شكّل البعدُ الثقافي والاجتماعي وحسن الإصغاء للمكان والزمان، والتعايش مع المجتمع والإحساس بمشاكل أبناء جيله، دوراً بارزاً في صقل موهبته الشعرية، فكانت قصائده تنساب بلا تعقيد أو مبالغات، لتكون قريبة من الحدث وأبطاله.

مدوّنةُ وطن "eSyria" تواصلت مع "فاطمة حيدر" بتاريخ 17 آذار2020، لتحدثنا عن والدها الشاعر الراحل "محمد أحمد حيدر"، حيث قالت: «تلقى والدي علومه على يد والده وأعمامه منذ الصغر، وتدرّج في تقاليد العائلة من حفظ القرآن إلى دراسة أصول اللغة وفنونها، والتوسع بعدها في مجالات علوم الفلسفة والروحانيات، ما أكسبه ذخيرة ثقافية وفكرية ساعدته في صقل موهبته الشعرية، فالشعر يحتاج لرؤية نافذة وقلب مرهف وفكر ثاقب، والموهبة وحدها لا تكفي لبلورة شكل الشعر، بعدها يأتي دور الذخيرة اللغوية في تليين الكلمات بشكل مطواع لتناسب بصيرة الشاعر ورؤيته».

عمل في القوات المسلحة بصفة موظف إداري، ثم تقاعد ليمارس الأعمال الحرة، وقد حاول دخول عالم السياسة من خلال انتخابه عضواً في مجلس الإدارة المحلية لمحافظة "اللاذقية"، ثم ما لبث أن استقال، وكان عضواً في جمعية "الشعر" واتحاد الكتاب العرب

وتابعت: «نظم والدي الشعر وهو في المرحلة الابتدائية، وكأن هناك قوة خفية وغامضة كانت تدفعه لكتابة الشعر والتعبير عن مكنوناته والتفاصيل الصغيرة التي كان يراها، وقد كبر ليصبح شاعراً فذاً ذا لغة جزلة مطواعة يختار صوره بخيال خصب ويسطر معانيه بما قلّ ودل، وقد خصص جل شعره لقضايا الأمة وهمومها، وكان لدولة "فلسطين" حيز خاص في قلبه عبّر عنه قولاً وفعلاً، وذلك من خلال قصيدته "فلسطين والنهر الغاضب".

ديوان "البحر واللانهاية"

كما أكثر من شعر الرثاء وله قصائد قليلة في الغزل، ومهما أجدت في تعريفه فلن أستطيع تعريفه أفضل ما عرّف به نفسه بأبياته:

أنا من أمةٍ لها ابتسم الدهر .. وناجى نبيها "جبريل"

محمد أحمد حيدر

أنا من أمةٍ بها ولد النور فلم يكذّب الصحاب الدليل

أنا من أمة لها شرفٌ لم يحظ قبل الرسول فيه قبيل

فاطمة حيدر

شرفٌ مثل غرة الشمس لم يحجبه قال ولم ينل منه قيل

أصله ثابتٌ "محمدٌ" يرعاه وفرعٌ يرقى به التنزيل

عربيٌ أنا ويغمرني فخراً نبيٌ حقٌ وسفرٌ جليل».

وأضافت: «عمل في القوات المسلحة بصفة موظف إداري، ثم تقاعد ليمارس الأعمال الحرة، وقد حاول دخول عالم السياسة من خلال انتخابه عضواً في مجلس الإدارة المحلية لمحافظة "اللاذقية"، ثم ما لبث أن استقال، وكان عضواً في جمعية "الشعر" واتحاد الكتاب العرب».

أما حول قصائده ومشاركاته فقالت: «له ديوان شعر وحيد هو "البحر واللا نهاية"، أعيد طبعه أكثر من مرة، وله قصائد منشورة في كثير من الصحف والمجلات الرائدة أبرزها "الموقف الأدبي"، "الفرسان"، ومجلة "جيش الشعب" وغيرها، وقد ترجمت بعض قصائده إلى اللغة الفرنسية، وأبرزها قصيدة "عيد ميلاد"، وقصيدة "العيد"، وكان مشاركاً أساسياً في المهرجانات الأدبية وفي المناسبات الوطنية».

نقرأ من قصيدته "جبل الشيخ والمغاوير":

«عفو المغاوير والشيخ الذي التثما هل يُحسن الوصف من لم يصعد القمما

وددت لو كنت مغواراً أرافقهم فأنقل الشعر عنهم مثلما نظما

ملاحماً أبداً، تبقى ملامحهم أجلى بياناً وأوعى ربما كلما

معارك الأمس ما كنا نصدقها لو لم يقدم لنا أبطالها رقما

معارك جبل الشيخ انتشى طربا وعانق القائد المغوار وابتسما

شكى له الشيخ بعضاً من فواجعه فكان أشفى له منه بما علما

أعطى لكل مغيرٍ من كتائبه جوانحاً وسما بالجند حين سما

أعار كل مغير همةً جبلاً وساعداً وجناناً ثابتاً وفما

ما غص من جنده يوم الوغى نفر إلا وكان بثغر الزاحفين لما».

الإعلامية "رولا أحمد" تحدثت عن الشاعر "محمد أحمد حيدر" بالقول: «ارتبط شعره بخيوط الواقعية، حيث امتلك حس التفرد والحضور والتملك، وأجزم أن لنشأته في عائلة دينية تنحاز للأدب والفلسفة والروحانية دور كبير في إلغاء جدار اللغة الذي يحول دون تذوق الناس للشعر، حيث استخدم لغة بسيطة مكنته من التقرب للناس وملامسة الواقع الثقافي والفكري والاجتماعي الذي تحفل به الحياة اليومية، ففي معظم أشعاره صراع ذاتي فني يسلط الضوء على الظلال في أي حدث».

وتابعت بالقول: «كان لانضمامه لصفوف الجيش السوري لتحرير "فلسطين" بالغ الأثر في قصائده الثورية، ومن هنا يتقاطع في شخصه الشاعر والسياسي والجندي، وقد عزز عبر قصائده البعد الواقعي للنضال الفلسطيني من خلال حميته الوطنية التي أخذته عام 1948 للتطوع في الجيش السوري لتحرير أرض "فلسطين"».

بقي أن نذكر أنّ الشاعر "محمد أحمد حيدر" من مواليد عام 1925 في قرية "حلة عارا" التابعة لناحية "بيت ياشوط" في محافظة "اللاذقية"، وقد وافته المنية عام 1999.