دخلت كلمة "الواتس أب" معجم العربية دون استئذان من سدنتها، وصار لها تصريف لغوي، فعلٌ، واسم فاعل، وهذه الكلمة هي اليوم من أشهر الكلمات تداولاً بين الناس، وبين الشباب خصوصاً...

"الواتساب WhatsApp" هو تطبيق محادثة، صغير الحجم، متعدد المنصات، يمكن ترجمة اسمه إلى (ماذا يحدث بعد؟)، كتبت برمجيته في العام 2009، كوسيلة اتصال اجتماعية، تقوم على التراسل الفوري بين الأفراد في مختلف أنحاء العالم، انتشر انتشاراً واسعاً، بين مختلف الأعمار، وحتى كبار السن منهم، خاصةً بعد ظهور الهواتف الذكية، وزاد الاعتماد عليه بنسبة كبيرة لأغراض متعددة، منها التواصل وتبادل المعلومات، الصور ومقاطع الفيديو وغيرها، واليوم مع شراء شركة "فيسبوك" له، أصبح عدد مستخدميه حول العالم 320 مليوناً من المشتركين.

يومياً هناك تفقد صباحي للوارد، أحرص على الرد على كل الرسائل التي تردني من أصدقاء وغير أصدقاء، عدا أن "الواتس" قدم للغالبية فرصة للتعبير، وإبداء رأيهم بشكل أفضل من الحوارات المباشرة مع الأفراد أو المجتمعات

على هذه الحال، تقضي "فرح عثمان"، الطالبة في كلية المعلوماتية السنة الثالثة في جامعة "تشرين"، أكثر من ست ساعات يومياً على "الواتس"، وهي الكلمة الأشهر استخداماً، وتقول في حديث مع مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 12 آذار 2014: «أهلي يقيمون خارج الوطن، وإذا كنت سأتواصل معهم بالطرائق التقليدية، الأرضية، أو الخلوية، فالتكلفة لن أتحملها بأي شكل، بينما على "الواتس" تكون تكلفة الست ساعات هي تكلفة ساعة إنترنت في أي مقهى، عدا إمكانية إرسال واستقبال الصور ومقاطع الفيديو، مما يضفي الحياة الحقيقية على اتصالي بهم، وهذا جانبٌ مهمٌ جداً في استخدام البرنامج».

الطالب سراج حسون

ويؤكد هذا الكلام "أحمد باهرلي" الطالب في كلية "الجيولوجيا" في جامعة "تشرين"، ويضيف: «يعتمد "الواتس" على استخدام شبكة الإنترنت على الهاتف المحمول، سواء في الجيل الثاني أم الثالث، ولا يتطلب استخدامه أية رسوم أو تكاليف إضافية، ويحقق أهم عامل للشباب، وهو الخصوصية والسريَّة، فقط يمكنك الجلوس في أي مكان، وبدء محادثاتك دون اهتمام بما يجري حولك، ولن يتطفل عليك أحد، ويمكنك تشغيل البرنامج طوال اليوم، لتبقى على تواصل مع من تريد».

وبقدر ما يحقق البرنامج الخصوصية والسرية، بقدر ما يقلل من التواصل الحقيقي مع الآخرين، إلى درجة أنه حتى بالنسبة لمن يعيشون تحت سقف واحد، أصبح التواصل مقتصراً بينهم على كلمات قليلة، وهذه من السلبيات الكبيرة التي تسبب بها استخدام هذه التكنولوجيا، يقول "سراج حسون"، طالب في كلية الهندسة المدنية: «تشعر أحياناً بأنك في عالم وحدك، تمضي ساعات دون أن تتبادل كلمة مع أخيك، أو مع صديقك في نفس الغرفة، وفي المقابل توطدت علاقتي مع أشخاص بعيدين عني مكانياً، مضت فترات طويلة بيننا دون أي تواصل، كمعارفي السابقين، صحيح أن الجغرافية المكانية بيننا اختفت، لكنها زادت بين من يعيشون بجوار بعضهم بعضاً، ترانا أحياناً نضحك وحدنا، ولا يستغرب الناس ذلك، فهم يعرفون أننا غارقون في عالم "الواتس"».

الطالب نضار جرار

لـ"الواتس" مفاعيل كثيرة فيما يتعلق بإنشاء علاقات جديدة بين الشباب، فمنهم من وجد في "الكتابة" راحة نفسية له من مواجهة عيون الطرف المقابل، لذلك تكثر قصص "العشق الواتسية"، وأصبحت ثقافة تفقد "الرسائل الواردة" هاجساً يومياً لدى غالبية "الموَّتسين"، يقول "أحمد باهرلي"، ضاحكاً: «يومياً هناك تفقد صباحي للوارد، أحرص على الرد على كل الرسائل التي تردني من أصدقاء وغير أصدقاء، عدا أن "الواتس" قدم للغالبية فرصة للتعبير، وإبداء رأيهم بشكل أفضل من الحوارات المباشرة مع الأفراد أو المجتمعات».

ولكن ماذا بشأن القدرة على اختراق البرنامج، وسرقة الملفات الشخصية للأفراد من قبل هاكر متخصصين أو هواة؟ يجيب "نضار جرار"، طالب في كلية الهندسة المعلوماتية وأحد المبرمجين المشاركين في المسابقة الوطنية البرمجية: «إن هذه الحالة ممكنة، فبالنهاية هذا برنامج له "سيرفراته"، وله محبوه وله مبغضوه، وله من يرغب في كشف أسرار الآخرين وابتزاز أصحابها، والأمر راجع إلى الشركة المخدمة وإجراءاتها الأمنية، ولكل برنامج نقاط ضعفه، التي يبحث عنها القراصنة والهاكر، وأرى أن قلة الوعي أحياناً كثيرة، تؤدي إلى مشكلات كبيرة للأشخاص، خاصة مع السهولة الفائقة في استخدام البرنامج».

ييعمل على عدة منصات

ويرى الدكتور "سعيد العلي"، اختصاصي علم النفس الإكليليني في جامعة "تشرين"، تعقيباً على أحاديث الطلاب: «يبدو أن تعريف "أرسطو" للإنسان على أنه حيوان ناطق، سيصبح طي النسيان، فقد أصبح "حيواناً كاتباً"، ولست أقصد التقليل من قيمته البشرية، فاليوم تمشي في الشوارع، فتجد غالبية الناس تمشي مطأطاة الرأس محدقة في شاشة الخلوي، هذا من الاستخدامات السلبية للتقنيات الحديثة، بالمقابل هناك إيجابيات كثيرة، المهم هو معرفة الحدود التي تحتلها في حياتنا، حيث لا تطغى على صخب الحياة ودفئها وتواصل الناس بين بعضهم بعضاً، وفي حالة الطلاب هناك إمكانات كثيرة للاستفادة منه بدل قضاء ساعات لمجرد الثرثرة واللهو، سواء تعلق الأمر بالتفاعل بينهم، أم بتبادل الخبرات العلمية والفكرية، وهذا ما يحققه بعضهم، المشكلة دائماً هي في الوعي، الوعي هو الأساس، ومن أسوأ ما في أي تقنية هو المدى الواسع لنقل الأخبار دون التحقق من صحتها، فلا مصادر تتيح لك التحقق من صدق الخبر أو عدمه، وهنا مرة أخرى، للوعي دوره الرئيسي في محاربة هذه الظواهر، "الواتس" سلاح ذو حدين ككل تقنية حديثة».