تعدّ "كاملة جديد" "أم مظهر" امرأة ريفية خام من خلق الطبيعة، لم يفسد ذوقها التطور الحديث، وبقيت على طبيعتها التراثية كالموقع الذي اختارته لتعيش فيه، وباتت معلماً أصيلاً من معالم "جوبة الربند".

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 22 كانون الثاني 2017، في إحدى الطرق المؤدية إلى "جوبة الربند" التابعة لريف "القرداحة" بـ "كاملة جديد"، لتحدثنا عن حياتها وسبب بقائها بعيدة عن الناس والحضارة، فقالت: «ترمّلت منذ سنوات طويلة لا أعرف عددها، بقيت مع زوجي ثلاث سنوات قبل أن يتوفاه الله، وأنجبت ولدي الوحيد "مظهر" الذي كان كل دنيتي، حيث قمت بتربيته وتعليمه إلى أن أصبح شاباً كبيراً ومتعلماً.

أشبهها بالأسطورة الحية، تتمتع بالقوة واللسان الطليق والجرأة، فليس سهلاً أن تعيش وحيداً حتى لو كنت في الجنة، صوتها ليس له مثيل، وفطائرها تزيد المكان جمالاً، وهي تذكرنا بجداتنا القديمات اللواتي عشن على الطبيعة وما تنتجه وما قدمته لنا من دون أن ندري

وعندما بات شاباً يعتمد على نفسه، زوّجته ونقلت له كل ما ترك لي زوجي من رزق وميراث، لكن أتى اليوم الذي قرّر فيه الرحيل والهجرة خارج البلد، عندها أقسمت بأن أكون وحدي مع الطبيعة لعلها تخفف عني حدة الألم، ولواعج الفراق».

صوتها وفطائرها يجذبان الناس إلى المنظقة

تقتات "أم مظهر" من عملها الذي بنته لبنةً لبنة بعرقها وبنات أفكارها، فبنت التنور، وعجنت عجينته من طيبتها، ووضعت توابلها من وحدتها، وشوت فطائرها من حرقتها؛ لذلك عندما تتذوّق فطائرها تشعر وكأنك تأكل لأول مرة.

تقول عن عملها الذي اختارته بعيداً عن المدينة وضجيجها: «منتوجاتي هي: "خبز التنور، والمحمرة، والمناقيش بزعتر، وفطائرالسلق، وفطائر القريشة"، إضافة إلى فطيرة الزيت البلدي مع الملح. أستقبل الناس منذ الصباح الباكر، وهم يأتون أولاً لتذوق خبزي، وبعدها يذهبون لاستكشاف المنطقة. لا أعرف متى بدأت ولا يهمني ذلك، أعرف أنني أقدّم لقمة طيبة للناس، كل مكوّناتها طبيعية، وفيها تفاصيل لا تعرفها النساء من هذا الزمن. ليس عملي هذا راجعاً إلى الحاجة واتقاء الفقر فقط، إنه حياة جديدة، وأشعر أنني بمكاني الطبيعي بين الشجر والحجر والناس التي تأتيني ولا أذهب إليها».

مناظر من جوبة الربند

لم تقف عند هذا الحدّ، إنما أعطتها البيئة الجبلية التي عاشت فيها الصوت الجبلي والكلمات الدافئة، والمعنى العميق. وأهم ما ميز حضورها سرعة تأليفها لـ "الموال" أو الأغنية بما يناسب الشخص الذي أمامها. وقالت: «الغناء سلوتي الوحيدة في هذا العالم؛ فيه أتذكر ابني المهاجر، وأستجمع طاقتي للبحث عنه في الذاكرة، ومن خلال صوتي أرحب بالناس الذين يجالسونني أحياناً لمعرفة الحال، والسؤال عما تكتنزه الطبيعة من جمال. ولو شعرت بأن صوتي ليس جميلاً لما غنيت لهم "المواويل" والأغاني التراثية المنسية».

سيدة الأعمال "دلال سلوم" التي رافقت مدونة وطن في لقائها مع "أم مظهر"، قالت: «أشبهها بالأسطورة الحية، تتمتع بالقوة واللسان الطليق والجرأة، فليس سهلاً أن تعيش وحيداً حتى لو كنت في الجنة، صوتها ليس له مثيل، وفطائرها تزيد المكان جمالاً، وهي تذكرنا بجداتنا القديمات اللواتي عشن على الطبيعة وما تنتجه وما قدمته لنا من دون أن ندري».

الطريق المؤدي إلى فطائر أم مظهر

يشار إلى أنّ "كاملة جديد" من مواليد "القرداحة"، عام 1956.