ممن أقدموا على التجربة أنه كان من الممكن للقيمين على المشروع الاستعانة بوسائل الإعلام المرئية والمسموعة من أجل إعلام الناس عن الزراعة العضوية وأهميتها، وهذا قد يشكل عامل جذب للآخرين كي يطلعوا على ما نقوم به.

يرى القيمون على المشروع أن ضعف الثقافة بمدى أهمية هذه الزراعة هي السبب في عدم نجاحها كلياً فهي مازالت بالبداية. فالناس برأيهم تهتم بالمظهر أكثر من المضمون، وعدم قدرة البعض من المزارعين على تسويق منتجاتهم عائد إلى الفكرة العالقة في أذهان الناس، بأن المنتج ذا الشكل الجميل أفضل من ذلك الذي تغمره التعرجات والخطوط.

وهذا ما يثني عليه الخبير الزراعي الإيطالي "بيتر"، الذي زار أماكن تلك المزروعات وقال: «الناس بحاجة لوعي وتثقيف حول نوعية المنتجات المفيدة». ولم يخف الخبير مدى اندهاشه بنوعية المنتجات المزروعة حيث قال: «تفوح منها رائحة شهية ومذاق رائع، فلو كانت مثل هذه المنتجات تباع في أوروبا لكانت الناس تتسابق لشرائها وبأغلى الأثمان».