الشباب هم الفئة العمرية الأكثر حساسية والتقاطاً لما يجري من حولهم من أحداث وتغيرات، وهم بالتالي الفئة الأكثر احتياجاً إلى الاهتمام وتزويدهم بالطاقة الإيجابية المنتجة عبر طرائق نبينها في التالي من المقالة.

كثيرة هي القضايا المعاصرة التي تسبب الاكتئاب والعطالة النفسية والاجتماعية والاقتصادية أيضاً، لعل أكثرها شيوعاً اليوم في "سورية" تأثير الحرب الدائرة في البلد؛ التي تلقي بظلالها على كل مفاصل الحياة من أزمات معاشية إلى أزمات وجودية تركت حضورها القاسي على أجيال من الشباب السوري.

من هنا علينا تسليط الضوء على هذه النقطة لدى الجميع للاستفادة منها، وتوضيح تأثير اللغة الإيجابية في حياتهم وحياة الآخرين أيضاً وتعليمهم الاستفادة من طاقة الكلمة، الكلمات الإيجابية المحفزة تعطي طاقة قوية لنا وللآخرين؛ لذا فتوجيه لغتنا بالاتجاه الإيجابي يساعد في منحنا طاقة إيجابية رائعة، وكذلك توضيح أهمية دورهم في بناء الوطن، مع التأكيد على الأثر الإيجابي الفعال للعمل الفردي المتقن والمخلص

من المهم جداً وجود قوة داخلية قادرة على الوقوف في وجه محاولات الإسقاط في عدمية الحياة والعجز عن المساهمة في بناء الحياة والمجتمع، تقول الدكتورة "سوسن الحكيم" اختصاصية الطاقة" في حديث مع مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 17 كانون الأول 2014: «ربما كانت فئة الشباب من أكثر الفئات تضرراً وفي أكثر من صعيد، وهو ما أدى إلى الشعور بالتشتت والضياع من جهة، والى الإحساس بالعجز وقلة الحيلة من جهة أخرى، هل يمكننا إعادة شحن طاقة هؤلاء الشباب بما يناسب ظرفنا الراهن؟ لا جرم يمكننا، ولكن مع التركيز على أن العمل هذا مسؤولية كل من الأسرة والمدرسة والدولة بكل مؤسساتها التربوية والعلمية والتعليمية والخدمية، وبتكاتف الجميع يمكننا تحقيق ما نريد، فعلينا قبل أي شيء، تأمين الحد الأدنى -على الأقل- من الحاجات الضرورية لهم على كل المستويات المادية والمعنوية، ومساعدتهم على التعرف إلى ذواتهم وقبولها وتقديرها، والأهم مساعدتهم على وضع أهداف تناسب شغفهم وإمكاناتهم وتشعرهم بتحقيق الذات وتوجيههم نحو تطوير ذواتهم باستمرار باتجاه ما يريدون».

د.مصطفى دليلة

إن شرح أهمية التفكير الإيجابي في حياتهم وحياة الآخرين، يساعد في تقديم صورة حقيقية لمعنى الحياة، فللأفكار الإيجابية قدرة لافتة على بث الطاقة الإيجابية في الإنسان، تقول الدكتورة "حكيم": «من هنا علينا تسليط الضوء على هذه النقطة لدى الجميع للاستفادة منها، وتوضيح تأثير اللغة الإيجابية في حياتهم وحياة الآخرين أيضاً وتعليمهم الاستفادة من طاقة الكلمة، الكلمات الإيجابية المحفزة تعطي طاقة قوية لنا وللآخرين؛ لذا فتوجيه لغتنا بالاتجاه الإيجابي يساعد في منحنا طاقة إيجابية رائعة، وكذلك توضيح أهمية دورهم في بناء الوطن، مع التأكيد على الأثر الإيجابي الفعال للعمل الفردي المتقن والمخلص».

هل هناك ممارسات عملية في هذا الشأن؟ كيف يمكننا أن نزرع الطاقة الإيجابية في النفوس بشكل إيجابي؟ يجيب عن هذا السؤال الدكتور "مصطفى دليلة" مؤلف كتاب "قوة العقل الباطن"، وهو ممن اشتغلوا في هذا الإطار كثيراً وله محاضرات علمية في التدريب على القبول والإنتاج النفسي الصحيح، قائلاً: «لو فكرنا ملياً في موضوع أزمتنا وصراعنا الدامي، وكيفية خلاصنا مما نحن به لأدركنا أن السبيل الرئيس لذلك -بالتوافق مع وسائل أخرى- هو أن ننزع الأفكار السلبية والكابحة والهدامة المسيطرة على تفكيرنا وعقولنا، وأن نعيد صياغة ما هو سلبي في تاريخنا، ونبرمج أنفسنا على نمط فكري قائده المحبة والتسامح؛ أعظم الطاقات البناءة في هذا الكون، التي نحن بأمس الحاجة لها في هذه الظروف العصيبة التي نمر بها جميعاً.. فبعد أي عملية هدم نحتاج لإعادة بناء، وإذا لم يكن البناء مرتكزاً على قواعد متينة وسليمة سينهار هذا البناء مهما كان شامخاً، ومهما امتد به الزمن».

د.سوسن حكيم في محاضرة لها

من الطرائق المهمة كما يقول "د. دليلة": «تنمية الأفراد وزيادة ثرواتهم (الثروة الفكرية والمادية متلازمتان)، لأن الفرد هو الخلية الأساس في الوطن، وتطوير موهبة التفكير والتخيل والحلم لدى الفرد والجماعة، لا قتلها وكبحها، وتقبل الآخر بكل ما يحمله من أفكار جديدة بناءة، والإيمان بأن الثروة الفكرية هي أعظم ثروات الأفراد والأمم، وهي الثروة الحقيقية لأي أمة، وهذا ما يجب التركيز عليه في "سورية" المستقبل. أي التركيز على العقول المنتجة للمادة وليس على المادة الجاهزة المستورَدة والمخمِدة والقاتلة للعقل».

ولا يقتصر الأمر على مجرد البناء الداخلي الذي لا شك سينتقل تأثيره إلى خارجنا، بل يتعداه إلى العلاقة الإيجابية مع الظواهر الحاصلة في المجتمع والانغماس وفق برنامج ذاتي أو عام في هذه الظواهر بغية تغيير الممكن فيها والمساعدة في نقل الصورة الفاعلة والإيجابية إلى هؤلاء الناس، يقول السيد "مجد علي" وهو ممن حضروا إحدى دورات التغيير النفسي هذه: «الأمر بسيط، يمكنك أن تنظر إلى ما يجري حولك وأنت تندب وتشتم وتولول، ويمكنك أن تتوقف عن الردح وتنزل إلى أقرب مركز إيواء أو خدمة اجتماعية ولا شك ستجد لديك عملاً ما تقدمه لمن يحتاجه فعلاً، قد يكون طفلاً بحاجة للحديث معه، أو ربما إذا حملت له علبة ألوان ثمنها بضع ليرات ستفرحه، العطاء أحد أشكال معالجة الاكتئاب والتردي في هوة العدم، رغم كل الظروف القاسية التي مررنا بها كسوريين إلا أن التجربة أثبتت للجميع أن لا أحد قلبه على السوري إلا السوري، من هنا فإن أي عمل أو فكرة أو كلمة أو ابتسامة تمثل لدى السوري الجار والأخ والرفيق أمراً عظيماً».

إرادة الحياة خالدة

تقول أدبيات علم النفس إن العقل والنفس معاً مقفولان بمفاتيح الذات، ولا يمكن لأحد أن يفتحها سواك أنت، بهذا فالتغيير يبدأ دائماً من الداخل نحو الخارج، ولكنه أبداً يجب أن يبدأ من الرغبة في أن تكون الحياة مفردة ومميزة، فهي لا توهب لنا أكثر من مرة واحدة علينا أن نستغلها لتكون لنا بصمتنا في سجل الزمن والتاريخ.