سمعت قصتها الأولى تقرأ في إذاعة "لندن" بصوت الكاتبة "هادية سعيد" في برنامج أوراق أدبية فاختلجت طرباً واكتشفت بأن التأليف هو الشيء الذي طالما بحثت عنه وتستفيد من دراستها للهندسة في بناء الحبكة القصصية والروائية بسلاسة وانسيابية تجعلها واحدة من الروايات اللواتي حجزن صفاً متقدماً في الأدب العربي إنها الأديبة "ربى منصور"، وقد تحدثت إلى موقع eLatakia في هذا الحوار:

  • أثناء قراءة الرواية التي تكتبها الأديبة "ربى منصور" يُسقط القارئ أفكاراً وأخيلة تتعلق بالنص إلى أي مدى ترتبط هذه الأخيلة بشخصيتها الأدبية؟
  • ** ربما المخيلة والذاكرة جارتان، الأولى تجمع وتكدس ما ترى والثانية تراقب وتتأمل وتحاول أن تضيف شيئاً ما.

    معبر المشاعر

    كما هي حياة أي إنسان، حياتي ممتلئة بالتفاصيل الخاصة والعامة، من حسن الحظ أن مخيلتي لا تحب التقليد. دوماً تمنحني أثناء التأليف صوراً لا أتوقعها إنها مرتبطة بي إلى حد كبير ولكنها مستقلة عني كثيراً.

    أثناء الكتابة تهبني صورها وأفكارها ثم تنام فترة ربما لأنها تجنح دوماً إلى الغيب والماورائيات أحب هداياها وأعتني بها، إنها غريبة أحياناً بسرعة وحيوية تلقط تساؤلاتي عن الوجود والكون، وتحاول أن تسعفني بأجوبة غالباً ما تكون طريفة إلى حد ما.

    رواية حبة ماس

  • تستخدمين في رواياتك لغة سهلة وواضحة بعيداً عن البذخ اللغوي، الأمر الذي يجعلني أتساءل ماذا تعني لك اللغة أثناء عملك على الرواية؟ هل هي مجرد وسيط لنقل ما تريد إلى القارئ؟ ألا يغريك العمل على اللغة وإشادة عمارات لغوية؟
  • ** تذوق اللغة أمر نسبي تماماً، فما يراه قارئ واضحاً، قد لا يفهمه آخر، ليست المقاييس جاهزة، صارمة في الكتابة والقراءة، العمارات اللغوية خاضعة لأحكام النص والشخصيات. فقد يهدم الكاتب مقطعاً شعرياً- خطر على باله- ليعبر ببساطة عن شخصية ما. وقد يبني ملحقاً بالفصحى البالغة الجزالة ليصف مدينة زارتها الشخصية ذاتها. بناء الرواية يشبه ولا يشبه الأبراج الهندسية. في اللغة ثمة سر أسعى جاهدة لأتمكن منه وأتمنى لو أحصد من المؤلف المتعة والتشويق وجمال اللغة ووضوح الفكرة وقربها من القارئ. في النهاية اللغة جسر على قيد البناء والهدم ينشئه الكاتب وينقله من المخيلة إلى النص في رحلة شاقة لكنها ممتعة بالتأكيد.

    أقبية النار

  • إلى أي زمان ومكان تريد كاتبتنا أن تنتمي في عوالمها التي تنسجها سواء في المجموعة القصصية أو في الرواية؟
  • ** بعيداً عن الكتابة أنا أحب جداً مدينتي وأنتمي إلى طبيعتها الساحرة وفيما أؤلف أبقى ملتصقة بها وعالقة بالقضايا الوجودية قد تختلف قصصي بشخصاتها ومضامينها وانتماءاتها الزمنية والمكانية غير أنها تظل تدور وتحوم حول العلاقات الإنسانية المتشابكة، ومواقفها المتناقضة إزاء ثورة التكنولوجيا المفاجئة.

  • اليوم الزمان والمكان يختلف بطابعه ومعطياته عن الماضي، كيف تستطيعين الربط بين الزمنين؟
  • ** في الحقيقة لم أسأل نفسي يوماً هذا السؤال، في لحظة ما تأتيني فكرة فأتمسك بها. ثم أزرعها على الورق بالتدوين، ربما بالية مجهولة تتغذى من مشارب مختلفة فتكبر وتنمو، الأزمنة والأمكنة تصبح أدوات وصل بين حالة وحالة، زمننا الحالي يختلف كلياً عن الزمن الماضي، أحن كثيراً إلى تلك الأيام المشبعة بالبراءة والصدق والبساطة في التكنولوجيا ثمة شيء ما يجعلني لا أقترب منها إلا عند الحاجة وهو ذاته يسوقني إلى أن أكتب بتلك الطريقة الغامضة ولكن كيف أربط بين الزمنين لا أدري؟

  • المشهد الروائي السوري؟ كيف ترينه؟ وهل هو مشهد مبشر؟
  • ** الرواية السورية الناشطة، عالجت القضايا القومية والتاريخية والواقعية والسياسية والرومانسية، لسبب ما ابتعدت عن الجريمة والبوليسية، إنها حاضرة بمستويات مختلفة من الجودة والرداءة، من الكتاب من تترك روايته بعد صفحة، وهناك من تنغمس في مؤلفه إلى حد الشغف، الرواية السورية كما العالمية هي مرآة المجتمع، من الظلم أن نقول إن الرواية الغربية متقدمة عليها، فالظروف المحيطة بالأولى تسمح لها بالانتشار عالمياً.

    السؤال الأهم هنا برأيي هو: كيف نوصل الجيد منها إلى المؤسسات الثقافية الأخرى، ولا نخضعها لتحالفات تنهل من الزيف والتسطح وتروج لها كسلعة.

  • هل حققت المرأة الكاتبة معادلة الحرية المنشودة واستطاعت أن تتفوق على نفسها وتحقق ما كانت تصبو إليه؟ أولا ترين أن بعض الكاتبات قد جنحن نحو المبالغة في الجسد حيث اعتبرنه سلعة؟
  • ** الحرية مفهوم يشمل الرجل والمرأة، كلنا أحرار ومقيدون بشكل أو بآخر، بالتأكيد يمارس المجتمع الذكوري ضغوطاً أكبر على المرأة، يسمح للرجل بأمور يمنعها عنها، ومع ذلك حققت المرأة السورية الكثير من مجالات عدة، منها الكتابة وما زالت تسعى.

  • لكن بعض الكاتبات بالغن في الحديث عن الجسد على حساب القضايا الأخرى، وبعض الكتاب أيضاً فعلوا ذلك، ولكن لم يتناولهم أحد بسوء لماذا؟
  • ** لست مع الإباحية، أنا مع الحرية التي تشبع المرأة من الداخل لا الظاهر، إذ قد تخالف المرأة بعض القواعد معتقدة بأنها حرة بينما تكون حبيسة شعور سلبي يهينها وينتقص من كرامتها، هل حققت المرأة الكاتبة ما تريده؟ لا أعلم. لكل كاتبة تطلعاتها، فما أطلبه قد لا يثير اهتمام أخرى، قد تهتم كاتبة بتحصيل الشهرة، وقد تسعى كاتبة، عبر الكتابة للانتقام من شيء ما وربما تمسك ثالثة القلم عشقاً بالأدب واللغة، الحرية المنشودة متعلقة بالهدف، وبالثمن الذي يمكن أن ندفعه من اجل تحقيقه، يبقى احترام الذات والآخر الهدف الذي يستحق المحاولة.

  • ما تأثير تجربة الكاتب الشخصية الحياتية في تحديد خياراته وتجربته؟
  • ** الكتابة نوع من الهروب، أور ربما هي مواجهة المجتمع بطريقة مواربة، أحياناً ألجأ إلى القلم لأني غير راضية عن أمر ما، عن موقف كنت فيه عاجزة، عن شخص صادفته، ومنهم احترام الآخر جبناً، قد تجعلني هذه المواقف وغيرها أنسحب إلى الكتابة وما إن يتم ذلك حتى يأخذ الأمر بعداً آخر، يصبح إنجاز عمل يليق بالإبداع همي الأكبر، ذات يوم كنت أمشي على رصيف ممتلئ بسيارات مرصوفة عليه، بمشقة كابدت لأتقدم إلى الأمام، وهنا خطرت على بالي فكرة قصة، رجل سمين يحاول أن يمر بين سيارتين مرصوفتين فيعلق بينهما، وقد يتأخر عن البيت بانتظار السائقين الغائبين، فتظن زوجته بأنه يخونها مع امرأة أخرى ثم ينشأ بينهما شجار طريف بعض الشيء.

  • لا تزال الرواية العربية تعيش حالة من الضعضعة ما السبب في ذلك؟
  • ** الثقافة بشكل عام تعاني الضعضعة، فما بال الرواية، المتابع لإصداراتها يلاحظ أن انتشارها لا يخضع لمعايير جمالية بحتة، هناك سلطة متشابكة من الاعتبارات تنظم رواجها، أولها الأهواء الشخصية وليس آخرها، الاعتبارات الاجتماعية والسياسية، إن النزاهة أثناء التقييم أحياناً تغيب، حتى الرواية الغربية تفتقد الصدق أثناء الترويج، فقد تباع ملايين النسخ من رواية ما لأن جهة معينة تمول وتحاول تسويق أفكارها. الرواية "مدللة" في العالم، إنها أوفر حظاً في التسويق والإعلان، لدينا كتاب رواية مهمون، لكن الظروف المحيطة بهم تجعل أغلبهم بعيدين عن الحساسية المطلوبة أثناء الترويج، هذا في حال وجد الأخير، فهو يكون غائباً في معظم الأحيان.

  • ما رأيك بالمواضيع التي يتم التطرق لها في الكتابة بشكل عام وتحديداً الإباحية ولماذا نغيب مشاكلنا ونستورد مشاكل الآخرين؟
  • ** بدل أن يكون الجسد مسؤولية وراحة، ما زال يعتبر مشكلة تبحث عن حل، الإباحية شوهته، والقمع أجج رغباته وهيج أمراض النفس، ويستمر الجدل حوله في مجتمعنا العربي، وكيفية معالجة الأب له، بعض الكتاب وصفه في النص ضمن سياقه الطبيعي فأتى مقبولاً وبعضهم بالغ فيه مبتعداً عن غايته، فجاء صادقاً.

    يبقى الغرب المتطور عقدتنا، نغض النظر عن مشاكله، ونقلده وغالباً لنحل مشاكلنا وربما لان المجتمع يماري سلطته عبر النطاق وازدواجية التفكير مازلنا غارقين في التقليد: تقليد الغرب، وتقليد أنفسنا في مرحلة من التاريخ، ظرفنا الراهن بحاجة إلى إعادة نظر، بحاجة إلى خلخلة بعض المفاهيم وتثبيت ما يلائم مجتمعنا.

    غالباً تنقصنا الجرأة ونظرة الآخر تكبلنا، لا أحد يعيش من أجل تقدير ذاته، في كل تصرفاته يبحث عن تقدير ونظرة الآخرين، في هذه المعمعة ما زال الأدب تائهاً بين الإباحية والقضايا القومية والإنسانية والسياسية يتأرجح باحثاً عن مخرج.

  • هل ترى كاتبتنا أنها وفقت في ابتكار الشخصية المشتركة في روايتيها "حبة ماس" و"معبر المشاعر"؟ أولا تعتبرينها مغامرة لم يتعود القارئ العربي على وجودها في الأدب العربي؟
  • ** نعم قد تكون مغامرة نادرة في الأدب العربي، لكنها موجودة، حين بدأت في تأليف "معبر المشاعر" لم أفكر في هذا، كان في رأسي فكرة وجدت طريقها إلى "نغم ومريانا" دون أن أقصد ذلك. ربما لأن أحداث "حبة ماس" كانت طازجة، أكملت "نغم ومريانا" مسيرهما في معبر المشاعر، لا أدري، لقد كانت مغامرة، مغامرة ملكت جوارحي وأنا أبحث عن اللغة الجميلة والتشويق والفائدة، هل وفقت في ذلك؟ لا أعلم....

    الجدير بالذكر أن للكاتبة "ربى منصور" عدد من المجموعات القصصية نذكر منها أقبية النار وثلاث روايات هي معبر المشاعر وحبة ماس ومطاليب الفرح.