لم يعتد الناس أن يطلقوا على منتج طبيعي صفة الآثار، إلا أن أهالي قرية "بسطوير" ينظرون لشجرة البلوط وسط قريتهم على أنها شجرة أثرية، ويشيرون إلى أنها شاهدة على حضارات تعاقبت خلال قرون مضت.

يقول "عبد الإله صالح" وهو مدير مدرسة القرية: إن الرواية الشعبية تشير إلى أن هذه الشجرة يصل عمرها إلى 900 عام على أبعد تقدير.

كانت ملتقى العشاق، حيث كانوا يجلسون تحتها يختبئون بين أغصانها الممتدة إلى الأرض، وخلف جذعها العملاق الذي يحجبهم عن الناس، وبالتالي يتسيد المشهد حديث الحب والغرام

ويضيف "صالح" في حديث لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 30 تموز 2014: «الشجرة بصورتها وحجمها الحاليين هي ذاتها منذ أن وعيت على الدنيا وكذلك حال الآباء، فهي قديمة جداً وقد حافظت على شكلها الحالي وحافظ عليها الأهالي، فهم يحيطونها بهالة من القداسة والاحترام».

جذع عملاق

ترتبط هذه الشجرة بالنسبة للأهالي بمقام الشيخ "علي الخياط" الذي يرقد مقامه بقربها، ويقول "صالح": «تقول الرواية الشعبية هنا في القرية إن هذه الشجرة زرعت في عهد الشيخ "علي" أي قبل حوالي تسعة قرون من الآن، وبالتالي فإننا نقدر عمرها بحوالي 900 عام، وهو تقدير غير علمي.

وتقول الأسطورة إن طائر البوم كان يأتي إلى الشجرة ليلاً ويصدر صوتاً، يستدل الأهالي منه على حدوث كارثة، فالبوم نذير شؤم في القرية».

الشجرة تتمتد وتظلل مساحة واسعة

الشجرة العملاقة تشكل ذاكرة القرية الريفية الجميلة، حيث كانت ملتقى القرية بشيبها وشبابها، نسائها ورجالها، بحسب السيدة "سكينة عيسى"، وتضيف في لقاء جرى معها قبل حوالي ثلاث سنوات: «في طفولتنا كانت هذه الشجرة بفيئها الظل الذي نستظل به لكي نلعب تحته، ويحيط بنا كبار القرية الذين يلعبون المنقلة ويتبادلون أطراف الحديث، وكثيراً ما تكون شؤون القرية هي محور الحديث من الزراعة إلى حل الخلافات، وحتى دور الماء في السقاية».

النقاشات تحت هذه الشجرة ليست فقط اجتماعية، فهناك حوارات عاطفية يشير إليها "عبد الإله صالح" بالقول: «كانت ملتقى العشاق، حيث كانوا يجلسون تحتها يختبئون بين أغصانها الممتدة إلى الأرض، وخلف جذعها العملاق الذي يحجبهم عن الناس، وبالتالي يتسيد المشهد حديث الحب والغرام».

قرية بسطوير التي تتوسطها الشجرة

ليل هذه الشجرة مختلف عن نهارها فهي شجرة الرعب التي كثيراً ما حكي عن وجود أرواح أو وحوش فيها، ويقول أهل القرية إن منافسات كانت تدور حول من يجرؤ على المرور من قربها ليلاً خصوصاً في شهر كانون الأول، ويعتبر بطلاً من يتمكن من ذلك.

رمزية هذه الشجرة لا تقتصر على أهالي "بسطوير" فهي تتعداهم إلى القرى المجاورة، ويقول "معلا إبراهيم" من أبناء القرية: «لقد كانت المكان الذي نجتمع فيه لإحياء أعياد الربيع حيث تجتمع الناس من مختلف القرى تحتها، وتقام مسارح الدبكة وتغنى الأغاني والأهازيج الشعبية لساعات وساعات وسط جو من الفرح والبهجة، والنقاء الممزوج بنقاء وصفاء هذا المكان وهوائه العليل».

كما أن ثمارها كانت صديقة شتاء أهالي "بسطوير" فهي على مائدتهم بشكل يومي، حيث يتم إنضاجها على مدفئة الحطب، ويقول "قيس صالح" إنها كانت تنتج ثماراً وفيرة لدرجة أن الأرض من تحتها تغطى بالدوام المتساقط منها.

الدكتور في الهندسة الزراعية "زهير الشاطر" يؤكد أن هذا النوع من الأشجار معمر جداً، ويضيف: «من الممكن أن يكون عمرها 900 عام، فهذا النوع من الأشجار يعيش هذا العمر وأكثر، وهي من فصيلة "الزان"، لكن لا يمكن تحديد ذلك بدقة دون القيام بعملية سبر لجذعها، وهذه العملية قد تؤثر في الشجرة وتؤذيها لذلك هي غير محببة».

يذكر أن هذه الشجرة تقع في وسط قرية "بسطوير" قضاء "جبلة"، وهي مازالت حتى الآن مقصداً لعشاق الطبيعة والتوثيق.