لبعض الأسماك القدرة على الطيران، هذه حقيقة علمية، وليست خيالاً، وهي تعيش في عمق البحر، ولكن يمكن مشاهدتها أحياناً على مسافات قريبة من شواطئنا السورية بقليل من الحظ الجيد والتوقيت المناسب.

تعيش هذه الأسماك عادةً قريبةً من سطح البحر، وتقترب أحياناً من الشواطئ، وتُشاهد خاصة في فصل الربيع حين تضع بيوضها، وهي بذلك هدفٌ دسمٌ للصيادين، ويتم صيدها عندنا على الشواطئ السورية، كما في الأمكنة الأخرى، وقد حدثنا عن طريقة صيدها الأستاذ "نبيل زكور"، وهو يعمل في إحدى مؤسسات التأمين، ويمارس الصيد منذ وقت طويل، قائلاً لمدونة وطن "eSyria"، بتاريخ 7 آذار 2014: «لصيد هذا النوع من الأسماك طقوس تختلف بعض الشيء عن صيد السمك العادي، فيجب تأمين صنارات ذات شكوم متعددة، ثنائية وثلاثية وتصل في بعض الأحيان إلى عشرين شكماً، والشكم هو رأس السنارة المعقوف، ويتم صيدها عندما تهبط إلى البحر لتأخذ الأوكسجين اللازم لها، وليس وهي طائرة جوّاً، فهذه العملية يقوم بها بعض الطيور البحرية، خاصة النوارس، إذا كان حجم الأسماك صغيراً».

لصيد هذا النوع من الأسماك طقوس تختلف بعض الشيء عن صيد السمك العادي، فيجب تأمين صنارات ذات شكوم متعددة، ثنائية وثلاثية وتصل في بعض الأحيان إلى عشرين شكماً، والشكم هو رأس السنارة المعقوف، ويتم صيدها عندما تهبط إلى البحر لتأخذ الأوكسجين اللازم لها، وليس وهي طائرة جوّاً، فهذه العملية يقوم بها بعض الطيور البحرية، خاصة النوارس، إذا كان حجم الأسماك صغيراً

تسمى عملية الصيد هذه "الجرجورة"، كما يقول الأستاذ "زكور"، وتتميز عن غيرها من عمليات الصيد، بالحاجة إلى مراقبة الصنارات الكثيرة، مما يستلزم جهداً مضاعفاً من الصياد، ومراقبة دائمة للصنارات، إضافة إلى السرعة في سحبها، ويمكن أحياناً أن تصطاد عبر الشباك، خاصة ليلاً، وكثيراً ما يتفاجأ أصحاب مراكب الصيد ليلاً، بوقوع هذه الأسماك على ظهر مراكبهم، فقد تكون طائرة على مسافات قريبة وتسقط على ظهر المركب، ويتم استخدام طعوم لصيدها هي عبارة عن ريش طيور يوضع على الشكم؛ ولذلك حين يراها السمك الطائر يظنها سمكاً صغيراً فيهبط لأكلها، ويقع في الفخ، ويتم صيده».

"جرجروة" السمك الطائر

ينتمي إلى هذه الفصيلة من الأسماك نحو 53 نوعاً، يغطي توزعها بحار العالم الدافئة حصرياً، ومنها البحر المتوسط، يتحدث المهندس الزراعي "قيصر ديوب" عن هذه الفصيلة فيقول: «هذه الفصيلة من رتبة "البيلونيفورمس"، طائفة شعاعيات الزعانف، وتسمى بالإنجليزية (Exocoetidae)، تعيش في أعماق قليلة، قريبة من السطح، وتضع بيوضها على السطح أيضاً، وهي تستطيع القفز من الماء والطيران بشكل "تحويم" بواسطة زعانفها التي تفردها، ويتراوح طولها بين عشرين إلى أربعين سنتمتراً، وهي تتحرك بهذا الشكل لتأمين غذائها أو للهرب من أعدائها، فعندما تشعر باقتراب عدو منها، تضرب بذيلها في الماء يميناً ويساراً بسرعة تخرجها إلى الجو، وفي هذه اللحظة، تفرد أجنحتها (زعانفها)، وتطير على ارتفاع مترين تقريباً، مندفعةً بسرعة في الجو لمدة عشر ثوان، وعند سقوطها في البحر، تعيد ضرب ذيلها في الماء مرة ثانية، فتقطع بذلك مسافة عن عدوها، وتكرر هذه العملية لعدة مرات، قاطعةً نحو نصف كيلومتر عادة، ثم تعود إلى الغطس».

يطلق البحارة عليها اسم "بانج بانج"، وهذا بسبب الأصوات التي تصدرها أجنحتها عندما تصطدم بمقدمات السفن، وتشبه أصوات المفرقعات، وتنشط حول القوارب، وأكثر ما يثيرها الضوء، وخصوصاً عندما يسلط الضوء على مسافات على سطح الماء ليلاً، وهي تطير بأسراب كبيرة في عرض البحر، تشبه زعانفها الأجنحة، وطول أجنحتها يتراوح بين 10-20سم حسب حجم السمكة، كما أن ذيلها مشقوق وطرفه السفلي طويل ومتماسك نسبياً، حيث يساعدها على القفز، والطيران بواسطة حركته السريعة يميناً ويساراً بضرب الماء، كذلك تستطيع بواسطته تغيير اتجاه طيرانها إلى حد ما عند ملاقاتها للسطح، ومن أهم ميزاتها، أن لها عينين منقسمتين تستطيعان رؤية ما تحتهما وما فوقهما، حيث يمكنها مراقبة أعدائها الحيويين بشكل سهل، ولديها فك مفترس يساعدها في التقاط ضحاياها من الأسماك والكائنات البحرية.

سمك طائر في المتوسط

تعدّ هذه السمكة، كما يقول المهندس "محمد رضوان"، صاحب أحد المطاعم التي تقدم السمك في "اللاذقية": «من المأكولات المفضلة في مطاعم الشرق الأقصى، وخاصة لبطارخها (بيوضها)، ويصنع منها طعام (السوشي) الشهير، وهي غير مرغوبة لدينا كثيراً، ويعود ذلك إلى قلة صيدها عندنا، في حين أنها كطعام منتشرة في أغلب بلدان المتوسط، ويقال إن هذه السمكة تجلب الحظ السعيد، فيتم تصبيرها (تحنيطها) وتوضع على مداخل البيوت، كما أنها تحمي من الأرواح الشريرة، وقد ارتبطت بعدة أساطير قديمة، ومن أجمل المشاهد التي صورت لهذا النوع من السمك، ما قدمه فيلم "حياة بي"، حيث قدم هذا السمك الغذاء للصديقين اللدودين، النمر والإنسان في وقت واحد».

من أفضل المواضع البحرية السورية لصيد هذه السمكة، المناطق المواجهة لشواطئ "بانياس" الصخرية، حيث يتوافر لها الغذاء المناسب، علماً أنها تباع في أسواق السمك في مختلف أنحاء الساحل السوري ولكن في موسمها الربيعي.

من أنواع السمك الطائر

المصادر:

[1] - كتاب الأسماك الطائرة، إصدار منظمة الفاو للأغذية والزراعة، نسخة إنكليزية إلكترونية متوفرة على موقع المنظمة الدولية.