لم يكن مصوّراً دخيلاً على المهنة، بل كان فناناً شغوفاً بتوثيق اللّحظات، أرفقَ أحاسيسه مع كلّ صورةٍ يلتقطها، وأغنى معلوماتِه من مصادرَ متعدّدة ليتسلّح بثقافةٍ عاليةٍ جعلته مصوّراً محترفاً يُتابعه النّاس للاستمتاعِ بما ينقله إليهم.

مُدوّنةُ وطن "eSyria" تواصلت مع المصور الضوئي "جلال إبراهيم" بتاريخ 13 تمّوز 2020 ليحدّثنا عن بداياته وتطوّره، فقال: «بدأت التّصوير مستخدماً الكاميرا القديمة نوع "زينيت" الروسية، و"كوداك"، وفي حين كان ينفق زملائي مصروفهم على شراء الألعاب، كنت أنفق مصروفي على شراء الأفلام وتحميضها.

الإمكانيات المادية أساسية في إنتاج عمل مهم، فمجالات التصوير متعددة، وكل مجال يتطلب معدات معينة، وحتى ينجز العمل على أدقّ وأتمّ صورة، يجب التقيد بالمعدات، وكلما استقرت الإمكانات المادية ارتقى العمل إلى مرحلة الاحتراف والتميز

بدأت أصور المناظر الطبيعية، وأوثق لحظات شخصية، وبقيت أستخدم هذه الكاميرات حتّى دخولي الجامعة، بعدها التحقت بالجيش عام 2010 وبقيت حتّى 2018، في الخدمة العسكريّة استثمرت اختصاصي الجامعيّ (اللغة الإنكليزية)، وحرصت على تطوير موهبتي، فأغنيت معلوماتي من مواقع عالمية، وتواصلت مع مصورين عالميين محترفين، قدّموا لي مساعدات وشروحاً ونصائح أفادتني كثيراً، حتّى بدا التطوّر على الصور التي كنت ألتقطها بواسطة كاميرا الموبايل الّتي رافقتني في الحياة العسكرية؛ لصعوبة اصطحاب الكاميرا الاحترافية في جميع الأوقات.

بورتريه

لم أتوجه للتصوير الحربي، بل حرصت على إبراز الجمال المحيط بي، ومثال ذلك الصور التي ألتقطها لـ "وادي قنديل"، والتي تستخدم حتى اليوم في الإعلانات الترويجية للشاطئ، وتعود جمالية هذه الصور، إلى عشرتي الطويلة مع الشاطئ، فشهدته صيفاً شتاءً، صباح مساء، واستطعتُ أن أوثّق لحظاتٍ نادرةٍ لا تظهر في أيّ وقت، وكنت أستغل كل ما أراه من جديد، لأصوره وأحتفظ به».

وتابع عن المحطات الّتي مرّ بها، وتأثير الحرب عليه قائلاً: «طريقي لم يكن سهلاً، فلولا الأصدقاء ودعمهم ومساندتهم لي، لكنت قد تركت مهنة التّصوير، حيث ساعدوني في اقتناء كاميرا، وفتح استديو خاص بي، وهذه المحطات زادت من قوّتي.

جلسة تصوير أعراس

أمّا الحرب، فقد أثرت فيّ بكلّ تأكيد، لأنني لم أكن حراً، ولم أستطع اصطحاب الكاميرا إلى كلّ مكان كنت أتمنّى تصويره، فاقتصر تصويري على المكان الذي أكون فيه، ومدّة الإجازة الممنوحة لي».

وعن رأيه بالموهبة والكاميرا الاحترافية الحديثة، ودورهما في إنتاج صورة مميزة قال: «الموهبة والنظرة الخاصة أساس التصوير، فقد يجتمع عشرون مصوّراً في الزمان والمكان، ويصورون مشهداً واحداً وتتميّز صورة واحدة عن غيرها لمصوّر يمتلك كاميرا أقلّ حداثة من الآخرين، ولكن نظرته والزاوية المميزة التي اختارها جعلت صورته الأفضل والأجمل، ومع ذلك لا ننكر دور الكاميرا الحديثة التي تعطي المصور الموهوب مساحة أكبر لإبراز حرفيته، فيمكنني القول إن تضافُر الموهبة والنّظرة مع الكاميرا الاحترافية يُنتج صوراً احترافية عالمية».

طفلة بعدسته

وعن إسهام الإمكانيات المادية بنجاح العمل، قال: «الإمكانيات المادية أساسية في إنتاج عمل مهم، فمجالات التصوير متعددة، وكل مجال يتطلب معدات معينة، وحتى ينجز العمل على أدقّ وأتمّ صورة، يجب التقيد بالمعدات، وكلما استقرت الإمكانات المادية ارتقى العمل إلى مرحلة الاحتراف والتميز».

وفي حديثه عن دور مواقع التواصل الاجتماعي في تطوير التصوير الفوتوغرافي بصورة عامّة، وما قدّمته له بصورة خاصة، قال: «مواقع التّواصل الاجتماعي هي المنصة الوحيدة التي يعتمد عليها المصور في ظل غياب دعم المصورين؛ إذ لا تقام لهم معارض، فيلجؤون إلى تلك المواقع لعرض أعمالهم، هذه المواقع هي كلّ شيء، ومع ذلك لم تقدم إلى الآن ما يتوجّب عليها؛ لأنّها تواكب كلّ جديد، وتنساق وراء الموضوعات الّتي تحقّق متابعة عالية، بغضّ النّظر عن قيمتها أو جماليتها، لذلك المصوّر الناجح والموهوب الذي لا ينساق مع السّوق، والذي يخرج عن المألوف لا يحقّق شهرة عبر منصات التواصل الاجتماعي».

وعن مفهومه للعدسة واللقطة، وأهم الأعمال التي قام بها أخبرنا: «المصور الذي يدخل مجال التصوير عن حب وشغف كبيرين، لم يحظَ بعين عادية، فقد رُزق بعين قويّة، تستشفّ الجمال وتستطيع اكتشافه مهما صعب على الآخرين تمييزه، فالمصور لا يمكن أن يكون في مكان من دون أن يدرس مكامن الجمال فيه مع الظل والضوء، وبرأيي عين المصور قادرة على تنبّؤ نتيجة التّصوير.

أهمّ أعمالي هي التقاط صور ترويجية سياحية للمناطق التي ذهبت إليها؛ مثل "وادي قنديل"، "كسب"، و"صلنفة"، وغيرها، بالإضافة إلى تصويري لبعض المشاهير والفنانين منهم "هيا مرعشلي"، "نيرمين شوقي"، "يزن خليل"، "طارق عبدو" وغيرهم كثر. وأعدّ نفسي مساهماً في تغيير وجهات بعض المصورين، وتشجيعهم على الخروج عن المألوف، وعدم الإبقاء على نوع معيّن، وأسلوب محدّد، ».

الفنان التشكيلي "خضر طرّاف" قال عنه: «"جلال" شاب طموح، لديه شغف بما يقوم به، يهتم باختيار الزاوية المناسبة للصورة، وأنا شخصياً أحب التعامل معه في معظم أعمالي الفنية؛ لأنّني أشعر بأنه يعطي للصورة طابعاً خاصاً، ويتركها واقعية عفوية مع إضافة العديد من الميزات حتى تصبح لوحة فنية مميزة».

المصوّر "هيثم الخطيب، قال عنه: «"جلال" عين صافية وثاقبة ونظرة حرة، جعلته يحجز مكاناً دائماً ومميزاً في عالم مزدحم بفوضى المتشابهين، فضلاً عن معرفته بكيفية استثمار تجارب التصوير الضوئي في العالم، بواقعيّة وذكاء، فيضيف إليها لمسته، لتغدو أعماله خليطاً من النّمط العالمي والمحليّ، أحترم قدرته على تقبل النقد والمرونة في التغيير، وباختصار، أرى فيه طائراً حراً يطير بجناحي الموهبة الفطرية والتعلم الأكاديمي، فهو طاقة جميلة في بلاد تهرب منها الطاقات».

يذكر أنّ "جلال إبراهيم" من مواليد مدينة "بانياس عام 1987، ويقيم في "اللاذقية" بغرض العمل.