انطلقوا من فكرة الحاجة إلى تطبيق العلم النظري على أرض الواقع، وإلغاء مفهوم الدراسة من أجل النجاح فقط، فوضعوا المناهج على حدة، وفتحوا المجال أمام إبداع الطالب وفكره التحليلي.

دائماً ما يطرح تساؤل قديم جديد؛ لماذا نعجز عن استخدام المعلومات النظرية في جامعاتنا، وخاصة في كليات الهندسة، لتحويلها إلى حقائق نابضة على أرض الواقع؟ هذه المشكلة القديمة الجديدة كانت محط اهتمام مجموعة من طلاب كلية الهندسة في جامعة "تشرين" وحولوها إلى تجربة رائدة في العمل الجماعي أيضاً بعنوان: "ورشات همكية".

إنها تجربة تستحق الانتباه؛ نظراً لما قدمته وتقدمه من تفاعل حقيقي مع المادة العملية، وتسمح بمزيد من التطوير للعمل العلمي في الجامعة والكلية على وجه الخصوص

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 15 أيار 2015، "مصعب حسن جبارة" مؤسس مبادرة "ورشات همكية" في كلية الهندسة الميكانيكية والكهربائية، ويقول: «انطلقنا من ملاحظة بعض نقاط الضعف في النظام التعليمي الجامعي الذي يعد تعليماً أكاديمياً بعيداً عن الخوض بالتفاصيل العملية الضرورية للطالب الجامعي، فمثلاً في الكليات الهندسية وبعد مقارنتنا لكثير من المناهج الأوروبية والأميركية والآسيوية، تبين لدينا أن المعلومات النظرية مطابقة تماماً لكثير من المناهج في الجامعات المتقدمة، ومع ذلك فإن الطالب المهندس يعجز عن استخدام هذه المعلومات النظرية التي تميزه عن نظرائه من الفنيين لتصميم النظم الهندسية بطريقة عملية.

مصعب جبارة

يعود السبب في هذا العجز إلى خلو المحاضرات من المحتوى المرئي، واقتصار أغلب المقررات على الاهتمام بالجانب الرياضي على حساب الجانب الفيزيائي وعدم الربط بينها، أيضاً تركيز المدرسين على دراسة مواضيع مدروسة مسبقاً من دون الخوض في طريقة تصميمها، والسبب الأكبر في هذه المشكلة هو التركيز على الامتحان والنجاح من دون الاهتمام بالهدف الأساسي من العملية التدريسية وهو العلم بحد ذاته».

هذه المعضلة دفعت ببعض الطلاب الذين اهتموا بالعلم والتميز والابتعاد عن المفهوم التقليدي للدراسة الجامعية إلى العمل المجهد على البحث عن المعلومة بذاتهم، والعمل على بعض البرمجيات المتقدمة التي تعد أدوات قوية لتنمية الفكر التحليلي والإبداعي للطالب، هؤلاء الطلاب هم أساس متطوعي مبادرة "ورشات همكية".

خلال إحدى الورشات

تم التأسيس كما يقول الطالب "نوار مقصود" كمبادرة علمية تطوعية على نطاق كلية "الهندسة الميكانيكية والكهربائية" لتوحيد أعمال هؤلاء الطلاب، ونشر ما توصلوا إليه من خبرات إلى زملائهم، والسعي إلى رفع المستوى العلمي لكليتهم، وتم بعدها تكوين فريق "ورشات همكية" التطوعي وتحديد أهدافه ونشاطاته، ويتابع: «نسعى إلى سد الثغرات التعليمية من خلال خلق نظام تعليمي مجاني رديف للتعليم الجامعي، ورفع مستوى الفكر التحليلي والإبداعي لدى الطلاب، وإقامة فعاليات ونشاطات تجذب الطلاب للاهتمام بالتعلم والمعرفة وصرف نظرهم عن فكرة الشهادة والتخرج، وتنمية الروح التطوعية لديهم، إضافة إلى زيادة خبراتهم وتهيئتهم للتخرج كأشخاص قادرين على بناء المجتمع ورفع مستوياته».

ويضيف: «من أهم الفعاليات التي أقامتها المباردة ورشات عامة تعد أساساً للورشات الاختصاصية، والأخيرة متعلقة بمادة محددة وتستهدف شريحة ضيقة من الطلاب من اختصاص وسنة محددة، وتهدف إلى ربط العلاقة المتبادلة بين الجانب النظري والعملي؛ من خلال تقديم معلومات عن برنامج اختصاصي محدد، أو قيام تجارب محددة والمحاكاة للنظم الهندسية المختلفة التي لا يمكن تطبيقها بسهولة وعرض بعض الصور المتحركة أو الفيديوهات الموضحة لأفكار هندسية معينة، هذه الورشات تكون بالتعاون مع مدرِّس المقرر وليست عبارة عن دورة تقوية أو إعادة شرح أفكار موجودة في المنهاج».

ورشة أخرى

يضم فريق الورشات فريقاً إدارياً وآخر تنظيمياً يتعاونان مع مختلف الفرق والأساتذة والطلاب في الجامعة لتحقيق الأهداف السابقة، إضافة إلى وجود فريق من ممثلي الدفعات مرتبطين بعلاقة وثيقة مع ممثلي الأقسام وهدفهم الأساسي الوصول إلى شريحة أكبر من الطلاب ونقل متطلباتهم إلى الفريق، كما يعمل مع الفريق مجموعة من اللجان المساعدة، ومستقبلاً يهدف فريق الورشات إلى إنشاء فرق تطوعية عديدة في جميع الكليات في جامعة "تشرين" وربط بعضها ببعض، إضافة إلى البحث عن سبل التعاون مع كافة الجامعات السورية الأخرى، والتعاون مع الجهات المختلفة الخاصة والعامة في سبيل تطوير المبادرة.

عن التجربة يقول الدكتور "هادي معلا" (المدرس في قسم السباكة): «إنها تجربة تستحق الانتباه؛ نظراً لما قدمته وتقدمه من تفاعل حقيقي مع المادة العملية، وتسمح بمزيد من التطوير للعمل العلمي في الجامعة والكلية على وجه الخصوص».

يذكر أنه تم في الفصل الأول من العام الدراسي 2014-2015 الجزء الأول من "ورشات همكية"، واقتصر على ثلاث ورشات، وفي الفصل الثاني أقيم الجزء الثاني من المبادرة وتضمن أكثر من عشر ورشات، واستقبلت أعداداً كبيرة من الطلاب وصلت إلى أكثر من 650 طالباً باختصاصات وسنوات دراسية مختلفة.