بين شعر الحداثة والعمودي، اختار الشاعر "يوسف سكري" الاتجاه نحو الحداثة معتمداً التكثيف في قصائده التي تحمل الوجدانية، وشارك في تشييد نادي "أوغاريت" الثقافي وملتقى "محبي الكتاب"، اللذين أسهما في تنشيط الساحة الثقافية في "اللاذقية".

مدونة وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 9 أيار 2019، مع الشاعر "يوسف سكري"، فتحدث عن دراسته وبداياته الأدبية قائلاً: «بعد أن نلت الثانوية العامة في مدرسة "جول جمال" انتسبت إلى صفوف القوات المسلحة باختصاص فيزياء إلكترون عام 1971، كان لأخي الأكبر في مرحلة اليفاعة دور في صقل شخصيتي الأدبية، وهو الفنان الزجلي الذي كان يقدم فنّه على خشبة المسرح العسكري وفي بعض مقاهي "دمشق"، وكنا نتبادل "العتابا والميجنا" والزجليات بالتناوب ارتجالياً، وكانت المطالعة -وما زالت- هاجسي وشغفي منذ الطفولة، كما أعدت تقديم الثانوية العامة بفرعها الأدبي ونلت إجازة في القانون من جامعة "حلب"».

البحر للموجة: لقد شغفني حبّك الموجة: لذا ارتديت زرقة قميصك وسألفظ شهقة روحي الأخيرة على صدر شطك! وقبيل الغروب باركت الشمس عرس الموجة والبحر.. ثم توارت بخفر واستيحاء!

وعن بداياته بالنشر يقول: «بدأت نشر كتاباتي في مجلة "جيش الشعب" مذ كنت طالب ضابط، ثم نشرت في صحيفة "الثورة"، أما في صحيفة "تشرين"، فقد كنت أنشر مقالاً أسبوعياً حول الفضاء والكون والخيال العلمي وآخر مبتكرات العلوم في صفحة دائرة العلم مع الدكتور "طالب عمران" كاتب الخيال العلمي المشهور، وبالتوازي كنت أنشر الأدب والدراسات مع الصحفي الراحل "علي الصيوان"، ثم اتجهت نحو صحيفة "الوحدة" في "اللاذقية" لأنشر في الصفحة الثقافية وصفحة الدراسات وصفحة المرأة والمجتمع، وفي مجلة "الأسبوع الأدبي" نشرت دراسات عدة، أهمها دراسة نقدية عن الدكتور "طالب عمران" والخيال العلمي».

إحدى الأمسيات الشعرية

كما كان نشاطه الثقافي غنياً، وهنا يتحدث قائلاً: «كانت فعالياتي ونشاطاتي في اتحاد الكتّاب ودور الثقافة متلاحقة بانتظام سواء الشعر أم الروايات أم الدراسات النقدية، وأسهمت بتشييد دعائم نادي "أوغاريت" الثقافي برئاسة اللواء الطيار المتقاعد "رضى شريقي"، ثم ملتقى "محبي الكتاب" مع الأستاذة "أمل طوبال" والأديب "أحمد الخيّر"، وشاركت بمهرجانات عدة؛ آخرها مهرجان "بانياس" للشعر النثري».

كتب الشاعر "يوسف سكري" الشعر العمودي، ثم اتجه صوب الحداثة، وكان للأنثى حضور في قصائده، فيتحدث قائلاً: «لعب الشاعر الراحل "إبراهيم منصور" وهو أحد أقربائي دوراً بنّاءً حين عرّفني إلى معظم شعراء الساحل "نديم محمد"، و"حامد حسن"، و"أحمد علي حسن"، وغيرهم، وبعد قراءتي أعمال الشاعرين "أدونيس" و"سعيد عقل" عزفت عن الشعر العمودي واتجهت صوب الحداثة، فالإيقاع السريع أصبح سمة العصر على معظم الصعد، والشعر جزء من كينونة المجتمع، فلا بدّ من مواكبته للتطور المتسارع وخلع عباءة الصحراء، وتكثيف القصائد الطويلة بومضات شعرية نقرؤها بطرفة عين.

في ملتقى محبي الكتاب

يُقال إن الرجل يبقى طفلاً حتى تموت أمه، وكان لرحيل أمي المبكر وقع الصاعقة، فأطبق الصمت على طفولتي وتجلت رجولتي مبكرة، وكان لذلك ارتداد عاطفي نحو الأنثى صبغ منشوراتي في صحيفة "الوحدة" بالأنثى الملهمة الموحية».

وعن علاقته مع البحر الذي علّمه الغطس في أعماقه وأعماق القصيدة والرواية، يقول: «من خلال خدمتي كقائد وحدة كانت تشغل المدينة الرياضية الحالية، كنت أغطس في الأعماق لصيد الأسماك، وتعلّمت التمييز بين من يجمع اللآلئ والمرجان ومن يلتقط الأصداف والقواقع من على الشاطئ من دون مجازفة، فكان البحر شرفة روحي باتساعه وعمقه دافعاً لقراءة روايات الأديب "حنا مينة" عن البحر ومناقشة بعضها نقدياً».

الشاعر جابر خليل

وفي إحدى قصائده يقول:

«البحر للموجة: لقد شغفني حبّك

الموجة: لذا ارتديت زرقة قميصك وسألفظ

شهقة روحي الأخيرة على صدر شطك!

وقبيل الغروب باركت الشمس عرس الموجة والبحر.. ثم توارت بخفر واستيحاء!».

الدكتور "عدنان بيلونة" عضو اتحاد الكتاب العرب، رئيس اتحاد الكتاب العرب في "اللاذقية" سابقاً، يتحدث عن الشاعر "يوسف سكري" قائلاً: «يولد المرء شاعراً أو كاتباً أو أديباً أو لا يكون أبداً، لقد خلق الأديب "يوسف سكري" شاعراً قبل أن يدخل أو يقرر دخول عالم الشعر والأدب والفكر والدراسات؛ لأن الشعر يولد بالفطرة ولا يكون بقرار، أعرفه وهو يقبض على جمر الكلمات ويتفاعل مع الشعر بصوفية ووجدانية تدفعنا إلى تساؤلات عن الكون الأعظم وأسراره والتفكير والتأمل، أجاد الغوص في بحور الشعر كما يجيد الغوص البحري في الواقع، وكتب شعر التفعيلة بذات الجودة التي يكتب فيها قصيدة النثر، كما أن الأديب "يوسف" أنقذ اللغة العربية من لعنة التصحر واليباب، وابتكر ماءً وتراباً على مساحات الإبداع والحداثة الشعرية».

كما تواصلت مدونة وطن مع الشاعر "جابر خليل"، فتحدث عنه قائلاً: «أن تكتب عن أديب أو شاعر لا بدّ أن تتوخى الدقة والصدق وتلامس الجانب الإبداعي لهذا الكاتب بموضوعية لا يعتريها أي نوع من المجاملة.

بين السبابة والإبهام قلم يرتجف، فأنا الآن لا أكتب عن أديب أو شاعر فحسب، بل أكتب عن حالة اجتماعية إنسانية قائمة بالفعل على الرغم من الواقع المتردي والعلاقات التي تبنى على تقاسم المصالح، الأديب "يوسف سكري" حالة إنسانية وثقافية، وقبل هذه وتلك وجدانية لا تعرف الزيف أو المواربة، وهو أديب وصديق تعرّفته من خلال الندوات ونصوصه التي تتميز بلغة متفردة، نادراً ما تقرأ نصاً له إلا ويجعلك تقرأ داخله بما يحتويه من الصفاء والنقاء والجمال، فحيناً ينساب دفّاقاً كما النهر بعد شتاء حافل، وحيناً يحلق مع القبرات عند طلوع الفجر، وأحياناً أخرى ترى في نثرياته لوحات من التشكيل لم نعتد أن نراها عند رسام مبدع، ومما يلفت أنه ضابط متقاعد ويحمل شهادتين في الحقوق والفيزياء، ولم ترَ في لغته قساوة الحياة التي عاشها؛ فبين العبارة والأخرى نفحة من عطر روحه المتسامية التي ترتفع فوق الصغائر، وهو حالة ثقافية مبدعة تستحق الكتابة عنها والإضاءة المشعّة كي تنفذ تلك الحالة إلى الوجدان العام كما هي في كتاباته».

الجدير بالذكر، أن الشاعر "يوسف سكري" من مواليد "اللاذقية" عام 1952، ولم تسعفه الظروف لإصدار ديوان مطبوع.