قرية ساحلية نالت شهرتها بسبب وجود "تلّ سوكاس" الأثريّ الذي أخذتْ اسمها منه، ليمنحها بعداً جديداً يُضاف إلى جمالِ طبيعتها وعفويّة أهلها.

مدونة وطن "eSyria" زارت قرية "سوكاس" في ريف "جبلة" السّاحلي الجنوبيّ، بتاريخ 16 شباط 2014، والتقت مختارها السّيد "سهيل عبد الله" للحديث عنها؛ حيث قال: «تبعد قرية "سوكاس" 6 كيلومتر عن مركز مدينة "جبلة"، تحدّها قرية "قبو سوكاس" شمالاً، والبحر المتوسّط غرباً، وقرية"الأشرفيّة" و"عين الدّلب" شرقاً، ومزرعة "الدبيقة" التابعة لقرية "عرب الملك" جنوباً، وهي مسكونة منذ أكثر من 100 عام.

معظم القرى القريبة مثل: "قبوسوكاس، والأشرفية، والزهيريات"، وحتّى قرية "عرب الملك" يُطلق عليها أحياناً "سوكاس" لأنها الأكثر شهرةً بسبب وجود التلّ الأثري حيث يعد نقطة جغرافية أساسية في هذه المنطقة السّاحلية

ومن أوائل العائلات التي سكنتها: "آل عبد الله العمارة، وآل مسلم، وآل المفرّج، وآل رابعة، وآل الشبقون"، و"آل العلي" الذين أتوا من مناطق الغاب للعمل في أراضيهم الزراعية، وسمّيت هذه القرية باسم التلّ القديم "تل سوكاس" الذي منحها بعداً تاريخيّاً وجماليّاً، لكن المحزن أنّ هذه القرية لا تحتوي مدرسةً أو مستوصفاً أو وحدة إرشاديّة كالكثير من القرى، وهي تابعة إلى قرية "قبو سوكاس" تضريسيّاً، وتتبع إداريّاً إلى بلديّة "البرجان"».

سوكاس

وتابع: «يبلغ عدد سكّانها نحو 1200 نسمة يسكنون في بيوتٍ حديثة قريبة من مزارعهم أو على جانبي الشّارعين الرئيسين اللذين يخترقان القرية، ومعظم هذه البيوت هي حديثة وصلتها الكهرباء والهاتف ومياه السّن منذ ثمانينيات القرن الماضي، ومازالت بعض البيوت المصنوعة من حجر القطع تشهد على قدم سكنِها من قبل المزارعين الذين استصلحوا الأراضي وزرعوها».

معظم أهلها يعملون بالزراعة كوسيلة أساسيّة للعيش، وعن ذلك تحدّث المزارع "نزار العليّ" بالقول: «تشّكل زراعة "الحمضيات" بأنواعها عملَ المزارعين واهتمامهم الزراعيّ الأكثر حضوراً، وبسبب ذلك يهتمّ مزارع "سوكاس" بنشرات التّوعية وأوقات الرّش والتقليم والرّيّ والقطاف؛ حيث تتحوّل الأسر في أشهر الشّتاء بدءاً من تشرين حتى أواخر آذار إلى ورشاتِ عملٍ نشيطة.

ميناء الصيد القديم

وبحكم عدم وجود وحدة إرشادية في القرية فإنها تدعم أفكارها الزراعية عن طريق الوحدات الإرشادية في قرية "الأشرفية" وقرية "قبو سوكاس" القريبتين، وكانت تعتمد في الرّي على "نبع الدّلب ونبع القصب" سابقاً، وبعد ذلك وصلت مياه السّن عبر الفروع المائيّة والمضخّات المضغوطة لتكون بديلاً لها».

وتابع: «تعود رويداً رويداً إلى "سوكاس" الزّراعة المحميّة بواسطة "الأنفاق"، حيث تلعب الخضراوات الباكوريّة "الكوسا والباذنجان" دوراً داعماً للزّراعات المكشوفة التي بدأت تنحسرُ باستثناء بعض المحاصيل "الباذنجان والفستق والكوسا والبندورة"، أمّا زراعة "الدّخان" التي كانت سائدةً فيما مضى فقد انعدمتْ بشكلٍ كامل تقريباً».

مختار القرية

المصوّر "محمّد علي عيسى" تحدّث عن العادات التي تحكم العلاقات الاجتماعية في "سوكاس" قائلاً: «بحكم عملي كمصوّر متجوّلٍ رصدتُ تواصل الناس في الليل والنهار، وعرفتهم في حزنهم وفرحهم بشكلٍ عفويّ حقيقي، فلا تزال الأسرُ تتواصلُ بحبًّ كبيرٍ حيث يدعم الأهالي الزّواجَ بما يستطيعون من تقديم المال والهدايا، ويحدث أيضاً هذا في حالات الحزن والنّكبات حيث تتمّ إعانة أهل المتوفّى بالمال عبر صندوق العزاء، وبشكلٍ عام فإنّ مساعدة المتزوّجين حديثاً وإعانة أهل الميت هما العادتان المستمرّتان دون تغيّر في الوسط القرويّ».

وتابع: «لا تزال الكثير من أنواع الأطعمة والأكلات تعكس انتماء أهل القرية إلى ذلك الزّمن الجميل الذي كان فيه الأهالي يجتمعون حول مذياعٍ واحدٍ في دار أحد الأبناء؛ حيثُ "البربارة، والسّليقة، والأقراص بالسّلق، والكبّة بلحمة والبرغل" هي أكلات الجيران والضّيوف قبل أهل البيت».

لا يوجد في قرية "سوكاس" مدرسة حيث يتعلّم أبناؤها في مدرسة "قبو سوكاس" القريبة، وعن الواقع التعليمي وبدايته تحدّث مدير المدرسة الأستاذ "فؤاد لولو" بالقول: «في سبعينيات القرن الماضي كانت المدرسة عبارة عن ثلاثِ غرفٍ من بيت المزارع المرحوم "صالح لولو" حيث استأجرتها منه مديرية التربية، وكانت هذه المدرسة تستقطب أبناء "سوكاس وقبو سوكاس" وقسماً من أبناء قريتي "الزّهيريات والأشرقية"، حيث يوجد في القاعة الواحدة صفّان من التلاميذ، وكان المدرّس يعطي نصف ساعة لكلّ صفٍّ ما يسبّب مشكلات تدريسيّةً وصعوبةً في فهمِ التلاميذ لدروسهم».

وتابع: «في عام 2000 تمّ بناء مدرسة حديثة استقطبت الطّلاب لتبدأ مرحلة من التعليم الحديث، وتمّ تتويج هذه الخطوات العلميّة ببناء مدرسة ثانوية في العام 2013 حيث يدرس فيها الطّلاب حتى الصفّ الثاني الثانوي ليستكملوا دراستهم بعدها في مدرسة "البرجان" أو في مدراس مدينة "جبلة"، ومن المعروف أنّ معظم أهل "سوكاس" قد تعلّموا وحصّلوا تعليماً عالياً؛ ففيها المحامون والمهندسون والأطباء وإجازات جامعية متنوعة ساهموا جميعاً في تحقيق نقلة مهمّة على صعيد القرية اجتماعياً واقتصاديّاً وثقافيّاً».

وأنهى بالقول: «في العام 2013 أقام مدرّس الفنون في المدرسة "شادي جنوب" معرضاً للأدوات التراثية مثل: "الرّحى"، و"بابور الكاز"، وأدوات "التنور"، وأدوات الزّراعة، مثل: "الشّاتول، والسّلال، والمناكيش" في محاولة منه لدمج الذاكرة القديمة للقرية بحاضر الطّلاب الذين أخذتهم التطورات التكنولوجية».

وعن "تلّ سوكاس" ودوره على صعيد القرية تحدّث الحقوقيّ "علي مسلّم" قائلاً: «تناولت دراسات تاريخيّة كثيرة هذا التلّ حيث تؤكّد على قدمه الذي يعود إلى أكثر من ألفي سنة قبل الميلاد، ليشهد بذلك تعاقب حضاراتٍ مهمّة عليه من أبرزها الحضارة الفينيقية والعربية الإسلامية واليونانية، وتشهد بذلك اللقى والآثار التي كشفت عنها البعثات التي نقّبت في مستويات وطبقات التلّ، وهناك الكثير من هذه اللقى الأثرية في المتاحف السّورية».

يدعم خليجا "تلّ سوكاس" الشّمالي والجنوبيّ الوضع الاقتصادي للمزارعين، وعن ذلك قال "مسلّم": «امتهنَ بعض شباب القرية الصّيدَ كوسيلة إضافيّة للعيش، وغالباً ما يكون موسم الصّيد أهمّ من موسم الليمون والزراعات الأخرى، وفي الصيف خصوصاً يتحوّل الخليجان إلى مصدر رزق لأهالي "سوكاس" حيث يأتي المصطافون وأهالي القرى المجاورة لتتحوّل صّخور الشّاطئ إلى أماكن لبيع "الذرة والفول"، وتنشط بسبب ذلك المحلّات التجارية القريبة».

وختم حديثه بالقول: «معظم القرى القريبة مثل: "قبوسوكاس، والأشرفية، والزهيريات"، وحتّى قرية "عرب الملك" يُطلق عليها أحياناً "سوكاس" لأنها الأكثر شهرةً بسبب وجود التلّ الأثري حيث يعد نقطة جغرافية أساسية في هذه المنطقة السّاحلية».