"وداد سلوم" تمزج في كتاباتها بين القصيدةِ الومضة والخاطرة الشّعرية. وبكثيرٍ من الحزن الشّفافِ، تبتكرُ أسئلتها، فتأخذ قارئها إلى تمثّلِ ما تصبو إليه، من همومٍ وحدسٍ وتفاصيل.

مدوّنة وطن "eSyria" التقتِ الشّاعرة بتاريخ 17 آب 2014، للحديث عن تجربتها الشّعريّة، وكان معها هذا الحوار:

شعرها مزدحمٌ بالأنوثة، وفي كلّ صورةٍ ومضةٌ جديدةٌ تدهشني. "وداد" ترسمُ بألوانٍ نعرفها، لوحاتٍ جديدة، شفّافةٍ، وأنيقةٍ، ومرهفةٍ

  • في البداية متى دخلتِ عالمَ الشّعر؟ بمن تأثّرتِ؟ ولماذا الشّعر في عصر السّرعة؟
  • الشّاعرة "وداد سلّوم"

    ** لا أذكر حقيقةً متى دخلتُ هذا العالمِ الغريبِ، والمُمتعِ بقدر ما نمارس غرابته، لكنّ الخطوةَ نحو النّشرِ كانت متأخّرةً، وما أذكره أنّ أحدَ الأصدقاءِ القدامى قد احتفظَ ببعض المقاطع الّتي ربّما هي ومضاتٌ فقط من عمرٍ مُبكِرٍ "الإعدادية"، ولو عدتُ لتذكّرتُ أيضاً أنّه كانت هناك انقطاعاتٌ كثيرةٌ، فلم يكن هناك ما يمكن تسجيلُه سوى أنّه عالمٌ يستحوذ من يدخله، ولا بدّ أن يعيشَه، ولو بعد انقطاعٍ، فهو يبقى في الدّاخل البعيدِ، يتراكم باستمرار. أمّا بمن تأثّرت؟ فلا شكّ أنّ التّراكمَ الزّمنيّ والمعرفيّ يُولّدُ تأثّراً غيرَ مباشرٍ بأسماء كثيرةٍ، وربّما لن أستطيع أن أذكرَ أسماء بعينها حتّى لا أندم على عدم ذكر أسماء أخرى، لكن لا يمكنني إلا أن أسجّلَ اسم "بابلو نيرودا".

    أما لماذا الشّعر، فلأنّه الّذي يستحوذ عليَّ دون مبرّراتٍ، الّذي يُطلقُ الدّاخلَ دون قيودٍ، الّذي يمنحنا الفضاءَ، ويقول: ابتكروا أجنحتكم. والّذي يغوصُ إلى العميق والبعيدِ سيلامس أعلى السّماوات.

    غلاف مجموعتها "ضفاف تخلع صفصافها"

  • تتوزّع كتاباتك بين قصيدة الومضة والخواطر المنثورة، لماذا اخترتِ هذا الشّكلَ الكتابيّ؟ وكيف يُمكن الحفاظ برأيك على شعريّة النّثر؟
  • ** لم أكنْ بواردِ اختيار الشّكل، فهذا حدَثَ لأنّي أحبّه، وربّما أجده مجالاً غيرَ محدودٍ بقوالبَ أو نمطٍ، هو إذاً الحرّيّة الّتي تطمحُ لها الكلمةُ، حين تضيقُ بها صورُنا، أمّا شعريّة النّثر، فهي رهنٌ بالذّخيرة الخاصّة لكلّ تجربةٍ.

    غلاف مجموعتها "جرس الماء"

  • يكثر الحديثُ عن أدبٍ نسائيّ وآخر ذكوريّ، هل أنتِ مع هذا التّصنيف النّقديّ؟
  • ** أنا ضدّ التّصنيفِ عموماً، لكنّ معاناةَ المرأة المزدوجةِ في عالمنا الثّالث، ووعيَ هذه المعاناة تنعكس على إنتاج أيّ أنثى، تخوض في هذا المجال، فإن لمْ تطرحْ معاناتِها بشكلٍ مُباشرٍ وواضحٍ، فإنّ هذا سينعكسُ على إنتاجها من حيث حجم الألم، وإعادة إنتاجِه، والإغراق فيه، لأنّ ذلك لا يمكن تجاوزه، الشّعر هو ألمٌ مستمرٌ، ومعاناةُ المرأةِ تلوينٌ فيه، وإضافةٌ في لوحتهِ الواسعة، ولا أعتبره نقطةَ ضعفٍ عند المرأة، بل هو إغناءٌ لحساسيّتها تجاه الأشياءِ، حين يمنحها عيناً أكثرَ دقّةٍ لاكتشاف الألم.

  • متى تأتيكِ لحظة الكتابة؟ ومن أين تستمدّين ثروتك اللّغويّة؟
  • ** ليس هناك موعدٌ محدّدٌ للحظةِ البوحِ الّتي تولد منها القصيدة، فالكلمة قد تأتي وأنت في زحمةِ الأماكنِ والنّاس، ولكنّها لا ترتاح على ناصية القصيدةِ إلا في وحدتِك الّتي تختار، الثّروة اللّغويّة؛ هذا التّراكم الكمّيّ، والنّوعيّ من المعرفةِ والثقافة، فقد لا تكون المُفردات بذاك التّقعّر في اللّغة، ولكنّ سياقَها هو الّذي يمنحها حياةً أخرى، تعيش بها المفرداتُ وتصنعُ لوحةَ المشهد.

  • انحسر جمهورُ الشّعر لمصلحة الفنون الأخرى، كيف يمكن برأيك استرجاعُ جمهور الشّعر إلى القصيدة؟
  • ** لطالما كان جمهورُ الشّعر قليلاً، ربّما لأنّه يحتاجُ وقتاً فائضاً للتّذوّق، وربّما انعكس هذا في إحياءِ أشكالٍ مُستحدَثةٍ منه، كالومضةِ، والقصيدة القصيرة بما يتناسب مع العصر، وأعتقد أنّ الكتابة بمثل هذه الأشكال والاقتراب من هموم القرّاء الحياتيّة، سيجعل الذّائقة الشّعريّة تتمرّن على الدّخول في معترك القراءة بحماسٍ أكبر.

  • نعيش اليوم فوضى كتابيّة بسبب "الفيسبوك"، كيف يمكن برأيك التّمييز بين الكتابة النّوعيّة، والكتابة المُبتذلة في ظلّ استسهالِ الكتابة الشّائع؟
  • ** التّمييز بين الكتابة الرّديئة والثّمينة، يتوقّف على خلفيّة القارئ الثّقافيّة، فالمستوى الثّقافيّ لمجموعةٍ؛ هو حصيلةُ مناخٍ حرّ وديمقراطيّ، يُمكن للإنسان أن يبنيَ فيه عالماً روحيّاً، أو على الأقلّ يحترم إنسانيّته فيحافظ عليها، وعلى تلقّيه للأدب. بالنّتيجة لا يُمكن أن يكونَ هناك إبداعٌ دون حرّيّةٍ، ولا يمكن أن تكون هناك ثقافةٌ دون مناخٍ صحّيّ، وكملاحظةٍ: هناك أسماءٌ كثيرةٌ تستحقّ الكثيرَ، لكن ليس لها جمهورٌ بسبب التّعميم، وهذا لا يعني أنّها غيرُ موجودةٍ، لكنّها تحتاج بعض الجهد والسّعي.

    أرى أنّ الشّاعرة "وداد سلّوم" تستحقّ أن توسمَ بشاعرة الحزنِ المُخاتل والأسئلة الصّعبة، كما يقول القاصّ والشّاعر "محمّد سعيد حسين"، الذي يُضيف: «إنّها تفردُ حزنَها وأسئلتها في صياغاتٍ شعريّة، ذات دلالاتٍ متعدّدة المستويّات الفنّيّة، مُتّكئةً على مقدرةٍ كبيرةٍ في اللّعبِ على اللّغة ودلالاتها، عبرَ مُحاولةٍ مُستمرّةٍ لاستنفار المخبوءِ الدّلالي للمفردة من جهةٍ، وللعبارة الشّعرية من جهة ثانيةٍ، فتخرج بعضُ العباراتِ غاية في الأناقة والقوّة كاشفةً عن مقدرةٍ خاصّة ومتميّزة لديها في صياغة جملتها الشّعريّة، مفعمةً بالتّكثيفِ اللّفظيّ والدّلاليّ، وبانسيابيّةٍ تنبئ عن علاقةٍ أليفةٍ بينها وبين لغتها، تتجلّى في تساؤلاتٍ غير بريئةٍ، تضعها في مرمى القارئ، الذي لن ينجحَ غالباً بالفصل بين متعة التّلقّي الجماليّ، وصدمةِ التّمثل الحسّيّ، للتّشكيل اللّغويّ الحاملِ لهذه التّساؤلات، ليجدَ نفسَه متورّطاً بالقراءةِ، غير آبهٍ بدايةً لخيبةٍ مكتنزة، وحزنٍ دفينٍ هادئ، تنمّ عنه مفارقاتٌ مفخّخةٌ لغةً، ضاجّةٌ بالأسئلةِ مضموناً، مفارقاتٌ تشكّل جزءاً لا يتجزّأ من لغة "وداد" الشعرية».

    قارئ الشّعر، ومتذوّقه، الطّبيب "نور الدّين ناصر" قال: «شعرها مزدحمٌ بالأنوثة، وفي كلّ صورةٍ ومضةٌ جديدةٌ تدهشني. "وداد" ترسمُ بألوانٍ نعرفها، لوحاتٍ جديدة، شفّافةٍ، وأنيقةٍ، ومرهفةٍ».

    "مطرٌ خطير" نصّ من مجموعتها "جرس الماء":

    "المياهُ التي غمرتْ جذعيَ

    هادئةً كانت،

    تفيّأتْها الأرضُ منذ يومين..

    ورحتُ أرشفها كأنّي أنهل قلبَ الأرضِ

    دمعةً دمعة.

    اشرأبّتْ جذوري تملأ رئتيها..

    آهِ.. كيف سأقنعها بعد اليوم، أن تنحني للأسفل؟!

    الأرض؛ ومنذ يومين

    قلبتْ أجزائيَ بعد مطرٍ خطير خطير".

    "ذاك" نصّ من مجموعتها "ضفافٌ تخلعُ صفصافها":

    "ذاك المساء لم أنمْ،

    حين مرّ بجانبي

    حبٌ هاربٌ

    يقضمُ أزهارَ الياسمين

    على عجل..

    خائفةً كعادتي

    أغلقتُ روحي وارتجفت..

    ذاك الصّيف

    سقطتُ من سقفِ السّماء

    حين غرقَ آخر الرّجال

    في عبقِ التّفاح..

    أخمدَ الله أغنياته..

    وحيدةً كعادتي

    صلبتُ الجثمانَ واكتفيت..

    ذاك الحبّ

    لم أشربْ قهوته..

    لفافتي الأخيرة خمدتْ

    وعيونُه السّوداء بلا جمرٍ..

    ألصقتُه في تقويمي

    حالمةً كعادتي أوقدتُ الصّباح وانتظرت..

    ذاك الشّغف

    لم تأتِ!

    وأنا أحتمي بالبطء

    أتماسكُ بغيمٍ مبتور الأفق..".

    يُذكر أنّ الشّاعرة "وداد سلّوم" من مواليد "حمص". صدرت لها مجموعتان شعريّتان:

  • "ضفافٌ تخلع صفصافها"، عام 2010.
  • - "جرسُ الماء"، عام 2013.