شاعرٌ أحبّ اللّغة الشّعريّة القديمة، فكتب أشعارَه ضمن هذا السّياقِ مكتفياً بالغنائيّةِ وجمالِ الإيقاع، إنه الشاعر "حسن محرز".

التقته مدوّنة وطن "eSyria" بتاريخ 11 نيسان 2014 للحديث عن تجربته الشّعريّة، وكان معه هذا الحوار:

يحاول الشاعر في معظم نصوص ديوانه تعميم تجاربه الفرديّة وأحزانه لتصبح نموذجاً، حيث يُعالج مواضيعه الأساسيّة كالحبّ والرّثاء والحنين بجوّ من الرّومانسيّة، فظلّت صوره قريبة من أسلوب "خليل مطران"، و"جبران" بعيدةً عن الإغراق في تشكيلات المدرسة الحديثة

  • في البداية.. كيف وصل الشّعر إليك؟ وبمن تأثّرت؟
  • يقرأ في ديوانه

    ** الشّعر بالنّسبة لي ليس ضيفاً وصلني في مكانٍ ووقتٍ محدّدين، إنّما هو النّفَس الذي أتنفّسه باستمرارٍ، وقد عبّرتُ عن مشاعري في مرحلةٍ مبكّرةٍ، وهذا النّفس لم يأتِ عبثاً، وإنّما عشته في بيئتي التي تهتمّ بالأدب والشّعر فوالدي كان ذوّاقاً وحافظاً للشّعر. وتأثّرت بالشّعر القديم وديباجته بدءاً من العصر الجاهليّ ومروراً بمراحل الشّعر اللاحقة، وكان "المتنبّي" محطّةً مهمّةً بالنّسبة لي، وكذلك "أبو العلاء المعرّي"، وقرأتُ في العصر الحديث لشاعر قريتي "نديم محمّد"، حيث إنّ بيته القديم لا يبعد سوى عشرات الأمتار عن بيتي، وهذا ما جعله حيّاً دوماً في داخلي، وكذلك لم تخلُ ساحة إعجابي من الشّاعر الكبير "بدوي الجبل".

  • درستَ اللغة العربيّة بشكلٍ أكاديميّ، ماذا أضافت إليك هذه الدّراسة على صعيد الشّعر؟ وهل يمكن القول: إنّ في داخل كلّ دارسٍ للّغة العربيّة هناك شاعرٌ؟
  • الشاعر حسن محرز

    ** قلت آنفاً إنّ الشّعر ولِد في داخلي قبل أن أغوصَ في خضمّ العربيّة الفصحى، وكانت فرصةً لي أن أدرسَ اللّغة العربيّة بشكلٍ أكاديميّ ودقيق، وهذا ما مهّد الطّريق لكي أنقّحَ شعري جيّداً، فدراستي كانت المُسعفة لكي أجوّد قصيدتي وأبقى قريباً من الدّراسات التي تطول الشّعر بشكلٍ نقديٍّ معرفيٍّ، ولكن ليس كلّ دارسٍ للّغة يمكنه الخوض في الكتابة لأنّ الموهبة تأتي مسبقاً، واللّغة تهذّب وتشذّب. وهناك الكثيرون ممّن نالوا شهادات عليا في اللّغة العربيّة لكنّهم لم ينظموا بيتاً واحداً من الشّعر.

  • معظم نصوصك عمودية موزونة، لماذا اخترتَ هذا الشّكل؟ وأين نصوصك من الحداثة ومن متغيّرات الوجود؟
  • ديوانه ألحان الندى والتراب

    ** أعود إلى بيئتي وطبيعة قريتي، فموسيقا الطّبيعة عنصرٌ مهمّ من عناصر شعري، فخريرُ السّواقي، وحفيف الأشجار، وتغاريد العصافير، كلّ ذلك جعل الموسيقا من مكوّنات شخصيّتي، وهنا يأتي دور الشّعر ليكون وسيلتي لإحضار الموسيقا الخاصّة بي وترجمتها في بحور الخليل وشعر التّفعيلة، وفي كثيرٍ من الأحيان أغنّي شعري عندما أكون وحيداً. وأنا لا أنكر الحداثة أبداً وأقرأ "أدونيس" وأحبّ هذا الشّاعر وأتذوّق كتاباته. ولكن بحكم قراءاتي القليلة لتجاربَ حداثويّةٍ متنوّعة ظلّت تجربتي مقتصرةً على الإيقاع التقليديّ، وأنا راضٍ عن ذلك إلى حدّ كبير.

  • هل لنا أن نعرفَ دور المرأة والطّبيعة في نصوصكَ؟ ومن أين تستقي مفرداتك وثروتك اللغويّة؟
  • ** الشّعر لا يخلو بطبيعتهِ من الأنثى فهي تمثّل الخصوبة دائماً، والأنثى عندي قد تكون غيمةً أو شجرةً أو امرأةً، وهذا ما يرفد قصيدتي بمزيدٍ من المشاعر والمفردات الحيّة التي تخدمني أثناء الكتابة. والمرأة كانت ولا تزال العامل المهمّ في تجربتي فهي الأمّ والأخت والحبيبة والرّمز، ولكن تبقى الطّبيعة بمعناها الواسع هي الرّافد الأكبر لي، فمعظم قصائدي أخذت مفرداتها من الطّبيعة وتغنّت بها، فالرّياض حاضرةٌ دوماً فيما أكتبُ؛ حيث أجولُ وأنتقي ما يناسبُ موضوعاتي وأسلوبي. ويشهد ديواني "ألحان النّدى والتّراب" على تداخل الطّبيعة الكثيف في نصوصي.

  • في ديوانك "ألحان النّدى والتّراب" الكثير من الحنين والحزن الشّفاف، كيف تقرأ هذه الحالات الشّعريّة؟ وما سرّها عندك؟
  • ** الحنين ظاهرةٌ قديمة عندي سواءً أكان إلى الطّبيعة أم إلى الإنسان، وهنالك ما رسّخ هذا الحنين في نفسي بعد أن فقدتُ من علّمني الحنين ووهبني الحنان، وأرى ذروة الحنين تجلّت بعد رحيل والدتي. ولكن لعبَ رحيلُ والدي المبكّر دوراً مهمّاً في كتابتي؛ فقد شكّل رحيله صدمةً نوعيّةً لي، وعلى أثرها كتبتُ أولى قصائد الرّثاء له، وكانت هذه القصيدة هي القصيدة الأولى لي التي اكتملتْ شروطها الشّعريّة من حيث الوزن والدّلالة؛ فمناخ الفقد هذا جعلني دائماً موغلاً في الحنين باحثاً عن جذوره في محاولةٍ لاستعادة الوالدين شعريّاً. وأعتقد لا بدّ لأيّ شاعر من الحنين في داخله لكي تنضجَ تجربته الشّعرية أكثر.

  • النقد في منأى عن الكاتب، وغالباً ما يكون على شكلِ نقدٍ انطباعيّ لا أكثر، هل نال ديوانك ما يستحقّ من النّقد؟ وكيف ترى النقد في علاقته مع الشّعر؟
  • ** الشّعر يظلّ ملكاً لصاحبه ما دام مخطوطاً، وعندما يُنشر يفقد الشّاعر ملكية ديوانه ليصبح ملكاً للنّقاد والقرّاء، وقد تتباين الآراء النقديّة بين قارئٍ وآخر أو ناقدٍ وآخر، فقد يكون النّقد انطباعيّاً وهنا يكون الدّيوان فرصةً للنّاقد لكي يبوحَ بمزيدٍ من المشاعر المكنونة في داخلهِ. وهناك من يقرأ الشّعر بعقلِه وقلبه فيُزاوج بين ذاته وذاتِ الشّاعر، وقد يكون النقد موضوعيّاً بحتاً في بعض الأحيان. ومن حسن حظّي أنّ نقاد ديواني ينتمون إلى هذه الفئات الثّلاث، وهذا ما أثرى ديواني وساعدني لاكتشافهِ بطرقٍ جديدةٍ قد أختلفُ أو أتّفق معها.

    الشّاعر"حيان الحسن" تحدّث عن تجربة "محرز" بالقول: «هو شاعرٌ بوّاحٌ ومرهفُ الإحساس، وقد استطاع أن يرسم لنفسه درباً يعبق على جنباته الشّعر والحبّ، وهو مسكونٌ بالحنين والدّفء؛ حيث عبَرَ بمفرداته الأنيقة والرّشيقة ضفافَ الخوف واليأس، ودخل قلوب الكثيرين بجزالة شعره ومتانة قصائده. ويُضاف إلى هذا خلقه وطيب حديثه. أتمنّى له مستقبلاً ناصعاً ينبض بالشّعر والجمال».

    الشّاعر "بلال أحمد" قال عنه: «يحاول الشاعر في معظم نصوص ديوانه تعميم تجاربه الفرديّة وأحزانه لتصبح نموذجاً، حيث يُعالج مواضيعه الأساسيّة كالحبّ والرّثاء والحنين بجوّ من الرّومانسيّة، فظلّت صوره قريبة من أسلوب "خليل مطران"، و"جبران" بعيدةً عن الإغراق في تشكيلات المدرسة الحديثة».

    من ديوانه "ألحان النّدى والتّراب"، قصيدته "اللحن النازف" في رثاء والده:

    "رحل الصّباح وحلّ صبحٌ زائفُ

    والغصن مادَ ولا هزارٌ هاتفُ

    والحبّ ناح مودّعاً أسراره

    والماء ضاع وما تروّى الرّاشفُ

    والزّهر نادى وشوشاتِ أريجهِ

    يا راحلات أما لكنّ مواقفُ؟

    رحلتْ عن الوادي أغاريدُ الهوى

    واستوحشَ الأفنانَ عشٌّ آلِفُ

    كم سرّتِ العينَ القريحة عودةٌ

    وشفتْ عذابَ الانتظار طرائفُ

    كم غنّتِ الكلمات أهلاً يا أبي

    وتعانقتْ بعد الغياب عواطفُ

    يبستْ كرومٌ قد هجرتَ عناقها

    واخضلّ كرمٌ في ظلالك عاكفُ

    وتركتَ "عين شقاق" حرّى تشتكي

    وتصيح: وافقداه قلبي واجفُ

    هيهات أن تلقى خطاك مرابعٌ

    وترى محيّاك النّديّ مصايفُ".

    يُذكر أنّ الشّاعر "حسن محرز" من مواليد "عين شقاق" في ريف "جبلة"، 1967م، صدر له ديوان شعر "ألحان الندى والتراب"، 2007م.