مع انطلاق ماراتون القراءة للأطفال في تجربته الأولى بحضور كبير، بدا أن علاقة نوعية بنتها بنجاح المكتبة العمومية للأطفال في "اللاذقية" مع التعليم لشرائح عمرية مختلفة؛ بما في ذلك شريحة تغيب عادة عن الاهتمام هي شريحة الأهل.

المكتبة العمومية هي واحدة من المكتبات النوعية قليلة الانتشار في "سورية"، تقوم بتقديم خدمات أغلبها مجاني، أو برسوم بسيطة، وعبر طيف واسع من الأفكار التفاعلية الجديدة استطاعت أن ترسم لنفسها خطاً فكرياً وتربوياً مختلفاً ولمن لم يزرها بعد عليه أن يفعل ويتأكد من أن هذا الكلام قليل على ما تقدمه.

هذه النشاطات تتيح تغييراً في طرائق تفكير الأهل وفي علاقتهم مع الأطفال سواء تعلق الأمر بالتعليم أم بالتربية ومنهاج الحياة والتفاعل بين الطرفين، إضافة إلى تغيير الصورة التقليدية التي تجعل من الأهل مجرد مراقبين لأطفالهم

بدأت الفكرة كما تقول الفنانة التشكيلية "عدوية ديوب" (المديرة التنفيذية للمكتبة) عام 2007 منطلقة من ضرورة إحداث تغيير في العلاقة التقليدية التي تربط الأطفال بالمكتبات وبالتالي بالتعليم، تقول الفنانة "عدوية" في حديث لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 12 كانون الأول 2015: «تغيرت العلاقة بين الطفل والتعليم لأسباب كثيرة أولها الوعاء الإلكتروني الذي أصبح في منزل كل أسرة على الأغلب، وبفعل أصحاب الخبرة والاختصاص الذين يعملون يومياً لتحويل حالة التعليم إلى حالة تفاعلية بعيداً عن التلقين، ولا ننسى عوامل الزمن ومتطلبات العصر التي تفرض مواكبة كل جديد في عالم ينحو للتنافس في كل شيء وبسرعة».

الفنانة عدوية ديوب

وفي علاقتها بالتعليم فقد كانت الفكرة ابتكار أنماط جديدة من التعليم التفاعلي معتمدة طيفاً واسعاً من التقنيات الحديثة المستندة إلى تجارب عالمية حديثة في التعليم، تضيف الفنانة "عدوية": «يؤمن برنامج المكتبة توجهاً إلى كل أفراد الأسرة، ونخص الشريحة المستهدفة ببرامج لها وظائف محددة وفوائد محددة آنية أو بعيدة، إضافة إلى مجمل المهارات والخبرات المرجوة من كل نشاط موجهة إلى شريحة عمرية محددة.

معايير التعليم بوجه أساسي تلبية حاجات الشرائح العمرية المختلفة، والاعتماد على النشاط التفاعلي ويرافق النشاط على الأغلب قصص وأنشطة تعتمد مختلف الخبرات الحسية واللمسية والسمعية والبصرية باعتبار الحواس هي بوابة الإنسان على العالم، ومراجعة الأفكار، والمنافسة في طرح الجديد، واختيار الأفضل منها».

المتطوعة سارة سلوم

هنالك طيف واسع يشمل الأهل أيضاً في رحلتهم مع الأطفال، الأمر الذي يشجع الأهل على مرافقة الطفل للمكتبة، فهناك نشاطات موجهة لهم كما تقول المتطوعة "منال عمران"، وتتابع: «هذه النشاطات تتيح تغييراً في طرائق تفكير الأهل وفي علاقتهم مع الأطفال سواء تعلق الأمر بالتعليم أم بالتربية ومنهاج الحياة والتفاعل بين الطرفين، إضافة إلى تغيير الصورة التقليدية التي تجعل من الأهل مجرد مراقبين لأطفالهم».

كان المطلوب وما يزال إعادة بناء طرائق التفكير قبل البدء بالتفكير في بناء أي أمر آخر، تقول المتطوعة "سارة سلوم" سنة أولى هندسة زراعة في جامعة "تشرين": «المكتبة تتبنى مشروع ثقافة الطفل السوري الذي يعد اللبنة الأساسية للمستقبل؛ حيث إن مرحلة إعادة الإعمار تقوم بوجه أساسي على بناء تفكير الطفل قبل التفكير بإعادة بناء أي شيء آخر إذ إن علينا أن نسير نحو المستقبل بدلاً من أن ننتظره، ونصنع المستقبل بدلاً من أن نحلم به، وفي المكتبة نرى أن ثقافة الطفل تتكوّن بوجه أساسي بالقراءة التي تعد حقاً للجميع، أما عن الأسلوب في العمل فيعتمد التشاركية والعمل المنظم وما يتم تنفيذه من أنشطة تفاعلية والترغيب بالكتاب والقراءة وتعلم مهارات حياة أخرى أيضاً، وفي النهاية نحن نسعى جميعاً ليكون وطننا بصمتنا في الصفحة البيضاء».

الأم وابنتها

مقارنة مع تجارب عربية أخرى في "مصر" و"الأردن" و"لبنان"، فإن تجارب المكتبة لا تقل خبرة وكفاءة من حيث الهيكلية المنهجية لكافة الأنشطة في المكتبة؛ ولا سيما الورقية وكيفية الاستفادة منها إلى أبعد مستوى من حيث التقنيات والمهارات التفاعلية التي تقدم من خلالها الكتب والمعلومات؛ نادي العلوم، مدينة الحروف، نشاطات لغوية، وغيرها، إضافة إلى تشجيع دائم شبه مجاني لكثير من الورشات التي تقام يومياً على مدار الأسبوع وبما يتناسب مع العام الدراسي أيضاً.