ملخص: قرض الشعر قبل أن يعرف الوزن على الرغم من أن قصيدته العمودية تتربع في صفحاته ودواوينه، واختبر موسيقا الشعر من محيط يتغنّى بالأشياء بأسلوب زجلي سليم اللغة غنيّ المعنى، فقد هيّأ الشاعر "جابر خليل" طقوس القصيدة من خلال مخزون تراكمي معرفي وثقافي لتعلن ولادتها من دون استئذان كومضة.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 31 كانون الثاني 2019، مع الشاعر "جابر خليل"، فتحدث عن حياته وبداياته الشعرية قائلاً: «أنتمي إلى شريحة اجتماعية متوسطة عاشت ظروف القرية القاسية، لكن كان لقريتي "البهلولية" المحاطة بالأخضر والماء والجمال بما فيها من الرومانس أثر كبير في وجداني حتى أصبحت أتلمس خيوط الشعر الأولى ولم أكن حينئذٍ قد بلغت الخامسة عشرة من عمري، حيث برزت ميولي الأدبية في المرحلة الإعدادية، وكنت أكتب الشعر عام 1975، لكن لم تستوفِ القصيدة شكلها الكامل ولم تنضج، ثم كتبت بعض الأبيات الشعرية وأرسلتها إلى مجلة الثقافة الأسبوعية وتمّ نشرها حينئذٍ، كما كانت كتاباتي نوعاً من "الفانتازيا" لم أكترث بجمعها، لكن كانت زوجتي تجمع الأوراق التي أقوم بالكتابة عليها، ومن خلالها استطعت أن أطبع ديواني الأول "ضفائر من خيوط الشمس" عام 1992، حيث تضمن الديوان الشعر الاجتماعي والرومانسي».

كان في قريتنا شاعر زجل اسمه "أحمد إبراهيم سعيد"، كان يقول شعر الزجل بطلاقة ولغة سليمة ورومانسية جميلة، فالعلاقة التي تربطني به وصلة القربى ومعرفتي به كوّنت عندي بعض الشحن لكتابة الشعر، إضافة إلى مطالعاتي للدواوين والمعاجم وقراءاتي للشعر الجاهلي القديم والمعلقات والشعر المعاصر في سن مبكرة، كل هذا كوّن نوعاً من الموسيقا التي تطرب لها أذني، فهذه القصائد حرّكت الأذن الموسيقية لديّ، فقد كتبت الشعر قبل أن أعرف الوزن

ويضيف عن العوامل التي أسهمت في إثراء بداياته الشعرية قائلاً: «كان في قريتنا شاعر زجل اسمه "أحمد إبراهيم سعيد"، كان يقول شعر الزجل بطلاقة ولغة سليمة ورومانسية جميلة، فالعلاقة التي تربطني به وصلة القربى ومعرفتي به كوّنت عندي بعض الشحن لكتابة الشعر، إضافة إلى مطالعاتي للدواوين والمعاجم وقراءاتي للشعر الجاهلي القديم والمعلقات والشعر المعاصر في سن مبكرة، كل هذا كوّن نوعاً من الموسيقا التي تطرب لها أذني، فهذه القصائد حرّكت الأذن الموسيقية لديّ، فقد كتبت الشعر قبل أن أعرف الوزن».

يوسف سكري

كان المكان من العناصر الحاضرة في شعره، وهنا يتحدث الشاعر "جابر خليل" قائلاً: «لعب المكان دوراً كبيراً في الديوان الأول، ومن أولوياتي كشاعر التنبيه إلى المكان في قصائدي، كما أنني ضمّنت ديواني الثاني قصائد تتعلق بالمكان، فالمكان له ميزة شعرية، ويرتبط بالحنين واللقاء والذكرى وأشياء مختلفة، فقد ركزت عليه في شعري، وكان لقصيدتي "يا أمّ هذا الكون" التي كتبتها في مدينتي "اللاذقية" النصيب في حصولي على الجائزة الأولى على مستوى "سورية"، حيث حصلت عليها من خلال مشاركتي في مهرجان آذار للأدباء الشباب عام 1992».

كتب الشاعر "جابر خليل" الشعر الموزون مجدفاً بأدواته التي تقوده إلى برّ القصيدة التي يريد، ويقول: «معظم ما كتبت من قصائد تتبع الشعر العمودي، كما أنني كتبت التفعيلة، لكنني أجد نفسي في القصيدة العمودية، ولم يسبق لي أن حاولت كتابة قصيدة النثر، لكل شعر مقوماته وشكله وعشاقه ومريدوه، وهناك الشعر الجميل والنثر الجميل، لا شك أن أهم أدوات الشاعر خياله، لكن لا بد أن ينبش من الواقع المعاش بعض اللقطات التي تغني شعره وتجربته، والشاعر ابن الواقع شاء أم أبى، لكنني أترجمه من خلال أدواتي ورؤيتي الفنية وقراءة ما وراء السطور، حيث أخلق من الواقع واقعاً جديداً، والشعر بالنسبة لي هو الماء والكلأ، وأعيش في القصيدة كما يعيش الكاهن في حرم الهيكل، فالشعر هو الهواء الذي أتنفسه كل دقيقة، وهو ومضة، فليس هناك من طقس لكتابة الشعر، حيث أكتب لحظة تجرّ الكلمات القلم لا لحظة يجرّ القلم الكلمات، وبعد كتابة القصيدة ونقلها من داخلي إلى الورق أقوم بمراجعة قصيدتي، ثم أنقحها وأعيد النظر في كل مفردة، ومدى تأثيرها في ذهن القارئ العادي والمثقف وأدرس الحالة الاجتماعية والنفسية والفنية للقصيدة وكيف ستصل إلى المتلقين، كما أتوخى الإبهام وأركز على ضرورة الرمز في القصيدة، فالنقاد يصنفون شعري من السهل الممتنع».

دواوينه الشعرية

ومن قصائده الوجدانية قصيدة "طيف"، يقول فيها:

مازلتُ أبحث عن لقياكِ مولاتي

فأشعل النار في جرحي وآهاتي

فلي فؤاد شقي.. مغرم.. كلف

غض.. رقيق.. كسير في انكساراتي

ما كان يخفى بهذا القلب غافلني

وراح يظهر في وهني.. وزلاتي

وجئت أعلن ما في النفس من شجنٍ

عساكِ تشفين أوجاعي وعلّاتي

أما سألتِ حمام الأيكِ عن شجني؟

أما رأيتِ على وجهي علاماتي؟

أما رأيتِ رياح الحب تسكنني؟

أما رأيتِ جنوني.. واضطراباتي؟

أُجَنُّ فيكِ فلا "قيس" سيدركني

وقد يتوهُ "جميل" في مداراتي

قد جُنَّ " قيس" ولكن عاقل أبداً

إن لم أعرهُ قليلاً من حماقاتي

قرأتُ حبّكِ في العينين أشعلني

وقلّما أخطأتْ يومـــاً قراءاتي

عيناكِ أبلغُ في التعبير من قلمي

عيناك أفصحُ من كل الرواياتِ

غدوتِ طيفاً على شباكِ ذاكرتي

فــــزاد طـــيفكِ إشــــراقـــاً فضاءاتي

يضيق كوني وأنتِ الآن راحلة

فالنوح أغنيتي والحزن ملهاتي

لا لستُ في الهجر من ينسى أحبته

أيخمدُ البينُ أشواقي وثوراتي

أنَّى اتَّجهتُ فلا ألقاكِ واعجبي!

فهل ذهبتِ بعيداً في مساماتي؟.

كما تواصلت مدونة وطن مع الشاعر "يوسف سكري"، فتحدث عن الشاعر "خليل" قائلاً: «حين يلج الشاعر بوابة الشعر يولع شرارة الكون بعود ثقابه. صادفته خلال إحدى الأمسيات بدار الثقافة، وكأنني على موعد معه، ما أبهى من نصادفهم أحياناً! فهم يحدجون في عيوننا ليستأثروا بنا، فهو قامة من سنديان، وومضة من بروق السماء، وشحنة شعرية إبداعية، إنه الشاعر المزدان ألقاً والبلبل الغريد، ما كان بوسعي الإفلات من قبضة جاذبيته فأصبح صديقي وتوأم روحي، وقد ظلّ يقرض الشعر طوال أيامه، كيف لا ننظم الشعر وفي داخل كلّ منّا يثوي ينبوع رقراق؟ إن ومضات قصائده تحاكي وتضاهي بروق ورعود السماء، فالشاعر كالنسر لا شيء يزيح نظره عن السماء حتى لو كان محنّطاً أو أسيراً، ومن الخزي أن نزحف حين يكون هناك ما يدعونا إلى التحليق.

أسمى ما تلمست به وفاءه ونبله ومناصرة الأنثى وغيرته الوطنية، أبتهل لصديقي الشاعر "جابر" أن يظل محلقاً صوب الشمس مادام الباري قد حباه بجناحين من نور.

يمتاز شعره عموماً بالنهج الوجداني، فقد تطرقت أشعاره إلى مواضيع شتى وطنية ومجتمعية والجمال، ولا سيما الأنثى، وكانت صوره مزركشة، ومفرداته مركّزة نأت عن الإسهاب والإطناب».

الجدير بالذكر، أن الشاعر "جابر خليل" من مواليد "اللاذقية" عام 1958، درس الفلسفة في جامعة "بيروت"، ولديه ثلاثة دواوين شعرية: "ضفائر من خيوط الشمس"، و"طيف"، والثالث قيد الطباعة، وشارك في أمسيات ومهرجانات شعرية وأدبية متعددة في المراكز الثقافية التابعة لمحافظة "اللاذقية"، وغيرها من المحافظات الأخرى.