لا تزال الطّريقة القديمة في الاستدلال على المياه الجوفيّة بواسطة "قضبان الرّمّان" تحتلّ مكانةً مهمّة، كوسيلةٍ ناجعةٍ في تحديد موقعِ حفرِ الآبار لدى المزارعين، على الرّغم من اقتناع بعضهم بها، ورفض آخرين لها.

مدوّنة وطن "eSyria" التقتِ المُزارع "أيمن محرز" من أبناء قرية "الأشرفيّة"، بتاريخ 24 آب 2014، للحديث عن طريقةِ الاستدلال على المياه الجوفيّة بواسطة "قضبان الرّمّان"، حيث ابتدأ حديثه بالقول: «عرفتُ هذه الطّريقة باكراً، وأنا في الخامسة عشرة من العمر، عندما كنتُ أراقب خالي وهو يقوم بهذا العمل، فأعجِبتُ به وسألته عن آليّة العمل، وقمتُ بتجريبها بمفردي في أرضنا الزّراعيّة، وسررتُ وأنا أشعر بتطابقِ الحركات الّتي حدثتْ معي، مع الحركاتِ الّتي شاهدتُها عند خالي؛ ولكنْ لم أتمكّن منها، وأزاولها بشكلٍ صحيحٍ كخبيرٍ بها، إلّا بعد تجاوزي الثّلاثين من العمر. وقد حقّقتُ شهرةً مقبولةً بين المُزارعين الّذين يؤمنون بهذه الطّريقة في حفرِ الآبار».

تنشط غالباً في وقتِ الجفاف ما بين "آب" إلى "تشرين الثّاني"، ويتمّ الاستدلال على المياه في وقتِ الصّباح الباكرِ، وعند الغروب، وفي ساعات اللّيل المُتأخّرة

وعن طريقة العمل قال: «نختار قضباناً غضّةً، وغيرَ سميكةٍ، وانسيّابيّةً، من أجل سهولة الالتواءِ والمسكِ بلا مُقاومةٍ، وتكونُ بطولِ مترٍ واحدٍ أو أقلّ أو أكثر من ذلكَ بقليلٍ. ويتمّ مسكُ قضيبي الرّمّان بطريقةٍ مُحدّدةٍ بعد ربطهما بخيط نايلون في الطّرف الحرّ، حيث تأخذ شكل حرف v، وتكون راحةُ اليدِ للأعلى، ويتمّ إسنادهما بواسطة الخاصرة بعد لَيّ الطّرف الممسوك بشكلِ حرف اللام. ويجب ألا نضغط كثيراً باليد عليهما كي نمنحَهما حرّيّةَ الحركةِ، والتّأثّرَ بمجرى المياه والينابيع. وعند الاقتراب من نبع ماءٍ نشعرُ بخدرٍ بسيطٍ، و"تنميلٍ" في اليدين، ثمّ ترتفعُ القضبان تدريجيّاً. وعندما يكون النبعُ غزيراً جدّاً فإنّ القضبان قد ترتطمُ بالأنفِ أو بالجبهة».

قضبان الرمان جاهزة للعمل

ويتابع: «ولكن أحياناً قد يرتفعُ القضيبان بشكلٍ مُخادعٍ، ويشيران إلى نبعٍ قويّ في وقتٍ لا يُوجد فيه أيّ نبعٍ؛ ونقول عن هذه الحالة: "ضربٌ على الفراغ"؛ وحقيقة السّبب هو أنّه كان يوجدُ نبعٌ في السّابقِ، ولكنّه جفّ حاليّاً. ولذلك فإن هذا العمل يتضمّن مقداراً من المُغامرة والحظّ».

ويتابع: «إنّ 70 بالمئة من المياهِ الجوفيّة في أراضينا بشكلٍ عامّ تتّجهُ من الشّرق إلى الغرب، و30 بالمئة منها تتجّه من الجنوب إلى الشّمال، وتشكّل نقطةُ تقاطعِ هذين المجريين أكبرَ درجةٍ من غزارة المياه، وغالباً ما تكون هذه النقاط هي مكانُ حفر الآبار بنسبةِ نجاحٍ عاليةٍ، وتكون بغزارة 5 إنشات، وهي تكفي لري المحاصيل الزّراعيّة والحمضيات».

المستكشف "أيمن محرز" أثناء العمل

وعن وقت هذه العمليّة، قال: «تنشط غالباً في وقتِ الجفاف ما بين "آب" إلى "تشرين الثّاني"، ويتمّ الاستدلال على المياه في وقتِ الصّباح الباكرِ، وعند الغروب، وفي ساعات اللّيل المُتأخّرة».

وختم حديثه بالقول: «بصراحة، إنّ نسبة نجاح هذه العمليّة ليست أكيدةً، على الرّغم من شيوعها. ولقد نجحتُ في تأكيدِ ستّة آبارٍ فقط؛ ثلاث منها متوسّطة المنسوب، وثلاث عاليةِ المنسوب. ومن يقوم بهذه العمليّة يقوم بها دونَ مُقابلٍ، ومكافأته الوحيدة هي سعادتهُ بحفرِ بئرٍ تحوي مياه غزيرة لجارٍ أو صديقٍ».

ارتفاع قضبان الرّمّان كدليل على غزارة المياه الجوفية

يعتقدُ الكثيرون من النّاس -على الرّغم من إيمانهم بهذه الطّريقة- أنّها خرافةٌ، أو ضربةُ حظّ. ولكنّ العلمَ يؤكّدُ مصداقيّة هذا العمل، وعن ذلك تحدّث المهندس الزّراعيّ "ياسر أبوغبرة" بالقول: «تُسمّى هذه الطّريقةُ علميّاً باسم "الاستنباء المائيّ" أو "الاستطلاع"؛ وهي الكشفُ عمّا يُوجَد من مياهٍ تحت الأرضِ بواسطة عصا طبيعيّة أو معدنيّة. ويعتمد هذا على وجود بلوريّاتٍ مغناطيّسيّةٍ في الدّماغ البشريّ تُسمّى "البلوريّات القابلة أو المُتقبّلة"؛ وهي بلوريّات "الماغنيتايت". ويؤكّد العلماء أنّ الأشخاص الّذين لديهم حساسيةٌ لحالات المغنطةِ هذه، يملكون في دماغهم ما يصل إلى 85 مليون وحدةٍ من هذه البلّوريّات. وفي حالِ اكتشاف النّبع، أو المياه الجوفيّة تُرسَلُ إشاراتٌ مغناطيّسيّة إلى عضلات الباحثِ عن المياه، ما يؤدّي إلى اهتزاز القضيبِ أو العصا المُستخدَمة، وبالتّالي تتحرّك مُشيرةً إلى مصدر المياه. ولكن لا بدّ لنجاح العمليّة من معرفةِ الشّخص بتضاريسِ منطقتِه، وطبقات الأرضِ، إضافة إلى وجود الاستعدادِ المغناطيسيّ في دماغه؛ ولذلك لا ينجح جميع النّاس في هذا العمل».

وختم حديثه بالقول: «يشيع في قرانا أنّ هناك علاقةً معيّنةً بين زمرة دم المُستكشِف عن الماء، وبين الماء. ولكن لا يوجد دليلٌ علميّ يؤكّد هذا الأمر على الرّغم من أنّ النّجاح الأكبر يحدثُ عند أولئك الحاملين لزمرٍ دمويّة معيّنة؛ وخصوصاً زمرة الدّم o السّلبيّ والإيجابيّ».

بقيَ أن نذكر أنّ هذه الطّريقة في البحث عن المياه ليست حديثةً، وإنّما هي قديمةٌ جداً. وهناك كثيرٌ من رسومِ الحضارات القديمة، تؤكّد وجود رجالٍ يقومون بهذه العمليّة وهم محاطون بشيءٍ من القداسةِ؛ لكونها ترتبط بحالةٍ من التنبّؤ، والاطّلاع على الغيب، واكتشافِ مصدرٍ من مصادر الحياة.