"كنكارو" قرية جبليّة تمتاز بعفويّة جمالها الطّبيعيّ، وبساطة ناسها. وتشهد أحجارها المنقوشة، ولقاها الأثريّة على قدم سكنها وسكّانها، حيث منحها هذا عمقاً تاريخيّاً مهمّاً.

مدوّنة وطن "eSyria" زارت القرية في ريف "جبلة" الجنوبيّ الشّرقيّ بتاريخ 5 آب 2014، والتقت مختارها "فريد علي"، الّذي تحدّث عنها بالقول: «قريةٌ جميلةٌ تحيط بها غاباتٌ متفرّقة، تبعد عن مركز مدينة "جبلة" 18 كيلومتراً، وترتفع عن سطح البحر 336 متراً. يحدّها من الغرب قرية "البويتات"، ومن الشّرق قرية "حمّام القراحلة" وقرية "بجرنة"، ومن الجنوب قرية "تل حويري"، وقرية "الربوة"، ومن الشّمال قرية "بتمانا"، وقرية "جوب ياشوط"».

من مشاهيرها أدبيّاً، الدّكتور الباحث في مجال النّقد الأدبيّ "محمد عبد الرّحمن يونس" المعروف بمؤلّفاته المتنوّعة، كالرّوايات والتّراجم والنّقد

وعن سكنِها، وسكّانها، والمزارع التّابعة لها تحدّث: «هي مسكونةٌ منذ أكثر من ألف سنةٍ، تشهد على ذلك بعض اللّقى الأثريّة في منطقة "الرّجيمات". يبلغ عدد سكّانها حاليّاً 1850 نسمةً، وتسكنها الآن عائلات "آل عمران، وآل عبد الرّحمن، وآل علي، وآل جمالة، وآل صويفي، وآل إسماعيل"، حيث يعيشون في بيوت إسمنتيّةٍ بالقرب من أراضيهم الزّراعية، وتضمّ العديد من المزارع "كشّور، الرّويسة، الشّزريقة، الضّهر"، وتتألّف من شارع رئيسيّ واحد، يتفرّع إلى فروع ترابيّة، ومعبّدة تصل القرية ببعضها بعضاً، وتتبع خدميّاً لبلديّة "تلّ حويري"، وفيها جمعيّةٌ فلاحيّة، ومركز صحّيّ، ومخزن استهلاكيّ».

مختار "كنكارو" السّيد "فريد علي"

وختم حديثه بالقول: «من أهمّ ما تتمتّع به قريتنا هو "وادي كنكارو" بينابيعه التي كانت سابقاً تتجمّع في قنواتٍ مائيّةٍ، تُستخدم لتدوير طواحين الحبوب، وهو يشكّل حاليّاً متنزّهاً يقصده المُصطافون من القرية، والقرى المجاورة صيفاً، للتمتّع بمياهه العذبة، وهوائه العليل».

شهدت "كنكارو" نقلةً علميّةً مهمّةً، وعن ذلك تحدّث الشّاعر "أمجد عبد الرّحمن"، المدرّس في مركز التعليم المستمرّ، ومدرسة التّمريض في "القرداحة"، قائلاً: «يوجد في القرية أربع مدارس لحلقة التّعليم الأساسيّ، ومدرسة ثانوية. وقد تشكّلتْ هذه المدارس في أوائل سبعينيات القرن الماضي، بعد أن كانت المدرسة عبارةً عن غرفتين قديمتين مستأجرتين من قبل مديريّة التّربيّة، وهذه المدارس موزّعة في القرية، والمزارع التّابعة لها، حيث إنّها تستقطب الطلاب من القرى المجاورة لها مثل: "تل حويري، البويتات"».

الموظّف "أحمد إبراهيم"

ويضيف: «نسبة المتعلّمين من الشّباب عالية، تتوزّع شهاداتهم بين المعاهد، والدّراسات العليا، حيث يتواجد فيها الأطبّاء والمهندسون وأساتذة الجامعة والمحامون والصّيادلة، إضافةً إلى العاملين في الوظائف الحكوميّة من ذوي الشّهادات المختلفة. وقد لعب هؤلاء جميعهم دوراً فاعلاً في نقل القرية من حالةٍ اجتماعيٍة زراعيّةٍ، إلى حالةٍ اجتماعيّةٍ علميّةٍ ثقافيّةٍ».

وأنهى حديثه بالقول: «من مشاهيرها أدبيّاً، الدّكتور الباحث في مجال النّقد الأدبيّ "محمد عبد الرّحمن يونس" المعروف بمؤلّفاته المتنوّعة، كالرّوايات والتّراجم والنّقد».

موقع "كنكارو" على "غوغل إيرث"

الجدّة "سوريا اسكندر يوسف" تحدّثت عن ذاكرتها الحيّة في قرية "كنكارو" بالقول: «ولدنا في بيوت طينيّة، وكنّا نصنع ضمنها "عرازيل" للنّوم، حيث الفراش عبارةٌ عن لبّادِ صوفٍ مصنوع من صوف الغنم. ومن أكلاتنا المُميّزة، مُتبّلة الحنطة "القمحية" صيفاً، و"السّلق" شتاءً حيث نصنع "الأقراص بالسّلق، الكبّة بالسّلق". ومن البراري كنّا نحضر "الهندباء، وقرص العنّة، والخبّيزة"، وتقوم بذلك النّساءُ على شكل مجموعاتٍ مؤلّفةٍ من ثلاثِ نساءٍ أو أكثر. وكان "خبز التّنور" هو رغيف الحياة، وملحها الذي لا أزال أصنعه إلى الآن. وكنّا نجمع "التّين"، ونيبّسه صيفاً، ونكبسه في تنكات كوجبةٍ شتائيّة، ولا يزال "هبّول التّين" حاضراً في سهراتنا. وكذلك نلمّ "الخرنوب"، ونقدّمه للضّيوف».

وتضيف عن العادات القديمة: «كانت الأسر تخصّص كلّ ليلةٍ سهرةً في بيت إحداها حيث نغنّي، ونبحث في المشكلات، في ذلك الزّمن الذي كان وجود المذياع فيه أشبهَ بالحلم، ولا تزال إلى الآن معظم عاداتنا مستمرّة، وخصوصاً في المأتم، والعرس، حيث يُعدُّ واجب العزاء أساسَ التّواصل الاجتماعيّ، فتتمّ مساعدة أهل المتوفى بالمال، والطّعام من "برغل، وزيت، وملح"، وغيرها. وفي العرس لا تزال المشاركة فيه، وتقديم الهدايا، و"النّقطَة" للعروسين، ما يؤكّد انتماء هذه الأسرة الجديدة لأسرة "كنكارو" الكبيرة».

الموظّف في البحوث الزّراعيّة "أحمد إبراهيم" تحدّث عن الواقع الزّراعيّ في قريته بالقول: «يعتمد اقتصاد "كنكارو" بشكلٍ أساسيّ على الزّراعة، وهي زراعة بعليّة مطريّة، تغلبُ عليها زراعة الدّخان البلديّ نوع "شك البنت"، وزراعة أشجار "الزّيتون" حيث تشكّل ثمرة الزّيتون "مونة" البيوت، سواء عبر تخزينها كمادة للطّعام، أو عبر استخراج "زيت الخريج" منها، بواسطة المكابس الآلية، ويتمّ بيع الفائض منه».

وتابع: «استطاع مزارع "كنكارو"، ككلّ مزارعي القرى الجبليّة، تحويلَ سفوح الجبال إلى مدرّجاتٍ صالحةٍ للزّراعة، حيث يوجد بالقرب من كلّ بيتٍ، مَزارعُ صغيرة لزراعة بعض النّباتات المنزليّة "الثوم، والبصل، والسّلق". وتربّي بعض الأسر الأبقارَ، والدّواجن، ليصبح "الحليب والبيض"، جزءاً من الدّخل الأسريّ».

بقي أن نذكر أنّ اسم القرية قد تحوّل من "كنكارو" إلى "الكرامة" في أوائل سبعينيات القرن الماضي. ويذكر الباحث "محمد جميل حطّاب" في كتابه "معجم أسماء المدن، والقرى في محافظة اللاذقيّة"، أنّ "كنكارو" مؤلّفة من مقطعين "كن- كارو" وتعني "كور العمامة"، وهي جماعة الكثير من البقر، أو البقعة التي تجتمع بها المساكن والقرى.