"البرغل" من الأكلات التي يمونها كل بيت سوري، وتختلف طرائق طبخه حسب المنطقة، في الساحل السوري يطبخ على نار الحطب باستخدام مقلي الفخار مع إضافات تعطيه تميزاً ولذة.

ينتج "البرغل" من جرش القمح جرشاً ناعماً أو خشناً، الناعم منه يدخل في صناعة "الكبة" والمعجنات، والخشن يبقى لطبخ بعض المأكولات ومنها أكلة "البرغل على الحطب" بعد أن تتم تنقيته وينقع في الماء البارد لنزع الشوائب و"الزوان" الذي يترافق مع القمح في حصاده وجرشه.

كل بيت ريفي كان يقوم على تموين البرغل بكمية تعادل وزنة واحدة لكل شخص في الدار، والوزنة تعادل تقريباً 13 كيلوغراماً، ويتم اختيار البرغل من القمح المنتج محلياً؛ حيث يقوم صاحب كل دار باختيار أفضل ما لديه من الحنطة ليحتفظ بها لنفسه

في حديث مع مدونة وطن "eSyria" يتحدث "عبد الكريم أسود" وهو صاحب مطعم في قرية "الدالية" بتاريخ 5 آب 2015، عن تلك الأكلة، ويقول: «عادت أكلة "برغل على الحطب" إلى الواجهة مجدداً بعد أن استرجع الناس طيبتها وقيمتها الغذائية مقابل الكثير من الأكلات الحديثة، وهذه الأكلة التراثية عادت مع مجموعة أخرى اعتمدت كلها على الحطب الذي عاد إلى الاستخدام بعد أزمة الوقود في البلد، المطاعم وجدت فيها فرصة لتسويق أكل تراثي لزبائن جدد وفي نفس الوقت تقديم شيء مختلف من المطبخ السوري والساحلي تحديداً؛ ليصبح البرغل على الحطب أكلة سورية تقدم في كثير من المطاعم ويرغبها الزبائن بكثرة».

عبد الكريم أسود

مكونات هذه الأكلة بسيطة، تتحدث "حنان إبراهيم" وهي ممن يطبخن هذه الأكلة بفنية عالية، تقول: «تسلق اللحمة مع الحمص أولاً في الماء مع إضافة إكليل الجبل وورقة غار وقطعة ليمون حامضة جافة أو قشرتها جافة، والغاية هنا تقديم اللحم نظيفاً ومنكّهاً، يتم بعد ذلك تصفية الماء والحمص المسلوق من الشوائب ويوضع اللحم كي يبرد، وتستغرق هذه العملية وقتاً يقترب من نصف ساعة، ثم يعاد الماء الساخن إلى مقلي البرغل، والأخير مصنوع من التراب الأحمر النقي (متوافر في كثير من مناطق بيع الفخار)، ويوضع فوقه البرغل واللحم والحمص المسلوق ويترك على نار الحطب الهادئة، بعد أن يغسل وينقى من الحصى والشوائب».

وتضيف: «يتم اختيار البرغل من نتاج الموسم الأفضل، ومن أراضٍ يعرفها أصحابها جيداً بالجودة والنوعية، وتستغرق عملية الطبخ أحياناً ما يقارب الساعة، حيث يستخدم الحطب المتوسط عادة في عملية الطبخ مخافة أن يتعرض المقلي لنار قوية تؤدي إلى احتراق البرغل في أسفله، تبدأ عملية النضج بعد غليان المواد بوقت وجيز، ولا يضاف إلى البرغل في هذه المرحلة أي مواد».

حنان إبراهيم

يتم تقديم البرغل ساخناً مع اللبن الرائب أو "السلطات" المحلية من خيار وبندورة ونعناع، وأحياناً يقدم وحده تبعاً للظروف السائدة، لكن أغلب الفلاحين في الجبل كانوا يأكلون مع هذه الأكلة البصل اليابس أو الأخضر، وهنا يقول "عبد الكريم أسود": «الأكل أغلبه كان مما تنتجه الأراضي ويزرعه الناس بأنفسهم؛ ولذلك كانوا يهتمون بنوعية وجودة المواد التي يخزنونها للمؤونة، من البرغل إلى "الفريكة"، يقول المثل الشعبي: "العز للرز، والبرغل شنق حالو"، ويبدو أن من شنق نفسه هو الأرز وليس البرغل الذي أصبح مطلوباً بكثافة كبيرة».

هذا الطقس اليومي في الجبل استمر لقرون كثيرة، ولم يكن اللحم جزءاً من هذا التقليد إلا في الأعياد الكبرى مثل عيد الفطر أو الأضحى؛ وذلك لحاجة القرويين الماسة إلى حيواناتهم في العمل والحياة اليومية، مثل الأبقار والماعز والدجاج، ومع توسع الريف وتغير العادات المجتمعية فقد تغيرت الصورة التقليدية، ويقول الباحث "برهان حيدر": «كل بيت ريفي كان يقوم على تموين البرغل بكمية تعادل وزنة واحدة لكل شخص في الدار، والوزنة تعادل تقريباً 13 كيلوغراماً، ويتم اختيار البرغل من القمح المنتج محلياً؛ حيث يقوم صاحب كل دار باختيار أفضل ما لديه من الحنطة ليحتفظ بها لنفسه».

مقلي البرغل