في "جبلة" العديد من الرموز التي تميزها.. منها ما هو ديني.. ومنها الأثري أيضا.

أما القيمة المضافة فتبدو في أجمل صورها عندما يندمج الحضور الروحي بالقدم والتراث ليكون محط اهتمام وشهرة...

الجامع بتكوينه المعماري الحاضر بناء (أيوبي- مملوكي) لا أثر فيه للتأثيرات الصليبية وهذا يدل على أنه خضع لعملية بناء أخرى فيما بعد

ومن هذه الرموز في "جامع المنصوري" الذي تحدث لموقعنا عنه مدير شعبة أوقاف "جبلة" السيد "عبد الرحمن غلاونجي" حين التقيناه بتاريخ (26/1/2009) فقال:

مئذنة الجامع

«يقع "جامع المنصوري" في منطقة "زقاق البحر"، ويعود تاريخ بنائه إلى عام (473-493هـ) بعهد قاضي جبلة "أبي محمد عبيد الله بن محمد بن منصور التنوخي" الذي كان حينها مستقلاً بحكم "جبلة" وقد بني المسجد على أنقاض كنيسة بيزنطية شامية الطراز، فالتنوخيون في ذلك الوقت هم من استولوا على ما خلفه البيزنطيون من أموال وأبنية بعد رحيلهم، ومع الإحتلال الصليبي لـ"جبلة" عام (503هـ) حولوا الجامع إلى كنيسة لاتينية وبفتح "صلاح الدين الأيوبي" لجبلة عاد الجامع إلى أهله».

وتابع "غلاونجي": «الجامع بتكوينه المعماري الحاضر بناء (أيوبي- مملوكي) لا أثر فيه للتأثيرات الصليبية وهذا يدل على أنه خضع لعملية بناء أخرى فيما بعد».

العقود المشكلة لسقف الموضئ

وعن أقسام المسجد قال "غلاونجي": «"جامع المنصوري" مشيد بالحجر المنحوت، له بوابتان فوق كل بوابة مظلة مكونة من عقد نصف دائري والبوابة الرئيسية في الطرف الشرقي والأخرى في الطرف الشمالي بينهما صحن مربع مكشوف مفروش ببلاط حجري رملي نحيت ويقع في الجهة الجنوبية منه بيت الصلاة وهو عبارة عن رواق مستطيل، الشكل قائم على عشرة عقود نصف دائرية، وله قبة ترتكز على أربعة عقود ذات مقرنصات زخرفية غير متناظرة وبداخله محراب وإحدى عشرة نافذة وبابان خشبيان، يكتنف الصحن من الجهة الغربية مجنبة ذات عقود ثلاث بداخلها الموضأ، وبالجهة الشرقية مجنبة من ثلاثة عقود الثالث منها يحتوي الباب الرئيسي والعقدان الآخران مسدودان يستعملان كمحلات تجارية وفي الجهة الشمالية مجنبة من عقدين مسدودين ومخصصين للسكن، أما مئذنة الجامع فهي عالية الأضلاع تعلوها شرفة تلتف حول الجوسق العلوي المغطى بقبة ذات طراز هندسي أيوبي ويوجد في الطرف الجنوبي لهذه المئذنة نجمة تزينية مفرغة».

ووضح "غلاونجي" بأنه: «قد تم في البناء الأخير لهذا الجامع مراعاة تعرض "جبلة" للعديد من الزلازل فجداره الجنوبي (القبلي) مدعوم من خارجه بخمسة أقواس حجرية على شكل ربع دائرة يمر طريق تحتها ولا تتماسك أطراف حجارتها بالجدار أو تتعشق به بل تلامسه من دون تراكب لتخفيف وطأة الزلازل وحفظ جداره الخارجي الرئيسي من السقوط».

لوحة أثرية مؤلفة من خمسة أسطر مكتوبة بالخط النسخي

وأثناء زيارتنا للجامع لاحظنا وجود العديد من الكتابات على جدران الجامع وعن أهمها قال "غلاونجي":

«هناك نقش مملوكي تاريخي مسجل على لوحة من الحجر مثبتة على جدار بالقرب من باب بيت الصلاة طولها (73سم) وعرضها (48سم) والنقش مؤلف من خمسة أسطر من الخط النسخي الصغير مكتوب بالسطر الأول (بسم الله الرحمن الرحيم عمر هذا الرواق المبارك...) وفي الثاني (بأمر مولانا السلطان الملك الناصر لدين الله محمد بن قلاوون الصالحي)، وفي الثالث (خلد الله ملكه بأمارة المقر الأشرف السيفي أرقطاي الناصر نائب الفتوحات)، وفي الرابع (الظاهري أعز الله نصره شاد الفقير إلى رحمة)، وفي السطر الخامس (الفاتح بتاريخ مستهل شوال منه أحدى وأربعين وسبعمائة للهجرة)، وهذا يدل على أن رواق المسجد أضيف في عهد الدولة المنصورية التي أسسها السلطان المملوكي الملك الناصر "محمد بن قلاوون" أثناء ولاية "سيف الدين أرقطاي بن عبدالله المنصوري الذي تولى نيابة طرابلس والفتوحات الساحلية بما فيها "اللاذقية" و"جبلة" بين (23محرم 741هـ) و(شعبان 742هـ) .

أما لماذا سمي هذا الجامع بالمنصوري فأشار مدير شعبة الأوقاف "غلاونجي" إلى: «وجود احتمالين أولهما أنه سمي نسبة لباني رواقه وهو نائب الفتوحات "أرقطاي" الملقب بالمنصوري وقد كان من مماليك الملك المنصور "قلاوون الصالحي" فعرف الجامع باسمه، والاحتمال الثاني أنه سمي نسبة إلى الملك "المنصور قلاوون" مؤسس الدولة المنصورية التي توالى عليها بعده أبناؤه وأحفاده)».