الأدب والفنّ صنوان مثّلا تجربة وارفة الخبرات والمعارف في حياة الدكتور "مالك سلمان"، حيث استطاع أن يطوّع معارفه ويبحر في اللغة الإنكليزية لتطوير الترجمة، ورفد المكتبة العربية بأعمال جديدة من خلال مشروعه في تطوير منهج ترجمة الرواية الحداثية.

مدوّنة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 16 تشرين الأول 2018، أستاذ الرواية الإنكليزية الحديثة في قسم اللغة الإنكليزية وآدابها في جامعة "تشرين" د."مالك سلمان"، فتحدث عن حياته ودراسته قائلاً: «الفقر وغياب أي خيار آخر في الحياة كان دافعي للدراسة وصنع النجاح، كما أن تضحيات والديّ كانت حافزاً إنسانياً للدراسة؛ حيث الظروف المعيشية الصعبة، وقد ساهم في بناء شخصيتي حبّي للقراءة؛ ففي المرحلة الابتدائية كنت أقرأ قراءات عامة تطورت لاحقاً إلى قراءة الروايات العربية والعالمية التي كانت تحمل سحراً مختلفاً وتثري ذائقتي الأدبية على الرغم من دراستي للفرع العلمي، فقد درست المرحلة الابتدائية في مدارس "دمشق"، والمرحلتين الإعدادية والثانوية في مدارس "اللاذقية"، وبعد نجاحي في الثانوية العامة سجلت كلية هندسة في جامعة "حلب" عام 1979، ثم قمت بسحب تسجيلي وسجلت اللغة الإنكليزية، لم أكن أحبّ العلوم وكانت ميولي نحو الأدب والفنّ. تخرّجت عام 1983، وكنت من المتفوقين في قسم اللغة الإنكليزية، ورُشّحت من قبل وزارة التعليم العالي لنيل شهادة الدكتوراه في جامعة "ليدز"، فسافرت عام 1985 إلى "إنكلترا" بعد إنهاء الخدمة العسكرية، ودرست الماجستير والدكتوراه في جامعة "ليدز" وأنهيتهما عام 1990، كما درّست في "إنكلترا" مادة الترجمة في قسم اللغة العربية لطلاب بريطانيين، وعدت إلى "سورية"، وباشرت التدريس عام 1991 في جامعة "تشرين" في قسم اللغة الإنكليزية».

معرفتي بالدكتور "مالك" تعود إلى عام 1997، وهو إنسان إيجابي ونظيف ومخلص، ومحبٌّ لعمله ومتفرّغ له، ويعطيه الأولوية من حيث البحث والتدريس، كما أن أخلاقه عالية ويتميز بتعامله مع الأشخاص من وجهة نظر خاصة به، حيث ينظر إلى الآخر ككتلة واحدة لا تتجزأ، وأي تصرف هو انعكاس للشخص ويدل على ذاته وينسجم مع ما بداخله من الصفات الإيجابية، وهذا ما يترجم مبدأه في الحياة: (المجاملة في زمن الانهيارات الكبرى ضرب من الخيانة)

رسم البورتريه في رحلته الطويلة، وكانت هوايته المحببة التي ختمها برسم 300 وجه بطريقته الخاصة مستخدماً الرصاص، لكن التدريس كان هاجسه، حيث أضاف: «لم أكن مدرّساً تقليدياً، بل على العكس تماماً، فقد كنت متأثراً بالثقافة الأوروبية والغربية، خاصة بعد عودتي من "إنكلترا" للتدريس في جامعة "تشرين"، وحين وجدت هامش المدرّس الجامعي ضيقاً وحدوده المسموحة تشبه نظام التعليم في المراحل المدرسية، حاولت تطوير طريقة التدريس وتوسيع هامش المدرّس الجامعي، خاصة أن الأدب والثقافة الغربية منفتحة على تاريخ "أوروبا" الغربية والفلسفة والدين وعلم الجمال وتحليل الخطاب السردي، وهذا ما ينسجم مع اختصاصي في الرواية الحداثية (رواية القرن العشرين)، والسياسة والجنس وحرية الاختلاف في المجتمع، فمن حقي كأستاذ جامعي أن أطرح أفكاراً تساهم بتوسيع آفاق الطالب المعرفية، وأشعر دائماً بالتزام أخلاقي تجاه طلاب جامعتي لكوني درست الدكتوراه بتكلفة باهظة في إحدى أهم جامعات العالم، وأحسّ بالتزامي بالطالب السوري والتعليم في "سورية"، ومن وجهة نظري يحمل بعداً مختلفاً ومهماً، وأفضّله على التعليم في أي بلد آخر، خاصة حين أرى طالباً فقيراً قادماً من مناطق سوريّة مختلفة ولديه رغبة بالتعلّم، فتتحول وظيفتي تجاهه من أستاذ إلى التزام أخلاقي».

بورتريه من رسمه

رحلة الترجمة التي بدأها منذ الثمانينات في "إنكلترا" رسمت ملامح مشروعه في ترجمة الرواية الإنكليزية الحداثية، فيتحدث قائلاً: «أدرّس منذ ثلاثين عاماً ثلاث مواد فيما يخص الرواية الإنكليزية الحداثية والأدب العالمي والترجمة لطلاب جامعيين ودراسات عليا، فأصبحت الترجمة اختصاصاً ثانياً بعد تدريسي لها في جامعتي "ليدز" و"تشرين". بدأت ترجمة الرواية كهواية، فقد كنت أقرأ رواية أحبّها وأدرك أهميتها وأحسّ بأنها قد تضيف شيئاً إلى الرواية العربية، وكانت الرواية الأولى التي ترجمتها "قبلة المرأة العنكبوت" عام 1997، وعملت في عامي 1996-1997 على كتاب الكاتب الفرنسي "جان جنيه" الذي عاش في مدينة "دمشق" مع مجموعة من الأصدقاء، وتضمّن الكتاب مقالات مترجمة من الفرنسية والإنكليزية، كما طلبت من كتّاب سوريين عرفوا "جان جنيه" شخصياً كتابة مقالات خاصة عن لقاءاتهم به في "دمشق"، وصدرت عام 1998 الطبعة الأولى، وفي العام الماضي الطبعة الثانية منه. وفي عام 2011 ترجمت الرواية الأميركية "المسلخ رقم خمسة"، كما ترجمت رواية "عالم التشريح" عام 2017، وحتى ترجمة هذه الرواية كنت أترجم كهواية».

كما أن د."مالك سلمان" أطلق من "قلب الظلمة" مشروعه في الترجمة، الذي كان بالأمس القريب مجرد هواية، فيقول: «من خلال قراءاتي اكتشفت شيئاً أذهلني، أنه ليس هناك مترجم جيد في الثقافة العربية، وفي الرواية خاصة، ونفتقر إلى ترجمة الأسلوب والتكنيك، وكان لا بدّ أن أدخل عالم الترجمة وأنقله من الهواية إلى المشروع، فبدأت العمل على رواية "قلب الظلمة"؛ وهي رواية حداثية صعبة، ومن الروايات التي أدرّسها منذ ثلاثين عاماً، أعرف تفاصيلها وميزاتها، واستغرقت وقتاً طويلاً في ترجمتها، وقد جذبتني لمشروع أعمل عليه، وهذا المشروع هو تطوير منهج أو مقاربة نقدية لترجمة الرواية الحداثية، فمترجم الرواية الحديثة لا يمكن أن يكون مترجماً عادياً يعمل على اللغة، بل يجب أن يكون قارئاً ناقداً للرواية الحداثية ليتمكن من نقل التفاصيل والتقنيات الصغيرة التي تشتغل عليها الرواية إلى اللغة العربية، والآن أعمل على الرواية الثانية من مشروعي في الرواية الحداثية، وهي رواية "إلى المنارة" للروائية "فرجينيا وولف"، التي تعدّ من أهم روائيي تيار الوعي الذي يعتمد على مستوى الوعي ما قبل اللفظي، والرواية ترصد هذه الحالة من الفكر، وتكمن صعوبة ترجمتها بأن اللغة العربية لا تستجيب لهذا النمط، فأحاول من خلال ترجمتي لها أن أولد باللغة العربية أسلوباً يستجيب لرواية "فرجينيا وولف"».

أعماله المترجمة

وعن مقالاته المترجمة خلال الأزمة السورية، يقول: «بين عامي 2014-2016 ومن خلال دخولي إلى مواقع عالمية أو ما يسمى الصحافة البديلة التي يعمل عليها أهم الصحفيين في العالم، والاطلاع على الكتابات اليومية التي تمتد من الربيع العربي إلى الأزمة السورية، فقد قرأت مقالات عن محاولات التلفيق عن الوضع في "سورية" وتفنيدها، وبسبب علاقة الصداقة التي تربطني بالأستاذ "نبيل صالح"، اتفقت معه على ترجمة تلك المقالات ونشرها في موقع "الجمل بما حمل"، فاخترت متابعة سبعة مواقع عالمية كندية وأميركية وصينية وأوروبية، وأنتقي منها أكثر من مقالة وأترجمها وأنشرها في الموقع، حيث بلغ عدد المقالات المترجمة خلال سنتين 420 مقالة، وحققنا نسبة متابعة، ونشرتها مجاناً بناءً على رغبتي لأهميتها للشعب السوري، وهناك مشروع لطباعة هذه المقالات ضمن كتاب يعود ريعه لذوي الشهداء».

أما الدكتور "يوسف شاهين" أستاذ مساعد في قسم اللغة الإنكليزية بجامعة "تشرين"، واختصاصي مسرح "شكسبير"، وأستاذ في قسم التمثيل بكلية فنون الأداء في جامعة "المنارة"، فيتحدث عنه قائلاً: «معرفتي بالدكتور "مالك" تعود إلى عام 1997، وهو إنسان إيجابي ونظيف ومخلص، ومحبٌّ لعمله ومتفرّغ له، ويعطيه الأولوية من حيث البحث والتدريس، كما أن أخلاقه عالية ويتميز بتعامله مع الأشخاص من وجهة نظر خاصة به، حيث ينظر إلى الآخر ككتلة واحدة لا تتجزأ، وأي تصرف هو انعكاس للشخص ويدل على ذاته وينسجم مع ما بداخله من الصفات الإيجابية، وهذا ما يترجم مبدأه في الحياة: (المجاملة في زمن الانهيارات الكبرى ضرب من الخيانة)».

د. يوسف شاهين

وعن الجانب العملي في شخصيته، يضيف د."شاهين": «هو باحث من الطراز الأول وعالم في اختصاصه، وشديد الاطلاع على الاختصاصات الأخرى ضمن قسم اللغة وقارئ فيها، كما يتميز في اجتماعاتنا العلمية بمداخلاته، فأي مداخلة له تعطي قيمة مضافة إلى النقاش. أما الترجمة، فهي همّه القديم، ولديه شغف كبير بها، وله نظرة تكاد تكون نظرية في الترجمة ويطبقها في ترجماته، ويسعى دائماً إلى انتقاء نصوصه بعناية، ويرى أنه ليس على المترجم أن يفهم لغة الكاتب وحسب، بل أن يكون عارفاً بثقافته أيضاً؛ أي الثقافة التي أنتجت هذا النص، ويهتم بوجه عام بطرائق وأساليب وتقنيات سرد الرواية الحداثية، ويملك عيناً ثاقبة بقراءة النصوص الأدبية الروائية الحداثية المعاصرة، وترجمته تنقل النص المكتوب بلغته الأمّ إلى نصّ موازٍ باللغة العربية يوازيه بالمعنى الحقيقي بأسلوبه وانتقاء الكلمات، وعكس الثقافة التي خرج منها النص المكتوب، وحين نقرأ له نشعر بأن النص مكتوب باللغة العربية؛ وهذه الحالة تُسجّل له».

الجدير بالذكر، أن د. "مالك سلمان" من مواليد مدينة "اللاذقية"، عام 1961.