"عبير عامودي"؛ شاعرةٌ شابّةٌ أخذها الشّعر باكراً، فكتبت خواطر الطّفولة، ومع الوقت تسرّبَ المدّ الصّوفيّ إلى لغتها، لتكتبَ رؤاها الشّعريّةَ بشفافيةٍ وعمق.

مدوّنة وطن "eSyria" التقتِ الشّاعرة بتاريخ 20 أيلول 2014، للحديث عن تجربتها الشّعرية، وكان معها هذا الحوار:

تتميّز بالجرأةِ عند طرحِ أفكارها، وهي تمتلك لغةً شعريّةً تدفعكَ دوماً، للبحث عمّا وراء المفردة، ونجد في قصائدها صوراً شعريّةً، قدمتها بحرفيّةٍ عالية المستوى

  • بدايةً، متى اقتحمتِ عالم الشّعر، وبمن تأثّرتِ؟
  • الشاعرة "عبير عامودي"

    ** تعرّفتُ على الشّعر باكراً، حيث بدأتُ كتابة شيءٍ يشبهُ الشّعر المحكيّ، ولم أدرِ ماهية ما كنت أكتب وقتها؛ أنا التي لم أقرأ كتاباً واحداً خارج المنهاج المدرسيّ، بعدها صرت أنتبهُ لشغفي في موضوع الإنشاء، ليترجَمَ لاحقاً إلى قصائدَ وخواطر خجولةٍ، ولم أكن قد تأثّرتُ بأحدٍ بعد، لذا بدتْ كتاباتي تفتقرُ إلى الثقافة والعمق، بعدها قرأتُ لكثيرين، وفي بداية معرفتي الحقيقيّة بالشّعر، أحببتُ "محمّد الماغوط" كثيراً، ومع هذا لم أتبنَّ مشروعَ أيّ شاعرٍ؛ ربّما لأنّني كنت أبحث عن هويّتي الشّعريّة، وخصوصيّتي المؤثّرة لما أريد قوله.

  • في كتاباتك مدّ صوفيّ، لماذا اخترتِ اللغة الصّوفيّة كحاملٍ لأفكاركِ؟
  • غلاف ديوانها "محض غواية"

    ** ديواني "محض غواية" أُنجز في ظروف قاسية، وقتها كنت على مستوى عالٍ من الحزن والألم، وبالتّالي الزّهد الّذي يدفعكَ للبحثِ عن معنى لوجودكَ، ولذلك بدا الجسدُ حاضراً في قصائدي؛ أنا التي أؤمن أن الكون جزء من الإنسان، إذا ما توحّدا ستتبدّى الحياة في أصدق صورها، وسيغدو الجسد قميصاً، يُخلَع إن اهترِئ ليُلبَسُ في وقتٍ آخرَ، بكلّ الأحوال أجد أنّ الصّوفيّةَ منهجُ حياةٍ قاربها الكثيرون من الفلاسفة والشّعراء، أمثال "الحلاج، وجلال الدّين الرّومي"، ولم تنحصر بإبداعاتهم فقط، لذا تجدُ هذه اللّغة شائعةً عند الكثيرين الخاصّين في رؤيتهم، ولا أدّعي تفرّدي إذ أقول: إنّ هذه الصّوفيّة جاءت في ديواني بطريقةٍ غير مقصودةٍ، لأنّ موضوع الجسد لا يمكن أن يُقارَبَ إلا بهذه اللغة الرّاقية البعيدة عن الماديّات المُغرقة في الابتذال.

  • كيف تنظرين إلى ثنائيّة (المرأة – الرّجل) نقديّاً وشعريّاً في بنيةِ أشعارك؟
  • ** حرصتُ في ديواني على اعتبار الرّجل ندّاً موازياً وشريكاً قدرياً للمرأة. لا أتكلّم عنه من موقع الأنثى المنقوصة الحقوق؛ لأنّني أؤمن بأنّ المرأةَ وحدها قادرةٌ على تسيّد ذاتها وفرض قيمتها الإنسانية، لهذا تجلّى واقع الرّجل والمرأة في شعري بالجسد، الجسدُ بالنّسبة لي ليس مذكّراً أو مؤنثاً، وليس فعلاً جنسياً صرفاً، بل هو فعلُ حركةٍ وإبداع؛ الجسدُ الّذي يمجّد الأنثى سيقدّس الذّكر، عندها فقط سيرفعهما إلى مستوى واحد، بعيداً عن تلك الفجوة التي يبدو أنّها، ستزداد بينهما حتّى تلتهمهما معاً.

  • النثر هو طريقةُ قولٍ حداثويّة، كيف تجاوزتِ الشّكل الكلاسيكيّ من الكتابة كالتفعيلة والعمود؟
  • ** أريد أن أحلّق وأنا أكتب، لا أن أفكّر على أيّ بحرٍ سأنظمُ هواجسي القلقة، أريد أن أعبّر عنّي بعيداً عن "أقمطة الفراهيدي" غير المناسبة لي؛ أنا المرأة الجانحة عن التقاليد، المشاكسة لكلّ ما هو مألوف. أردت أن أكون حرّة أطير في فضاءات النّشوة الشّعرية، وأنا أكتبني على الورق، أؤمن بأنّ قصيدة النثر فيها من الصّعوبة ما يستحيل على أيّ أحدٍ أن يكتب شكلاً مبتكراً وفريداً فيها، وهي لم تأخذ ملامحها الواضحة بعد، التي يتطاول عليها كلّ من يظنّ أنّه يكتب شعراً، فترى قصائده أشبه بخواطرَ مارقةٍ لا أكثر.

  • يتعثّر الشّعر اليوم، كيف يمكن برأيكِ توسيع دائرة التلقّي الشّعري؟
  • ** على كلّ شاعرٍ أن يعيد الثقة مع ما يريد أن يقول، قبل أن يعيدَ الثقة مع المتلقّي، من المهمّ أن يدرك الشّاعر خصوصيّة المرحلة التي يمرّ بها، كي يكتب ما يريد الآخرون، فيلامس قلوبهم وعقولهم. هكذا فقط يكسب تفاعلهم مع صوته الشّعري، لا أن يجلسَ في برجه العاجيّ، وينظّر من عَلُ، وكأنّ شيئاً لا يعنيه؛ إذ ماذا ينفع أدبٌ لا يقتربُ من أوجاع النّاس وأفراحهم؟

  • النقد اليوم هو نقد معارف لا نقد معرفة، هل نال ديوانك ما يستحقّ من النقد؟ وكيف تنظرين إلى النّقد الشّائع؟
  • ** هناك بعض الأصوات النّقديّة التي اقتربت ممّا أريد قوله، وهناك أصواتٌ ظلمتْ ديواني، فبدتْ وكأنّها تتكلّم في وادٍ آخر. لم يكن ديواني إلاّ تجربةً، أردتُ طرحها لأفهمَ شخصيتي الشّعرية، وأتوصّل إلى مفاتيح مشروعي بالنّسبة للنقد، هناك من يعبّر عن ذائقتِه، الّتي قد لا تتوافق، أو تتوافق مع مشروعك، وهناك أيضاً أصواتٌ متواطئةٌ مع بعض الشّعراء، بحكم المصالحِ، والمحاباة الشّخصيّة؛ لذا فُتح الباب أمام الكثيرين منهم، فغدوا شعراءَ بين ليلةٍ وضحاها، يُكرَمون في المهرجانات، وتُفتتَح لأجلهم المنابر، مغيّبين بعض الأسماء المهمّة، الّتي لها مشروعها الجديّ والمميّز.

    أظنّها مرحلةٌ على قدرٍ عال من الحساسيّة، التبسَ فيها كلّ شيء. ما نحتاجه فقط بعض الوقتِ لتتمّ فيه الغربلة، هكذا فقط تنجلي عن الشّعر كلّ هذه الغشاوة.

    الشّاعر والناقد "ياسر اسكيف" قال: «لا يمكن لأيّ رأيٍ متسرّع بهذه التّجربة أو تلك، إلا أن تتلامحَ فيه الجناية، ولا يفيد التّسرّع كعذرٍ. باختصارٍ شديد يمكنني القول إنّ "عبير" في "محض غواية"، تنصب شراكاً على درجة عاليةٍ من التّمويهِ، والحرفيّة. وتكاد تنجح في استعادة الجسد من منفاه، الّذي أقصته إليه دون رجعةٍ، اللّغة العربيّة، بعد أن أسرها الدّين وتعود "عبير" في سعيها هذا إلى نقطة الانفصال، بين الجسد - المعرفة، والرّوح - الجهل أو العماء، كاشفةً التزوير الوقح الّذي ألحقه بلاغيّو "الله" بالحكاية، ولكنّها مع ذلك وقعتْ، فيما وقع به الصّوفيّون، عندما خنّثوا كلّ شيءٍ عبر الثنائيّات المُدمجةِ، كمحاولةٍ وحيدةٍ ممكنةٍ، لإعادة الجسد إلى الحياة - اللغة، وهذا ما أحضر المناخ الصّوفيّ عبر أعلامه: "النّفريّ، الحلّاج، ابن عربيّ" بقوّةٍ، وبرائحةٍ نفاذةٍ إلى تجربتها. وعلى سبيل المثال "من أنا؟ إن لم أكن هو! وليس توسّلي للقائه إلاّ شوقاً إليّ"».

    الشّاعرة "نصيرة عيسى" قالت: «تتميّز بالجرأةِ عند طرحِ أفكارها، وهي تمتلك لغةً شعريّةً تدفعكَ دوماً، للبحث عمّا وراء المفردة، ونجد في قصائدها صوراً شعريّةً، قدمتها بحرفيّةٍ عالية المستوى».

    مقاطع من قصيدتها "تداعي أقوال":

    (1)

    "أنا طعمٌ آخرُ للفرحِ

    لكنْ بملحٍ زائدٍ؛

    يقول البكاء".

    (2)

    "أنا الرّابح أبداً

    من تشمّسِ البحر تحتَ جسدِ عشيقتهِ

    لهذا غدوتُ

    ضيفَ شرفٍ دائمٍ

    على موائدكم؛

    يقول الملحُ"

    (3)

    "أنا وغرق العشّاقِ

    جيرانٌ؛

    يقول البحر"

    (4)

    "شفةٌ

    ينتهي موسمُ الكرز فيها،

    لا يعوّل عليها؛

    تقول القبلة"

    (5)

    "كلّما اقتربوا منّي

    رشوني بكذبٍ كاملِ الدّسمِ

    لأزدادَ هزالاً؛

    تقولُ الحقيقة".

    يُذكر أنّ الشّاعرة "عبير عامودي" من مواليد "اللاذقيّة"، 1980م.

    صدر لها ديوان شعر "محض غوايةٍ" في العام 2013م.