قرية جبلية تتبع إلى ناحية "القطيلبية" التابعة لمدينة "جبلة"، وتمتاز بجمالها الطبيعي وهوائها العليل، حيث الموقع المرتفع والجروف الصخرية المكسوّة بغطاء نباتي ساحر أكسبها الكثير من المقومات التي جعلتها موطناً للإنسان منذ الأزل.

هي قرية "بجرنه" التي زارتها مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 5 تموز 2017، والتقت من أهلها "أحمد بشير علي" مختار القرية ليحدثنا عن تاريخ القرية وأصولها، بالقول: «تعدّ "بجرنه" من القرى القديمة في المنطقة، حيث سكنها الإنسان منذ أكثر من 1600 سنة، ويبلغ عدد سكانها 1000 نسمة، وسكانها معظمهم هاجروا إلى القرية من قرى مجاورة أيام الحكم التركي واستقروا فيها، وتسكنها حالياً أربع عائلات: "آل كتيبة"؛ وهي ومن أكبر وأقدم العائلات الموجودة في القرية؛ وتضم آل "علي"، وآل "أحمد"، وآل "موسى"، وآل "عيسى"، وآل "محمد"، ومن العائلات الموجودة أيضاً: آل "عجيب"، وآل "سليمان"، وآل "ديبة"، حيث كان أهلها يسكنون قديماً في بيوت بعضها من الحجر، وأخرى من الطين المدعم بالخشب، أما الآن وبعد التطور العمراني أصبحت بيوت القرية إسمنتية، وتتألف القرية من شارع رئيس واحد، يتفرع إلى فروع ترابية ومعبدة، وتتبع خدمياً إلى بلدية "تل حويري"».

تميزت البيئة الاجتماعية فيها بالبساطة والكرم، وكان التعاون والمحبة والاندماج الأخوي بين أبناء القرية الصفة الراجحة فيها، وتجلى ذلك في عمليات الزراعة والبناء، حيث كان أهل القرية يجتمعون نساء ورجالاً وأطفالاً للمساعدة في تعمير البيوت وكأنهم في عرس شعبي ليتم إنجاز العمل بسرعة، وكان الناس سابقاً يتبادلون المحاصيل فيما بينهم ويتشاركون الأفراح والأحزان، ولا تزال إلى الآن معظم عاداتنا مستمرة، وخصوصاً في المأتم والأعراس، حيث يعدّ واجب العزاء أساس التواصل الاجتماعي، وتقديم يد العون والمساعدة إلى أهل المتوفى؛ إما بالمال أو إعداد الطعام للحاضرين. وفي العرس لا تزال المشاركة فيه وتقديم الهدايا و"النقطة" للعروسين من أساسيات سكانها

وعن طبيعة القرية وحدودها، قال: «تبعد القرية عن مركز مدينة "جبلة" 18كيلو متراً، وترتفع عن مستوى سطح البحر نحو 400 متر، يحدّها من الشمال قرية "جيبول" وقرية "حمام القراحلة"، ومن الجنوب قرية "كنكارو"، ومن الشرق قرية "بسنه"، ومن الغرب قرية "شير النحل"، أضف إلى ذلك تتمتع القرية بالطبيعة الخلابة البكر التي تمثلت في نبع "الخريبة" الذي كان مقصداً لسكان القرية والقرى المجاورة للتنزه والتزود بمياه الشرب والري منذ القدم وحتى يومنا هذا، حيث كانت مياه ينابيعه تتجمع في قنوات مائية، تستخدم لتدوير طواحين الحبوب، وتعدّ من القرى المتميزة بموقعها، حيث تحيط بها مجموعة من الارتفاعات الجبلية التي كوّنت لها حماية من الظروف الجوية، وجعلت جوّها منعشاً ورطباً صيفاً، ومعتدلاً شتاءً».

المختار أحمد بشير علي

وفي لقاء مع "صالح عجيب" البالغ من العمر 74 عاماً، قال عن عادات القرية وتقاليدها: «تميزت البيئة الاجتماعية فيها بالبساطة والكرم، وكان التعاون والمحبة والاندماج الأخوي بين أبناء القرية الصفة الراجحة فيها، وتجلى ذلك في عمليات الزراعة والبناء، حيث كان أهل القرية يجتمعون نساء ورجالاً وأطفالاً للمساعدة في تعمير البيوت وكأنهم في عرس شعبي ليتم إنجاز العمل بسرعة، وكان الناس سابقاً يتبادلون المحاصيل فيما بينهم ويتشاركون الأفراح والأحزان، ولا تزال إلى الآن معظم عاداتنا مستمرة، وخصوصاً في المأتم والأعراس، حيث يعدّ واجب العزاء أساس التواصل الاجتماعي، وتقديم يد العون والمساعدة إلى أهل المتوفى؛ إما بالمال أو إعداد الطعام للحاضرين. وفي العرس لا تزال المشاركة فيه وتقديم الهدايا و"النقطة" للعروسين من أساسيات سكانها».

ويتابع: «يعتمد الأهالي منذ القدم على الزراعة وتربية الماشية، وخصوصاً القمح والشعير وزراعة الكرمة والتين الذي كنا نجمعه قديماً ونجفّفه صيفاً، ونحفظه كوجبة شتوية، ولا يزال "هبول التين" حاضراً في موائدنا حتى يومنا هذا، إضافة إلى أننا كنا نجمع "الخرنوب" لنحضر منه الدبس والعصير، لكن في أيامنا هذه، توجه المزارعون إلى زراعة الزيتون والتبغ والزعتر، حيث تعدّ ثمرة الزيتون "مونة" البيوت، سواء عبر تخزينها كمادة للطعام، أو استخراج "زيت الخريج" منها بواسطة المكابس الآلية، أضف إلى أن معظم مزارعي القرية استطاعوا تحويل الأراضي الحراجية في سفوح الجبال إلى مدرجات صالحة للزراعة، حيث يوجد بالقرب من كل بيت مزارع صغيرة تستخدم لزراعة بعض الأشجار المثمرة، كالتفاح والمراب والخوخ وبعض الخضراوات، كالبصل والبقدونس والنعناع والبندورة، وغيرها من النباتات المنزلية، وتميزت القرية تراثياً بصناعة الأدوات المنزلية من أعواد الريحان كالسلال و"القفر"، وصناعة الأطباق من القش الطبيعي، ويمارس عدد من السكان مهنة التجارة أيضاً».

العم صالح عجيب

شهدت قرية "بجرنه" نقلة علمية ملحوظة، وعن ذلك تحدث "حسن عجيب" (خريج كلية التربية) ومدرّس في مدرسة القرية الابتدائية، قائلاً: «منذ أربعينيات القرن الماضي، بدأ التعليم في القرية، حيث كان قاصدو العلم ينتقلون إلى القرية المجاورة "تل حويري" للتعلم عند خطيب القرية الذي كان يجمع الأطفال من عدة قرى مجاورة ليعلمهم الحساب وأصول اللغة العربية والقرآن الكريم، وفي أوائل السبعينيات تم استئجار غرفة من قبل مديرية التربية، لجعلها مدرسة ابتدائية للقرية بمعلم وحيد من خارج القرية لكل الصفوف، بينما كان أبناء القرية في المرحلتين الإعدادية والثانوية يتعلمون في مدرسة "كنكارو"، وفي الثمانينيات نهضت القرية فكرياً وأصبح الكادر التدريسي في المدرسة من بنات وشباب القرية المتعلمين والمثقفين، وبنيت مدرسة حديثة للتعليم في القرية، وزادت نسبة المتعلمين من الشباب، وتوزعت شهاداتهم ما بين المعاهد والجامعات، إضافة إلى العاملين في الوظائف الحكومية من مختلف الشهادات، الذين ساهموا في نقل القرية من حالة اجتماعية زراعية إلى حالة فكرية وعلمية».

ويذكر الباحث "محمد جميل حطاب" في كتابه "معجم أسماء المدن والقرى في محافظة اللاذقية"، أن "بجرنه" كلمة سريانية تعني مكان الجرن، وفي اللغة العربية تعني جرن الحبّ؛ أي طحنه.

صورة القرية عبر غوغل إيرث