نشأ مفهوم التطوع منذ زمن قديم استجابة لحاجات المجتمع المتكاثرة، حيث لا تستطيع الدولة -أي دولة في العالم- تغطية كل قطاعات العمل في المجتمع، ومن جهة ثانية لإفساح المجال أمام أفكار جديدة مبدعة قد لا تكون في الحسبان.

في جامعاتنا السورية بقي مفهوم التطوع محصوراً في قطاعات ضيقة نتيجة أسباب كثيرة؛ منها نوعية النظام التعليمي نفسه الذي ما زال تقليدياً في علاقاته بالمجتمع، حتى حدثت الأزمة الراهنة وبات لزاماً تضافر جميع الجهود من أجل حماية وإغاثة المجتمع في كثير من القضايا التي ظهرت بشكل مستجد.

من الطبيعي في وقت الأزمات أن تقوم الشريحة الشبابية بمختلف الأعمال التطوعية التي تساعد فيها المجتمع في قطاعات متعددة، الأزمة الراهنة تركت ظلالها على الحياة في البلد، وتقديم المساعدة للناس هو أمر يمكننا فعله، فلماذا لا نفعل؟ ثقافة التطوع جديدة نوعاً ما على المجتمع لذلك تجد كثيراً من الاعتراضات عليها وكثيراً من الكلام عليها بالسوء، لم نعتدها إلا بعدما أصبحت مؤسسات الدولة بحاجة إلى دعم الناس في تأمين حاجات المجتمع؛ كما هو الحال في قضية المهجرين والجرحى والشهداء، وغير ذلك. حقيقة أدت هذه التجمعات دوراً مشرفاً في السنوات الخمس الماضية

ظهرت أثناء الأزمة العديد من التجمعات الشبابية التطوعية، ولكل منها اختصاصه وقطاع عمله الذي يعمل به، يتحدث لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 2 شباط 2016، الشاب "طارق سليم" من مجموعة تطوعية جامعية (ساعد) ومشارك دائم في حملات إغاثية: «من الطبيعي في وقت الأزمات أن تقوم الشريحة الشبابية بمختلف الأعمال التطوعية التي تساعد فيها المجتمع في قطاعات متعددة، الأزمة الراهنة تركت ظلالها على الحياة في البلد، وتقديم المساعدة للناس هو أمر يمكننا فعله، فلماذا لا نفعل؟ ثقافة التطوع جديدة نوعاً ما على المجتمع لذلك تجد كثيراً من الاعتراضات عليها وكثيراً من الكلام عليها بالسوء، لم نعتدها إلا بعدما أصبحت مؤسسات الدولة بحاجة إلى دعم الناس في تأمين حاجات المجتمع؛ كما هو الحال في قضية المهجرين والجرحى والشهداء، وغير ذلك. حقيقة أدت هذه التجمعات دوراً مشرفاً في السنوات الخمس الماضية».

المتطوع طارق سليم

شملت التجمعات الشبابية كل الجامعات السورية جاهدة لتأمين ما يمكنها من مساعدة للمجتمع، وأطلقت حملات إغاثية استباقية، أو حملات تعليمية لأطفال تسربوا من المدارس، فأقامت مدارس متنقلة مثلاً، تقول "لينا ميهوب" وهي جامعية متطوعة تعمل مع بطرياركية الروم الأرثوذوكس: «أقمنا مدرسة مسائية لأطفال ونساء المدينة الرياضية (في اللاذقية) المهجرين من محافظات مختلفة، ركزت على تعليم الأطفال الخبرات الأساسية في التعليم المدرسي، والنساء مهارات حياتية ضمن الظرف المعاش في المدينة، النتائج التي حصلنا عليها مشجعة، فتم إبقاء المدرسة لتكون ليس فقط في الصيف، بل لتتطور باتجاه إقامة نشاطات مختلفة من مسرح وقراءة وألعاب، وغير ذلك.

هذه الثقافة جديدة ربما على جزء من المجتمع السوري، قليلون من يخطر ببالهم أن هناك من يقضي وقته مجاناً من أجل خدمة المجتمع، في حين أن خدمة المجتمع جزء أساسي من التربية الحديثة، تهدف ليس فقط إلى تحقيق خدمة معينة، بقدر ما تهدف إلى ربط الفرد بمشكلات مجتمعه وعيش تلك المشكلات والبحث عن حل لها، الأمر الذي يخلق فوائد كثيرة؛ منها للمجتمع ومنها للفرد، ومنها لعلاقة الأفراد ببيئتهم ومجتمعهم ووطنهم، هنا يتجسد مفهوم المواطنة بصراحة ووضوح، بين الحق والواجب يكون هنا توازن جميل يفضي إلى إنسان جديد، نموذج يجب تعميمه في قادم الأيام في بلدنا ضمن النظام التعليمي».

من جولة جامعية للتنظيف

شمل قطاع التطوع كليات كثيرة أجمعت كلها على ضرورة تعزيز هذه الثقافة ودعمها إنسانياً وفكرياً من المراحل التعليمية الأولى، نحن كما قال الشاب "مظفر سليمان" من كلية الهندسة "بحاجة إلى كل ما يساعد في تعزيز هذه الثقافة وفهمها الفهم الصحيح، التطوع ليس عشوائياً وعمله أيضاً ليس كذلك، التجمعات الشبابية وقعت في أخطاء نتيجة عدم الخبرة؛ وهذا طبيعي، لكن في حال توفير قنوات تدريبية عبر المؤسسات الخاصة والحكومية والدولية يمكننا الوصول إلى نتائج أفضل، كل التجمعات تحتاج مثلاً إلى تعلم الإحصاء، والفرز، وتحديد مدخلات العمل ومخرجاته، وتحتاج إلى تدقيق في الصرفيات الخاصة بها سواء أكان تمويلها ذاتياً أم حكومياً، أم غير ذلك من التبرعات المجتمعية مثلاً، وتوفير مثل هذه الخبرات ولو إلكترونياً عبر الشبكة يساعد في تقديم صورة أفضل ونتائج عمل أقوى مؤثرة في المجتمع تأثيراً حقيقياً ومنجزاً».

يرى عدد من الباحثين والمفكرين أن ثقافة التطوع السورية قد حققت نتائج جيدة ليس عبر ربط الجامعات مع المجتمع فقط، بل عبر التأسيس لثقافة جديدة بين العلم والعمل، تقول الدكتورة "ميساء علي" رئيسة اللجنة المركزية للمرأة العاملة في جامعة تشرين: «دخلت الحرب السورية كيان كل فرد منا إما بألم فقدان الأحبة، أو حاجة إلى بيت أصبح ذكرى، ولما كان الشباب الشريحة الأكثر استهدافاً وتأثراً؛ تراوحت ردود أفعالهم بين مهاجر انطلق يبحث عن مستقبل مجهول، وباقٍ متمسك بأرضه على الرغم من كل الضغوط، وكان من المستحيل أن يقف السوري مكتوف اليدين أمام حجم الدمار الذي أصاب البشر قبل الشجر والحجر، ومن هنا انطلقت المبادرات التطوعية كمحاولة شجاعة لتغيير واقع ما، وانتشرت بكثرة في الجامعات خصوصاً لما يعرف عن الشباب السوري من ثقافة ووعي وتنظيم، فكانت مبادرات العناية بالجرحى والتبرع بالدم والتشجير والترفيه عن الأطفال في مراكز الإيواء، وإعادة الترميم، وزيارة الشهداء وذويهم، وتبرعوا بما يستطيعون الاستغناء عنه في هذه الظروف الصعبة ليقدموه لأبنائنا على الخطوط الأمامية».

جولة تشجير جامعية