يبدي "عصام طوبال" الرجل الستيني شغفه بالسينما في أي حديث عن أي مشهد في فيلم ما يشرحه له زائره، وبات أرشيفه يقترب من خمسة عشر ألف فيلم، كما يعول على ضرورة وجودها كثقافة ضمن التعليم في المدارس.

لم يقف عمله الوظيفي البعيد عن جو السينما من تحقيق ما رغب فيه على هذا الصعيد، فهو لم يكن يحفظ أو يجمع أرشيفاً مهماً من أجل العدد، بل حرص على جمع أرشيف متنوع وخاص من السينما العالمية وصل بجهده وشغفه إلى قطاع واسع من الناس. يتحدث "طوبال" إلى مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 13 نيسان 2016، عن هذا الشغف: «حرصت دوماً على جمع الأفلام المميزة التي كنت أحضرها من "دمشق" بطريقة تشبه تبادل الكتب بيني وبين المهتمين، كما عملت على جمعها عن طريق الإنترنت وترجمتها إلى العربية بالتعاون مع عدد من الطلاب المهتمين بالسينما والدارسين للغة؛ بحكم أن الكثير من الأفلام الأوروبية غير مترجمة، واستمر جمع الأفلام من عام 2002 لأحصد الآن أرشيفاً ضخماً كمّاً ونوعاً، فلديّ الآن نحو 14500 فيلم».

أهتم جداً بنمط الأفلام المعروضة والمقدمة إلى الجمهور، هذا الاهتمام ساعد على انتشار الأفلام مجتمعياً وتحولها إلى ثقافة يبحث عنها الشباب

ظهر هذا الهاجس في سن الشباب لحقها انقطاع لمدة عشرين عاماً سببه التزام عائلي من زواج وعمل، ليعود بقوة إلى عالم ترويج السينما مع ظهور الـcd، ومع الوقت ظهرت بصمته جلية لكل من يطلب منه خدمة تتعلق بالسينما، فقد ساهم في تشجيع العديد من الشباب على تجاوز الأمية السينمائية، ونقلها إلى الجمهور العادي ليتحول حديثها إلى حالة عامة في المدينة.

طارق شومان

وصلت سمعة "طوبال" إلى كثيرين في المدينة وخارجها يعرفونه كمرجع يعودون إليه في اختيار ما يشاهدون، يقول عن هذه الفكرة: «كنت حريصاً على ألا يتحول عملي إلى عمل تجاري، فهكذا لن أقدم شيئاً مفيداً لمشروع السينما التي عملت عليه، حيث ظهرت ظهوراً أوسع وملموساً في تجربة عرض الأفلام في "النادي السينمائي" في جامعة تشرين».

تجربة الترجمة شجعت الكثيرين من الشباب على التعامل معه، وفتح آفاق جديدة في تعريف الناس بتجارب السينما العالمية، وتقديم المميز منها إلى الجمهور وتناقل هذه الأفلام فيما بينهم، يقول: «أهتم جداً بنمط الأفلام المعروضة والمقدمة إلى الجمهور، هذا الاهتمام ساعد على انتشار الأفلام مجتمعياً وتحولها إلى ثقافة يبحث عنها الشباب».

إلياس طوبال

الدقة سمة مهمة وأولى عنده، فهو يقوم بتصنيف الأفلام حسب المخرجين، والجوائز، وجنسية الفيلم، والممثلين، وحسب نمط الفيلم إن كان نفسياً، أو كوميدياً، رعب، رومنسياً.. إلخ، وأيضاً أطفال أو نساء في السينما؛ وهو ما يتيح البحث عن قصة الفيلم في حال لم يتذكر الشخص اسمه مثلاً. يعشق الرجل السينما الإيطالية، وهي الأحب والأقرب إليه في أرشيفه المحفوظ، ولديه منها مجموعة مميزة. جعلته تجربته مع السينما ناقداً يعرف تفاصيل الفيلم التي لا يعرفها كثيرون، يقول عنه الشاب "طارق شومان"؛ وهو طالب في كلية التمريض، ومن عشاق "الفن السابع": «أتابعه منذ سنوات طويلة، وبحكم أنني من جيرانه استفدت من نصائحه في اختيار نوعية الأفلام التي يجب أن أشاهدها أو يدلني عليها بحكم خبرته الواسعة، حيث كانت عدوى جميلة ينقلها إلى الشباب لتنتقل فيما بينهم بحثاً عن مشاهدة العميق والمناسب لطريقة تفكيرهم؛ بعيداً عن سطحية بعض الأفلام وضعف محتواها الفني والفكري، فهنا نجد أرشيفاً واسعاً من السينما الأوروبية والآسيوية والتركية والإيرانية واللاتينية، إضافة إلى أفلام الأطفال».

كان لابنه "إلياس طوبال"؛ وهو مهتم بالموسيقا وعازف بيانو محترف، أثر في مساعدته، يقول الابن: «في البداية كنت أرفض فكرة أن أعمل مع الوالد بسبب ضيق الوقت، ولأن العمل يحتاج إلى التزام، لاحقاً التزمت قليلاً، ومن خبرتي المتوارثة والمكتسبة في السينما سهلت على والدي الكثير من العمل، وخاصة في معرفة ما يرغب به الزبون من نوعية الفيلم والترويج لأفلام غير معروفة، الخبرة نتجت عنها فراسة في معرفة الفيلم العميق عن الفيلم غير المؤثر، وبفضل هذا التصنيف تكوّنت مرجعية العودة إلى المكان للسؤال عن أي فيلم قديم أو جديد».

الفن السابع

مازالت طاقة الشباب نابضة في شخصية "طوبال"؛ فالسينما بتفاصيلها ظاهرة في حياته وعمله وفي شخصية من قابلوه وأخذوا وتعلموا منه، فهو -مع شهرته التي لم يجلبها له النمط التجاري المستهلك- ما زال يحلم بأن تعلم السينما في المدارس، ويرى حلمه يتحقق الآن قليلاً من خلال دراسة ابنته للسينما.