من حكايات الجدّات وأغاني الزجل و"العتابا" وتراث خلّد حياة الأجداد؛ استطاع الباحث والمهتم بالموروث الشعبي اللا مادي "نبيل عجمية" أن ينبش ذاكرة الماضي، ويهب كنوزها إلى الأجيال الجديدة.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 4 كانون الأول 2016، "نبيل عجمية" المهتم بالموروث الشعبي، وعن حياته واهتماماته تحدث قائلاً: «تعلّمت قراءة القرآن والكتابة في كتّاب القرية عام 1965، ثم درست المرحلة الابتدائية في مدرسة القرية عام 1966، وبعد أن نلت الشهادة الإعدادية أجبرتني ظروف الحياة القاسية وما كنت أعانيه وشقيقاتي من الفقر والحرمان واليتم؛ إلى ترك المدرسة وتحمّل المسؤولية، لكن كل ذلك لم يبعدني عن الكتاب وحبّ القراءة، فقد كنت أقرأ كتب الأدب العربي والعالمي والتاريخ حتى كوّنت مخزوناً ثقافياً لا بأس به، فحبّ الاطلاع على آداب وتراث الشعوب ولّد بداخلي رغبة بضرورة إعادة إحياء التراث والحفاظ عليه، حيث كان هاجسي الارتقاء إلى مصاف المثقفين، وفي عام 2011 عدت إلى قريتي "بيت ياشوط" بعد غياب دام ثلاثة وثلاثين عاماً بحكم طبيعة عملي في "دمشق"، وعند عودتي عملت على إبراز تراثنا وإظهار مكامن الجمال والبساطة التي كانت تغلّف حياتنا القديمة».

هناك تعاون مع "عجمية" لتعليم أطفال القرية أغاني الأعراس والمسرحيات التاريخية، حيث يشاركون من خلالها بالاحتفالات والأعياد الوطنية

وفي تعريف الموروث الشعبي اللا مادي والمنابع التي يستقيه منها، يقول: «التراث هو السجل الكامل للنشاط الإنساني في المجتمعات البشرية وعلى مدى زمني طويل، بكلام آخر، هو حفظ المناشط الإنسانية في الذاكرة الجماعية لشعب من الشعوب، حيث تعكس نفسها في حاجة الأمة تفكيراً وسلوكاً، وبعد اطلاعي على حكايات وتراث الشعوب رأيت أن تراثنا هو الأعرق والأغنى، وأغلب الأحيان توصف "سورية" بأنها أكبر دولة صغيرة في العالم لغناها بالحضارات.

عجمية أثناء المحاضرة

أستقي في بحثي عن الموروث الشعبي من الكتب القديمة وآداب الشعوب وتاريخها، وذاكرتي التي كوّنت جدّتي جزءاً كبيراً منها من خلال حكاياتها في مرحلة الطفولة والشباب، كما أستقي من العادات والتقاليد وقصائد الخيال الشعبي، وسهراتنا حين كان يجتمع الكبار والصغار حول الجد "محمود ريا" وينقلنا من بلاد إلى أخرى، وأثناء العمل أعزّز الموروث من خلال مباراة القوافي وقول الشعر، فقد كنت من المتفوقين في ذلك».

الاهتمام بالموروث الشعبي رسالة تحمل في طياتها حبّ الوطن والجمال، يضيف قائلاً: «الحالة الوطنية وأهمية التراث في إحياء هذه الحالة ونشر المحبة وضرورة وضع تراث أجدادنا -الذي يمثّل منبعاً من منابع الإبداع لكونه نتاجاً حقيقياً لمعتقدات دينية وظروف اجتماعية- بين أيدي الأجيال، وأوظف الموروث في حوادث واقعية نشهدها في مجتمعنا، وأربطها بحوادث من الماضي بطريقة الأمثال الشعبية أو الزجل، لقد ساعدتني وسائل التواصل الاجتماعي ومشاركاتي في المهرجانات والأمسيات في نشر رسالتي، ووسعت نطاق عملي ليشمل كل الساحل السوري، كما أقوم مع مجموعة من الشباب والمهتمين من المناطق السورية كافة على تنظيم رحلات إلى قرى وأماكن ما زالت تنبض بالموروث الشعبي وحياة الأجداد».

محمود سعيدة مع عجمية

وعن اهتمامه بالموروث الشعبي اللا مادي، يقول صديقه "محمود سعيدة": «إعادة إحياء الموروث الشعبي أمر مهم جداً، حيث كان له دور في إحياء تراث أجدادنا وريفنا الجميل، كالعادات والتقاليد في الأعراس، والأزياء الشعبية، والأعياد، وجني الزيتون، و"الباطوس"، وغيرها من الأعمال والمفردات التي كوّنت حياتنا القديمة، ولديه ذاكرة قوية وقدرة كبيرة على الحفظ، كما أن صداقتي به قديمة؛ فهو شخص مكافح، ويعتمد على ذاته ويتفانى مع الآخر، وعمله بمنزلة هوية لكل سوري، وربما هو الوحيد الذي يهتم بالموروث الشعبي اللا مادي في محيطه، ولعمله أثر في المجتمع وخصوصاً بين الشباب، ومعروف عنه قدرته في جذب وكسب إصغاء المتلقي».

شمل إحياء الموروث الشعبي اللا مادي الأطفال، وهنا يتحدث "نضال لميا" الذي يعلم الأطفال ويدربهم على أغاني التراث والمسرحيات في مدرسة والمركز الثقافي "بيت ياشوط"، قائلاً: «هناك تعاون مع "عجمية" لتعليم أطفال القرية أغاني الأعراس والمسرحيات التاريخية، حيث يشاركون من خلالها بالاحتفالات والأعياد الوطنية».

إحدى الرحلات

يذكر أن "نبيل عجمية" من مواليد قرية "بيت ياشوط"، عام 1957، ويعمل على جمع الموروث الشعبي اللا مادي في كتاب مطبوع.