تنوّع إبداعه النحتي وغنى تجربته الأدبية، مكّنا الأديب والنحات "أحمد اسكندر سليمان" من أن يترك بصمته الخاصة بالساحة السورية الأدبية والفنية، حيث نسج بين الشعر والنحت عالماً إبداعياً لتخرج من بين يديه أعمالاً فنية وأدبية حاضرة في ميدان التميز والإبداع.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت مع القاص والنحات "أحمد اسكندر سليمان" المقيم في مدينة "هامبورغ" بـ"ألمانيا" بتاريخ 15 أيار 2018، ليحدثنا عن تجربته الغنية بمجال الأدب والنحت، حيث قال: «البدايات كانت مع ظروف الطبيعة ومخيلة الأشجار؛ ضمن مدينتي التي ولدت ونشأت فيها "جبلة"، ففيها أبصرت عيناي النور عام 1955، تلك المدينة التي تقع على شاطئ المتوسط الشرقي، وتعد واحدة من أقدم المدن المأهولة في العالم منذ بناها الفينيقيون، كما أنني درست في جامعة "دمشق"؛ هذا التنوع والوجود بين مدينتين عريقتين موغلتين بالقدم، أضاف الكثير إلى تجربتي الأدبية وأغناها، وكان للبيئة المحيطة والأحداث التي جرت في بلدنا تأثير كبير في كتاباتي؛ وقد بدا ذلك واضحاً في لغتي الشعرية والقصصية وأعمالي النحتية، حيث إن هناك ثمة حقباً كثيرة تتحاور في داخلي لتخرج بشكل مختلف وصياغة ورؤية جديدة».

المنحوتة كالقصيدة تحمل في طياتها أحاسيس وأفكار الفنان أو الأديب، ولا بد من وجود حوار متكامل وفهم عميق للفكرة المراد إيصالها سواء عبر المنحوتة أو القصيدة، فمن خلال أعمالي حاولت أن أخرج الحالة الجمالية لمنحوتاتي بمداها العميق؛ بإرفاقها بنصوص وشذرات شعرية، ليصبح العمل النحتي بذلك قصيدة تفيض بالتأملات، هذا البعد الشعري تتجلى فيه القيم التعبيرية لإيحاءات الحجر المنحوت، ليخلق الحالة الجمالية المتكاملة التي تظهر في الكثير من أعمالي، سواء الأدبية والنحتية على حد سواء

وعن الأنواع الأدبية التي ميّزت إبداعاته الكتابية، وعلاقة بعضها ببعض، قال: «القصة القصيرة عبارة عن فن تبديل مواقع الرؤية المشبعة بالشعور بالزمن في المساحة الضيقة أو المحدودة بالإحساس والمكان، هذا التبديل سوف يولد نقصاً أو خلخلة أو إزاحة لدى الكاتب، فالقصة ملء هذا النقص الناتج، الذي يقوم به الكاتب من خلال مشروعه الأدبي الذي يجسد رؤيته أو حريته بتبديل متواصل لمواقعها على نفس المساحة المخصصة له، والمحكومة بشروط القسر والبلادة، وبرأيي هذا صعب للغاية، لأنه بقدر ما يؤكد خصوصية هوية ما، فإنه يخلخلها في الوقت ذاته، هذا هو التدفق الفكري، وهو ما يجعل من القصة القصيرة أصعب الأنواع الأدبية؛ إذ ليس من السهل تمييز القصة من الحكاية، فمن خلال أعمالي الأدبية حاولت تكوين هوية ثقافية تتجاوز الهويات الصغيرة حتى ولو بعد زمن طويل من العمل المتواصل، وحيث يكون جوهر العمل الثقافي تكوين حساسية الفرد المدني الذي لا يجد ملجأ له إلا في الجمال والقانون، وهذا من مهام المثقف المدني، ولقد عملت عليه حقاً من خلال كتابي "الانقلاب الصيفي"، حيث أعلنت عن حساسيتي ووعيي المختلفين في المشهد الدمشقي، وكذلك في "نصوص لم تكتمل"، حاولت تعميق الحوار مع المشهد الثقافي السوري بـ"دمشق"».

الأديب "ناظم مهنا" رئيس تحرير مجلة المعرفة

وعن تجربته النحتية وبداياتها، أضاف: «كانت بداياتي بالنحت على الحجر الطبيعي، حيث اعتمدت بالدرجة الأولى على الأحجار الموجودة في الطبيعة؛ مستفيداً مما وفرته عواملها على الحجر نفسه، وبعدها بدأت العمل بالبازلت والخشب وإعادة تدوير الأشياء المنسية أو التالفة باستخدام الخردة والأدوات الزراعية القديمة والمواد المعدنية المختلفة؛ بهدف خلق أسلوباً جديداً في عالم النحت المعاصر، فقد كونت بهذه التقنية أعمالاً مختلفة لوجوه وهيئات محاربين وتكوينات حديثة تأخذنا إلى عدة عوالم وحضارات، بكثير من الحرية والمغامرة؛ بغية استشراف أفق جديد هو نمط تفكير حديث، وليس تشكيلاً فقط».

وتابع عن مزجه بين النحت والأدب بالقول: «المنحوتة كالقصيدة تحمل في طياتها أحاسيس وأفكار الفنان أو الأديب، ولا بد من وجود حوار متكامل وفهم عميق للفكرة المراد إيصالها سواء عبر المنحوتة أو القصيدة، فمن خلال أعمالي حاولت أن أخرج الحالة الجمالية لمنحوتاتي بمداها العميق؛ بإرفاقها بنصوص وشذرات شعرية، ليصبح العمل النحتي بذلك قصيدة تفيض بالتأملات، هذا البعد الشعري تتجلى فيه القيم التعبيرية لإيحاءات الحجر المنحوت، ليخلق الحالة الجمالية المتكاملة التي تظهر في الكثير من أعمالي، سواء الأدبية والنحتية على حد سواء».

من إصدارات الأديب "احمد اسكندر سليمان"

الأديب "ناظم مهنا" رئيس تحرير مجلة "المعرفة"، حدثنا عن الأديب "سليمان" بالقول: «معرفتي به تعود إلى مطلع التسعينات من القرن الماضي، وقد قربتنا الهموم الثقافية المشتركة، وعملنا في الحقل الأدبي معاً، فكلانا كاتبا قصة نتجه نحو التجديد ومراودة الآفاق، إضافة إلى أننا عملنا معاً في مجلة "ألف"، وكان له دور في تفعيل الحياة الثقافية والأدبية في "سورية"، فهو كان صاحب مشروع ثقافي عميق، وأثبت حضوره في الوسط الثقافي السوري بطريقة لافتة للانتباه، وعندما أنجز كتابه المميز "موسوعة القصة السورية"، كان لي شرف كتابة مقدمته، وقد بذل فيه جهداً كبيراً لإنجازه بالصورة التي عليه. وبالنسبة إلى تجربته الأدبية، فهو يعدّ من الكتّاب المبدعين في فن السرد القصصي، وكتابة النص، امتلك نبرة شعرية خاصة به ميزته عن غيره من الشعراء، ويكتب كلماته بحرفية عالية اتسمت بالتجديد، استطاع من خلالها أن يربط الظروف الحالية مع الماضي بالعقائد والتاريخ من خلال تجربته».

الفنانة التشكيلية "لبانة ربيع" تحدثت عن تجربة الفنان "سليمان"، حيث تقول: «تتميز منحوتاته الحجرية بجنوحها إلى التعبيرية والتحوير في الشكل بما يقترب من إيحاء الحجر الخام نفسه، فقد توحي بعض الأحجار بشكل معين للفنان لكي يقوم بالعمل عليه واستنطاقه ليغدو أكثر تصويرية، أو يختار منه ما هو غامض ليخلق منه التعابير والإيحاءات الشكلية التي عبرت عن حالات إنسانية وأنثوية، إضافة إلى الوجوه العديدة التي نحتها، فقد أبدع بأسلوبه الخاص، ونفذ العديد من الأعمال بصبر كبير وحرفية عالية، حيث وجد فيها ما يتقاطع فطرياً مع فلسفته الخاصة في الشعر والنحت، حيث نسج من العلاقة بين الشعر والنحت عالماً إبداعياً متميزاً».

من أعماله النحتية

الجدير بالذكر، أن القاصّ والشاعر والنحات "أحمد اسكندر سليمان" أسس وحرر موسوعة القصة الجديدة في "سورية"، وشارك بتأسيس مجلة "ألف" للكتابة الجديدة في "دمشق" عام 1991، وساهم في تأسيس مهرجان "جبلة" الثقافي، وصدرت له كتب متنوعة، منها: "الانقلاب الصيفي" قصص، "ألف للكتابة الجديدة"، و"نصوص لم تكتمل"، و"أعمى بلا ندم" (شعر)، و"الكائن في عزلته" (قصص)، و"الحبر الضّال" (شعر)، وأقام عدة معارض فنية.