علاقة تكامل ربطت بين الإنسان السوري وبيئته؛ فكل ما يستخدمه ويعيش عليه من إنتاجه، وفرش المنازل أيام زمان من اللباد أحد هذه التجارب الفريدة في تلك الأوقات.

اللباد أو اللبد هو من أقدم أشكال الأقمشة التي أنتجها البشر، فقد وجدت نماذج منه في مختلف أنحاء العالم ومنه المشرق العربي، وتعتمد صناعته على الصوف تحديداً، ويحصل عليه بجزّ صوف الأغنام التي يربيها الإنسان في فصل الربيع من كل عام، وهو موسم يعمل فيه أصحاب مهنة "الجز" باستخدام مقصات معدنية ذات حواف حادة لا تؤذي الحيوان وبالمقابل تريحه من البراغيث والقمل والأوساخ الأخرى.

يشترط في الصوف المستخدم أن يكون معتقاً وقديماً أكثر من عام أو اثنين، كما يجب أن يكون منقى من الشوائب والأوساخ العالقة فيه، حيث يجمع الصوف وينكش باستخدام العصي أو النفش اليدوي، بعدها يتم وضعه في قالب له مقاسات مختلفة

لشرح آلية صنع اللباد أيام زمان تحدث لمدونة وطن "eSyria" المهني "عبد القادر بلة" (27 عاماً) من حي "بساتين الريحان"، وصاحب محل تنجيد فرش في مدينة "اللاذقية"، بتاريخ 31 آب 2015، وهو صاحب محل لإنتاج الفرش واللحف، فقال: «يشترط في الصوف المستخدم أن يكون معتقاً وقديماً أكثر من عام أو اثنين، كما يجب أن يكون منقى من الشوائب والأوساخ العالقة فيه، حيث يجمع الصوف وينكش باستخدام العصي أو النفش اليدوي، بعدها يتم وضعه في قالب له مقاسات مختلفة».

الحاج عبد القادر بلة

يسكب فوق القالب الماء المغلى مع الصابون والملح، حيث «تفرد الطبقة الأولى بأبعاد وثخانة محددة، ثم تفرد طبقة ثانية حيث يكون اتجاه شعيراتها معاكساً لاتجاه شعيرات الطبقة الأولى زيادة في التماسك، كذلك الأمر مع الطبقات الأخرى التي تليها، وتفرد الطبقات التالية بنفس الطريقة على أن تكون الشعيرات في كلّ طبقة معاكسة لسابقاتها على التوالي حتى تصبح بالثخانة المطلوبة حسب الاستخدام».

تستخدم أدوات لإنتاج اللباد، من أهمها طقم من الإبر الحادة، حيث تغرز في مختلف أنحاء القالب لزيادة تماسك الشعيرات، ويستخدم كذلك مطارق خشبية لتقليل الفراغات بين الشعيرات، ومع الضغط المستمر باستخدام مدحرجات خشبية فوق الطبقات قبل أن تجف لتوزيع الثخانة بطريقة صحيحة، ويحتاج اللباد إلى أسبوع حتى يجف ويصبح صالحاً للاستعمال اليومي.

آلة صناعة اللباد

تختلف ألوان الطبقات "حسب لون الصوف الأصلي، فتكون بيضاء أو رمادية أو سوداء.. وهكذا. وفي حال استعمال أصواف مصبوغة ليس من الضروري استعمالها في الطبقات الداخلية، ويكتفى باستعمالها فقط للطبقات الظاهرة؛ لأن الأصواف المصبوغة ذات ثمن أعلى عادة".

في التفسير العلمي لنشوء طبقات اللباد تذكر "الموسوعة العلمية العربية": «تتشكل الحصيرة في شروط الحرارة والرطوبة فتتفتح حراشفها، وتتسع؛ لتتشابك مع حراشف الشعيرات المجاورة، وتتماسك فتمنعها من التفكك والانزلاق، وتساعد الرطوبة على انكماشها، فتصبح أكثر تماسكاً واندماجاً، وعند إضافة الضغط مع الحرارة والرطوبة تصبح الكتلة الشعرية مفلطحة، وتتشكّل حصيرة أو شبكة من شعيرات شديدة الاندماج نسميها اللبّاد، وقد تضاف بعض شعيرات القنب إلى شعيرات الصوف للإقلال من التكلفة وزيادة متانة اللباد المصنع».

عينات من اللباد الملون

انقرضت صناعة اللباد اليدوي من أغلب المناطق السورية ولم يعد هناك سوى قلة قليلة تذكره، علماً أنه كان من علامات الغنى والعز أيام زمان، وكان من المهم لصاحب البيت أن تكون غرفة استقباله للضيوف ملأى بقطع اللباد، تقول أغنية من منطقة "عين البيضا" لا يعرف ناظمها:

"ويلي من هالزمان العاطل... هللي اليوم لحقنالو

لا دكــنجي ولا تـــاجــر... عم يطلع بحــالو

عالخبز وزيت وزعتر... ع زمان الأول عاشو

وكم رقـــعة بشروالو... وشقفة لباد فراشــو". (من كتاب الباحث برهان حيدر ـ نفحات من تراثنا الساحلي ـ وزارة الثقافة السورية ـ الجزء الأول).

ما يزال اللباد مستخدماً في الصناعة؛ حيث يتم إنتاجه بطرائق متعددة ويستخدم في عزل الصوت والتبريد والحشوات، كما يستخدم في تزييت محاور التدوير في المحركات الكهربائية الصغيرة عن طريق تشبعها بالزيت ثم تمريره عن طريق النز إلى قميص كرسي المحور النحاسي؛ حيث يتم تعريضه إلى محاليل حمضية أو مستحلبة تساهم في تمتينه، علماً أن من أبرز مشكلات اللباد سرعة تمزقه.