"صفيّة ديّوب" من يقرأ كتابَها "دموع البنفسج" يعرف كيف تمتزج الطّبيعة بالكلمات، وكيف تتحوّل هواجسُ الأمومةِ إلى لغةٍ خاصّةٍ، تقولُ عبرَها همومَها الذّاتية، وهموم الواقع.

مدوّنة وطن "eSyria" التقتِ الكاتبة بتاريخ 25 تمّوز 2014، للحديث عن تجربتها الأدبيّة، وكان معها هذا الحوار:

تمتاز كتاباتها بحساسيّةٍ عاليةٍ جدّاً، ويمكن ملاحظة اندماجها بالطّبيعة والمكان بشكلٍ جوهريّ، حيث تعيد صياغة المكان بعدَ مزجهِ بزمانها الدّاخليّ. وهي تحاول تجسيد الأمومة في كتاباتها، حيث نجدُ لغةً حنونةً، وحانيةً، وخائفة، ومتفائلة. وكأنّها ترسم حالات الأمّ في هذا الوجود الخشن

  • في البداية بمن تأثّرت في كتاباتك؟
  • في لحظة كتابة عفوية

    ** يمكنُ اختزالُ تأثّري المبكّر، بالطّبيعة أوّلاً حيث القرية بصخورها، وينابيعها، وسهولها، وأشجارها. كنتُ أشعر بعفويّة الطّبيعة تتصاعدُ على شكل موسيقا من المكان، وأذكر أنّي كتبتُ قصّتي الأولى في الصّف الثّاني الإعداديّ، ونالت استحسانَ مدرّس اللّغة العربيّة وعمّي "إبراهيم ديّوب" الّذي لعبَ دوراً أساسيّاً في تشجيعي على الكتابةِ، وعلى حبّ اللّغة العربيّة. وتأثّرتُ أيضاً بالأدبِ الرّوسيّ، وخصوصاً "تشيخوف، ومكسيم غوركي". وقد لعبَ وجود إخوتي في "روسيا" دوراً مهمّاً في قراءاتي، حيث وجدتُ في البيئة الأدبيّة الرّوسيّة، ما يشبه بيئتنا بعفويّتها، وصدقها، وحزنها.

  • مزجتِ في كتابك "دموع البنفسج" بين القصّة القصيرة والخاطرة، برأيكِ هل من حدودٍ فاصلةٍ بين الأجناس الأدبيّة؟
  • كتابها "دموع البنفسج"

    ** المسافة قريبةٌ بين الخاطرة والقصة. وهناك الكثيرُ من الخواطر، تحوّلتْ أثناء الكتابةِ إلى قصّةٍ قصيرةٍ بشكلٍ عفويّ. وبشكلٍ عامّ لا يهمّني الجنس الأدبيّ أثناء الكتابة؛ فما يهمّني أكثرَ هو إخراجُ انفعالاتي بالشّكل الأمثلِ، وسكبِها على الورق. وللسّبب نفسه تجد في كتاباتي الكثيرَ من الصّور الشّعريّة، التي استعرتها للتّعبير عن مكنوناتِ الدّاخل من الألم والفرح والمشاعر الغامضة.

  • هل تعتقدين أنّ هناك أدباً ذكوريّاً، وآخر نسائيّاً، كما يشيع في بعض الأوساط النقدية؟
  • ** لم أفكّر بهذه الثنائيّة أثناء الكتابة، ولا أعتقد أنّها ظاهرةٌ صحيّة، فهي ليست أكثر من وسيلةٍ لاكتشاف الفروق بين الذّكرِ والأنثى في عالمٍ أثبتَ استحالةَ الفصل بينهما. فهذا التّقسيم نقديٌّ وليس معرفيّاً. ولكن هناك بعض الحالات، والعواطف، تقدِر المرأة على كتابتها وكشفها بشكلٍ أعمق، مثل الأمومة. ولكن هذا لا يعني أنّ الحنان حكرٌ على المرأة.

  • هل نالت كتاباتك ما تستحقّ من الدّراسة النّقديّة؟
  • ** لا يوجد نقدٌ حياديّ، موضوعيّ، فكلّ الدّراسات التي تطول أيّ مُنجزٍ أدبيّ هي قراءاتٌ انطباعيّة لا أكثر، وأحياناً تكون عبارةً عن محاولةٍ بسيطةٍ للتّعريف بالكتاب، والكاتب، دون الدّخولِ في أبعاده. وغالباً ما يشيع في مثل هذه القراءات النّقدُ الإيجابيّ، الذي يمسّ الكتابَ بشكلٍ بسيطٍ عفويّ. أمّا تلك القراءات النّوعيّة الّتي تحرّضُ الكاتب على ابتكارِ الأفضل، فلا تزال قليلةً، وربّما معدومةٌ، وهي تخضع لشروطٍ مُختلفةٍ عن شروط النّقدِ الشّائع القريب من المُجاملات، والإطراء المجانيّ.

    الصّحفيّة "يسرا أحمد" قالت في قراءةٍ انطباعيّة لكتابها: «حين تبلوَرَ إحساسُها بالواقعِ إلى درجة الالتحام بهمومه الإنسانيّة، تحوّلتْ كلماتُها إلى قناديلَ تضيءُ بعض الجوانب المعتمة في أرجاء الرّوح. كتبتْ عن شرائح، وأطياف المجتمع كافّةً، وصوّرتهم بعدسةِ قلمها الشّفافة. ومن يقرأ كتابها "دموع البنفسج" يشعر بهذا الدّفء الوجوديّ. والجميل في الأمر، قدرتها على توظيف عناصر الطّبيعة في التّعبير عمّا يعتري شخصيّاتها من حزنٍ وألم».

    قارئة الشّعر، ومدرّسة اللّغة العربيّة "هنادي يوسف" قالت: «تمتاز كتاباتها بحساسيّةٍ عاليةٍ جدّاً، ويمكن ملاحظة اندماجها بالطّبيعة والمكان بشكلٍ جوهريّ، حيث تعيد صياغة المكان بعدَ مزجهِ بزمانها الدّاخليّ. وهي تحاول تجسيد الأمومة في كتاباتها، حيث نجدُ لغةً حنونةً، وحانيةً، وخائفة، ومتفائلة. وكأنّها ترسم حالات الأمّ في هذا الوجود الخشن».

    خاطرتها "مياه الحياة"، من كتابها "دموع البنفسج":

    "فتحت الأيّام خزانةَ أسرارها

    لبستْ ثوبَ سعيها

    وعلى جناح الزّمن بدأتْ رحلتها

    وكانت الدّنيا أوّل محطّةٍ لها..

    عالمٌ، وعرٌ، قلقٌ

    وبأناملِ خلاصنا

    تعلّقنا بحبال المُستحيل

    تسلّقنا صخوراً، رماها القدر أمام سفرِ أيّامنا

    لنصلَ إلى قمّة الإنسانيّة،

    حيث مياه الحياة تتساقطُ

    مكوّنةً

    أنهارَ استمرارنا".

    يُذكر أنّ الكاتبة "صفيّة ديّوب" من مواليد "ريف جبلة"، "عين الشّرقيّة" 1970م. ولها كتاب "دموع البنفسج" الصّادر في عام 2009م.