نما الشعر كجنين في رحم لغتها، موهبة نطقت في مراحل متباعدة ثم اتجهت إلى دراسة الهندسة منشغلة بأمور الحياة تاركة قصائدها الشعرية تولد بصمت، لتزيّنها بالألفاظ والصور الشعرية الغريبة والبسيطة حدّ الدّهشة.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 25 أيلول 2017، الشاعرة "رِماح بوبو"، فتحدثت عن بداية موهبتها الشعرية ونشأتها قائلة: «أكتب منذ طفولتي؛ فوالدي يحب القراءة والعلم؛ وهذا جعلني أفتح عينيّ على رؤية قصص ومجلات الأطفال في مكتبة المنزل، فأحببت القراءة بنهم، وكنت أقرأ باللغة العربية الفصحى.

الشعر لدي بالفطرة، وهو يختزل الفكرة بأسلوب مكثف جداً، فالغاية من الشعر الوخز، ويجب على القصيدة أن تدهشك. يتميز شعري بالتنوّع، وألامس من خلاله الواقع بأسلوب غير مباشر. الشعر احتيال بأسلوب يهزّ الآخر، وهو الشباك المفتوح على المنظر الذي تريده، وأهم سمّة بشخصيتي ومنجاتي الوحيدة في الحزن والفرح، وأثرثر معه في كل حالاتي

جاءتني الكتابة كومضة حين قرأت خبراً في العاشرة من عمري في صحيفة "البعث"، فكتبت قصة قصيرة وهي البداية؛ ففي المرحلة الابتدائية كنت المندوبة الحصرية لتأليف الكلمات التي تلقى في المناسبات الوطنية والاحتفالات المدرسيّة، وفي الصف الرابع اكتشفتني مدرّسة اللغة العربية، وفي المرحلة الإعدادية كتبت موضوع تعبير أذهل مدرّستي، وفي المرحلة الثانوية كتبت قصائد لصديقتي كي تبهر حبيبها، وبعد ذلك درست هندسة الميكانيك في جامعة "تشرين" وتخرجت عام 1995، غير أن الشعر كان الأوكسجين الذي ألتقط به أنفاسي بعد كل جهد أو تجربة في الحياة».

أمسيتها في عاديات طرطوس

وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دوراً لافتاً بإظهار تجربتها الشعرية، وعن تفاصيل ذلك تقول: «لم أنذر نفسي للشعر، فقد نشرت في سنوات متباعدة في بعض الصحف السورية، وبقيت أكتب لنفسي إلى أن أنشأت لي ابنتي صفحة في العالم الافتراضي قبل عامين، وكانت نقطة تحول في مسيرتي الشعرية، فقيل لي: (أنت شاعرة)، فأعجبني الأمر. وكتابي الأول "تفاحتي وقد سرقتها" قيد الإصدار. تأثرت بشعراء سوريين، أمثال: "علي الجندي"، و"فايز خضور"، والشاعر الفلسطيني "محمود درويش" أثرى تجربتي الشعرية، كما أن الريف يدغدغ خيالي وأستقي منه بعض مفرداتي، لكنه لم يأخذ عشقي للبحر. كثّفت القراءة، ووجدت متابعة من مهتمين بالأدب والنقد والكتابة، ويأتيني النقد الجميل البنّاء الذي يعزز ثقتي ويحفزني؛ وهو ما أعطى شعري مكاناً».

وعن الشعر والقصيدة وطقوسهما، تقول: «الشعر لدي بالفطرة، وهو يختزل الفكرة بأسلوب مكثف جداً، فالغاية من الشعر الوخز، ويجب على القصيدة أن تدهشك. يتميز شعري بالتنوّع، وألامس من خلاله الواقع بأسلوب غير مباشر. الشعر احتيال بأسلوب يهزّ الآخر، وهو الشباك المفتوح على المنظر الذي تريده، وأهم سمّة بشخصيتي ومنجاتي الوحيدة في الحزن والفرح، وأثرثر معه في كل حالاتي».

الكاتب علم عبد اللطيف

وتضيف: «لا طقوس في الشعر، وقد كنت أتصوّر الشاعر بصورة تقليدية وبرفقته النبيذ والكتب والموسيقا. الشعر ليس له أوقات معينة، إنما هو حالة تزورني في أي وقت ومكان، لا يقيده شيء، حالة عفويّةٌ وغزيرة. أمزج بعض جمل الموروث الشعبي في قصائدي التي قد ترتبط بحادثة معينة أو حالة أستقيها من الأحاسيس المعقدة، فألجأ إلى الصور الشعرية والخيال لتأخذ الدهشة مكانها لدى المتلقي».

ومن أشعارها اخترنا لكم:

"أعرف..

كان يجدر بي

أن

أكتفي بمشبكي الفضي

أضم به

خصلات القصائد

وأستمع للبريق

لكن الريح التي اصطادتني

أدخلتني غابات الشهقات المدببة

مضّت غلالة المدن المتصابية أمام

عيني

وعلى نافذة ضبابي صلبتني

إلى أن تأكدت

أني تعلمت جيداً

كيف يكون

الشعر مفروداً

أكثر لمعاناً

من نصل سكين

حررتني".

ويتحدث عنها المحامي والكاتب "علم عبد اللطيف" قائلاً: «عرفتها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، ولفتتني نصوصها المتقنة، وجملها الشعرية الحداثية، واستمعت إليها مرة في نقابة مهندسي "طرطوس" فأثارت اهتمامي، وكانت تبدو شاعرة ليست موهوبة فقط، بل جريئة في اقتحام عالم القصيدة، وتتصف بالعفوية والصدق، وينعكس هذا في نصوصها. تقيم عالمها الشعري بآليات حداثية دقيقة ومدروسة، وتتجلى الحداثة عندها في شكل القصيدة وبناء الجملة الشعرية والإمساك بالسياق الشعري، وتعرف أن الحداثة تقتضي التكثيف والتركيب والمفارقة، وليس من مساحة زائدة في جملها الشعرية، أو ما يشي بالشرح أو الاستفاضة، إنها صنعت "ميديا" خاصة لنصها الشعري يلائم حجم النص ومحموله في تزامن يحيل إلى تمكن الشاعرة من أدواتها».

الجدير بالذكر، أن الشاعرة "رِماح بوبو" من مواليد "اللاذقية" عام 1966، شاركت في مهرجان الأدباء الشباب في "سورية" لمدة سنتين متتاليتين في جامعتي "حلب" و"تشرين"، وأمسية في جمعية العاديات بـ"طرطوس".