تعود ولادة شجرة الزيتون إلى غابر الأزمنة، ومنذ ذلك الوقت إلى اليوم مازالت قدسيتها ثابتة، والفضل في ذلك يعود إلى السوريين القدامى الذين هجنوا أول شجرة زيتون في العالم.

ويؤكد الباحثون أن أعمال زراعة الزيتون واستثمارها بدأت في سورية ومنها انطلقت إلى تركيا فاليونان وبلاد البلقان، وفي اتجاه ثان إلى فلسطين فالمغرب العربي وتونس وأوروبا، وقد حدث ذلك كما يقول الدكتور "سمير نصير" اختصاصي من جامعة "مونبيلييه" ومدرس في قسم البساتين لمادة الزيتون في جامعة تشرين: «في فترة ستة آلاف عام قبل الميلاد، كانت هناك تجمعات برية للزيتون متناثرة في غابات "جبل الشوح" وأحراش الزبداني والسويداء والقدموس وقمم جبل البلعاس وعبد العزيز.

لقد روج الفينيقيون لزيت الزيتون تحت اسم "الزيت الذهبي المعطر"، ومن المعروف أن سعر وحدة الوزن من الزيت كانت أغلى بخمس مرات من النبيذ و2.5 مرة من زيت الكتان والسمسم، وتوجد حتى اليوم معاصر كثيرة قديمة في أوغاريت وبعض الجرار الفخارية التي كانت لتعبئة الزيت لتصديره

وقد أكدت المكتشفات الأثرية أن الظهور الأول لشجرة الزيتون كان في مدينة "إيبلا" قرب حلب، حيث حملت بعض ألواح إيبلا المكتشفة في مكتبتها توثيقاً رسمياً حول أشجار الزيتون وإنتاج الزيت، ويبين الأرشيف أن العائلة المالكة وحاشيتها كانت تمتلك /4000/ جرة من زيت الزيتون، و /7000/ جرة من أجل الشعب، وبحساب أن كل جرة تتسع لنحو / 60/كغ من الزيت، فإن كميات الزيت المتداولة كانت كبيرة (700 طن) من أكثر من /1465/ هكتاراً من الأرض الزراعية».

تظهر أهمية هذه المعلومات اذا علمنا أن عدد سكان إيبلا الأكاديين في ذلك الوقت كان حوالي /15000/ نسمة، ما يبين أن صناعة زيت الزيتون كانت في مقدمة النشاط الاقتصادي للسكان، ويضيف الدكتور "نصير" قائلاً: « بينت الدراسات الأثرية والجيولوجية المبنية على ترسب حبوب الطلع أيضاً التي تمت في منطقة إيبلا أن أشجار الزيتون كانت موجودة في بلادنا منذ أكثر من /6000/ عام، حيث ذكرت وثائق ورسائل إيبلا التي تعود إلى الألف الثالثة قبل الميلاد أنها كانت منطقة ذات تجارة واسعة ومنها تجارة زيت الزيتون، كما دلت الحفريات والرقم الأثرية على أقدم علاقة تجارية بين إيبلا وإيطاليا، ودليل ذلك العثور في حفريات إيبلا على أكثر من جرة زيت إيطالية مصنوعة في ميناء برنيديزي وعليها ختم يحمل كلمة Brindisi».

وتابع: «خلال القرن السادس عشر قبل الميلاد بدأ الفينيقيون السوريون بالترويج بشكل تجاري للزيتون في حوض المتوسط، فشحنوا غراسهم في سفنهم كما تؤكد الرسومات الجدارية المكتشفة في عديد المناطق ومنها اليونان وإيطاليا، وتؤكد الوثائق الإيطالية أن الفينيقيين زرعوا شجرة الزيتون في شبه الجزيرة الايبرية خلال الفترة بين 1200-1600 ق.م، وفي مرسيليا بعد تأسيسهم لها في 500 ق.م ويعتبر هذا القرن بداية انتشار شجرة الزيتون في أغلب حوض المتوسط. وقد تابع اليونانيون والرومان مسيرة الفينيقيين بزراعة الشجرة المقدسة في كل مكان من أوروبا أو حيث غزوا كسلاح سلمي بهدف استقرار السكان خاصة للقبائل الرحل (الغال) في فرنسا، كما نقلها العرب أيضاً معهم إلى مناطق البحر الأسود وبحر قزوين، وقد وصلت إسبانيا في نفس الفترة التي وصلت بها إلى إيطاليا تقريباً».

وينهي حديثه بالقول: «ولأنها شجرة معطاء فوق التصور الإنساني فإنها قد تسللت إلى النصوص المقدسة، وأصبحت هي بحد ذاتها شجرة مقدسة لدى كل شعوب الأرض، فتروي الأساطير كما يقول الباحث التاريخي "عيسى أبو علوش" «أن آدم حين اقتربت منيته أرسل ولده "سبت" إلى الجبل ليستجدي ملاك الجنة الأرضية وكانت تحت حمايته، فأعطى الملاك إلى "سبت" ثلاث بذور من شجر الخير والشر، وأوصاه أن يضعها في فم آدم المتوفى، وبعد دفن آدم في جبل طابور( يقال إنه قاسيون في دمشق- ك) نبتت البذرات الثلاث وأعطت جذوراً وسوقاً وتكونت شجرة الزيتون وشجرة الأرز وشجرة السرو».

أما في أوغاريت فيحدثنا الباحث الأستاذ "سجيع قرقماز" فيقول: «بالتأكيد إن وجود الزيتون والزيت هما من أكثر اكتشافات أوغاريت انتشاراً حيث تعود إلى ما قبل الألف الثالثة للميلاد، وتشير وثائق القصر الملكي إلى الانتشار الواسع لتجارة الزيت التي كانت تتم بين أوغاريت والمناطق المجاورة لها، كما توجد وثائق تشير إلى الانتشار الواسع لزراعة الشجرة في محيط المدينة وفي البساتين المحيطة».

ويضيف: «لقد روج الفينيقيون لزيت الزيتون تحت اسم "الزيت الذهبي المعطر"، ومن المعروف أن سعر وحدة الوزن من الزيت كانت أغلى بخمس مرات من النبيذ و2.5 مرة من زيت الكتان والسمسم، وتوجد حتى اليوم معاصر كثيرة قديمة في أوغاريت وبعض الجرار الفخارية التي كانت لتعبئة الزيت لتصديره».

يذكر أن تعبئة الزيت كانت تتم باستخدام جرار فخارية وجد الكثير منها في "أوغاريت" كما في "ماري وإيبلا"، وفي مناطق متعددة من شواطئ ومناطق البحر المتوسط، وكانت له قياسات محددة مع أوعية تعبئة معيارية محددة، وأن عصر الزيتون باستخدام "الباطوس" قد استمر إلى فترة قريبة في قرى الساحل السوري قبل أن تستخدم التقنية الحديثة في العصر.