قرية جبليّة تتمتّع بإمكانيّاتٍ سياحيّة مهمّة على صعيد الجمال الطّبيعيّ وبقايا آثارها، وتضفي عليها بساطة أهلها وأصالتهم كثيراً من الجمالِ الإنسانيّ، إنها قرية "تل حويري".

مدوّنة وطن "eSyria" زارت القرية بتاريخ 28 نيسان 2014، والتقت مُختارها "علي أحمد إبراهيم" الذي تحدّث عنها بالقول: «هي قرية جبليّة من ريف "جبلة" الجنوبيّ، ترتفع عن مستوى سطح البحر 360 متراً، وتبعد عن مركز المدينة 21 كيلومتراً، تحدّها قرية "كنكارو" شمالاً، وقرى "البويتات، واللّوزيّة، والحصان" غرباً، وقرية "حربوق" جنوباً، وقريتي "بجرنة، وبسنّة" شرقاً، وتطلّ على سهول "اللاذقيّة، وجبلة، وبانياس" حتّى نهر "السّن"، وتتألف من الجنوب إلى الشّمال من: الحارة الفوقانية، والحارة التحتانية، وحارة الرّويّسة، أو حارة البلان نسبةً لشجيرة "البلان"، ثمّ حارة الضّهر، التي تسمّى حارة "بيت بطّة". ومن العائلات التي تسكنها: "آل داود، وآل إبراهيم، وآل محمود، وآل بطّة، وآل عبّاس، وآل عمران"، ويبلغ عدد سكّانها 1200 نسمة، يعيشون في بيوت إسمنتيّة تتوزّع على جانبي شوارعها، وبالقرب من مزارع الزّيتون والأشجار المثمرة الأخرى».

"تلّ حويري" اسمٌ ذو مصدرٍ جغرافيّ، فالتّلّ هو ما ارتفع من الأرض عمّا يجاوره، ولعلّ "حويري" اسم علمٍ مُضافٍ إلى التّلّ

مدير "مدرسة كنكارو" السّابق "محمّد داود" تحدّث عن الواقع التعليميّ فيها قائلاً: «لا توجد مدرسة في القرية، وإنّما يتعلّم أبناؤها في مدرسة "كنكارو" القريبة؛ التي كانت في بداياتها عبارةً عن غرفتين من الطّين مُستأجَرتين من قبل مديريّة التّربيّة في وسط القرية، ومفصولتين إحداهما عن الأخرى بغرفةٍ صغيرةٍ كمستودعٍ للحطب الذي يُستخدَم في التّدفئة الشّتائيّة، وكانت جدران المدرسة مزيّنة بالرّسوم والخرائط التّعليميّة، ويتعلّم فيها التلاميذ من الصّفّ الأوّل حتى الصفّ الخامس».

تل حويري من غوغل إيرث

وتابع: «في بداية السّتّينيات من القرن الماضي تحوّلت المدرسة إلى مدرسة إعداديّة مصنوعةٍ من الإسمنت عن طريق إلحاق بعض بيوت القرية بالمدرسة القديمة، وفي أواخر السّبعينيات تمّ إحداث الثانويّة التي استقطبت الطّلاب الذين كانوا يتابعون الدّراسة عادةً في مدرسة "القطيلبيّة"، ومدارس مدينة "جبلة"».

وأنهى حديثه بالقول: «حقّقت القرية تطوّراً علميّاً مهمّاً، ومن النّادر أن توجد أسرةٌ فيها لا يحمل أحد أبنائها شهادةً مميّزةً، علميّةً وأدبيّة، ففيها الأساتذة والمحامون والأطباء والمهندسون الذين ساهموا في تحسين وضعها الاقتصاديّ والثّقافي».

مزارع من الزيتون

المزارع وموظّف الرّيجة "عبد العزيز حمّود" تحدّث عن الواقع الزّراعيّ والمعيشيّ بالقول: «يعتمد اقتصاد القرية على زراعة "الدّخّان، والحبوب، والزّيتون" بشكلٍ أساسيّ، وقدّ حوّل المزارعون الكثيرَ من السّفوح الجبليّة إلى مدرّجاتٍ، وخصوصاً تلك القريبة من البيوت لزراعة "الثّوم، والبصل، والورود"، وفيها الكثير من الأشجار المُثمرة: "المشمش، التّفاح، الإجاص، واللّوز، والرّمان".

وإضافة إلى الزّراعة ما تزال بعض الأسر تربّي "الأبقار والدّواجن"، ويدعم هذا كلّه وجود الوحدة الإرشاديّة. وإلى جانب العمل الزّراعيّ الرّعويّ ينشط الأهالي في التّجارة والمهن الحرّة والوظائف الحكوميّة».

المختار " علي إبراهيم"

الجدّة "سعدة جنيدي" التي تبلغ من العمر 83 عاماً، وتتمّتع بذاكرة جميلة ودرايةٍ في عادات القرية تحدّثت بالقول: «في الزّمن القديم كنّا نعتمد على تربية الحيوانات "الماعز، والغنم، والأبقار"؛ حيث تذهب النّساء إلى المنطقة السّاحلية لجلب "الحشيش" من منطقة "تلّ جلال وبستان الميقاتي والبرجان" على ظهر الدّواب وبمساعدة الرّجال، وكنّا ننقل الماء من "وادي كنكارو" على الأكتاف بواسطة جرّة أو تنكة، وأحياناً على ظهر الحمير. وفي موسم حصاد "القمح" تتعاون الأسر بطريقة "المُحابرة"؛ حيث يجتمع الشبّان معاً لإنهاء العمل في حقلِ أحد المُزارعين، وفي اليوم التّالي ينتقلون إلى حقلٍ آخر، وكنّا نرسل القمح إلى طواحين "السّخابة، الدّيدبان، وادي بيت الحجل، الحمّام"؛ لتأمين "المُونة" من الطّحين».

وتابعت: «في حالات الوفيّات تتمّ مساعدة أسرة الميّت بـ"البرغل والزّيت والمال" حسب المقدرة، وفي الأعراس؛ كان يُقام العرس لمدّة ثلاثة أيام بلياليها برفقةَ الطّبل والزّمر والمواويل وظاهرة "الشّوبشة"؛ التّي تعبّر عن كرم الأهالي ورغبتهم في مساعدة العروسين. وفي "أعياد الرّابع" نشارك القرى السّاحليّة في الفرح حيث السّاحات الواسعة والمُلتقى الشّعبي».

وختمت حديثها بالقول: «من الأكلات المُميزة قديماً وحاليّاً "التّرموسة"، وهي فطائر بسلقٍ كبيرة، و"خبز التّنور والبربارة والسّليقة"، ولا تزال عادة توزيع الحلوى في المناسبات "أعياد الميلاد، ورأس السّنّة" تشهد على حبّ أهل القرية لبعضهم بعضاً، ورغبتهم في الفرح المُشترك».

حظيتْ "تلّ حويري" بالدّراسات والبحوث لجمال طبيعتها وعمقها التّاريخيّ، حيث يقول الباحث "حيدر نعيسة" في دراسةٍ عامةٍ موجزةٍ عنها: «هي قريةٍ أثريّة قديمةِ الإعمار، إذ تقوم في أراضيها الخرائبُ العمرانيّة القديمة العديدة، وتتناثر فيها اللّقى والنّقود الأثريّة. وقد عُثر فيها على العديد من الأوعية الفخّاريّة، والمقابر الدّارسة، ومعاصر الكرمة الصّخريّة، كذلك عُثرَ في أراضي "ضهر الشّيخ سلامي" على بقايا كُسرٍ فخّاريّة، إضافةً إلى كثرة الكهوف الطّبيعيّة، والنّواويس المنقورة في الصّخور الصّلبة، التي اتُّخذَتْ مدافن عائليّة في العهد البيزنطيّ».

ويضيف الباحث "نعيسة": «شهدتْ القرية نهضةً شاملةً شملتْ جميع جوانب الحياة الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة، كما غطّتها شبكةٌ من المرافق العامّة والخدمات الحضاريّة من الشّبكة الكهربائيّة، والهاتفيّة، والصّرف الصّحيّ، ومدارس التعليم، والوحدة الإرشاديّة، والمستوصف، وتمّ إحداث مجلسٍ بلديّ فيها تشمل خدماته "تلّ حويري، بجرنة، بسنّة، حربوق، كنكارو"».

وعن سبب التّسمية قال: «"تلّ حويري" اسمٌ ذو مصدرٍ جغرافيّ، فالتّلّ هو ما ارتفع من الأرض عمّا يجاوره، ولعلّ "حويري" اسم علمٍ مُضافٍ إلى التّلّ».

بقي أن نذكر أنّ الباحث الدّكتور "أحمد داود" مؤلف سلسلة "سورية وعودة الزّمن العربي"، هو من أبناء هذه القرية الذي عمل جاهداً لإغناء المشهد الثقافيّ السّوريّ.