نجح في قلب العديد من المفاهيم التقليدية في علاقة الطلاب مع مدرسيهم، وعبر انغماسه المباشر في العمل حقق نقلة نوعية في مفهوم الانتماء إلى الوطن وآليات تنفيذ المبادرات الفردية والجماعية.

المبادرة ليست "صرعة" موسمية تنتهي عند انتهاء غايتها، بقدر ما هي فلسفة متكاملة تصب في خدمة المجتمع دائماً، من هذا المنطلق لم يتوقف الدكتور "هادي معلا" -مواليد 1972- وخريج كلية الهندسة الميكانيكية والكهربائية، والحاصل على دكتوراه في هندسة السباكة؛ عن الإبداع بروح القائد ونقل هذه الروح إلى طلاب الكلية محققين معاً إنجازات حقيقية خدمت البلد والكلية كثيراً؛ والأرقام تؤكد هذا الكلام.

د. هادي من أروع القامات العلمية المبادرة والنشيطة بجامعة تشرين، ويشرفني أنني عملت معه في يوم من الأيام

بدأت تجربة "هادي" بعد عودته من "ألمانيا" إلى التدريس في الكلية التي تخرج فيها، يقول في حديث مع مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 27 أيار 2015: «شاركنا كجامعة في العامين 2008 و2009 في برنامج KAB (تعرف إلى عالم الأعمال - Know About Business) المقام من قبل منظمة العمل الدولية بالتعاون مع وزارة التعليم العالي، والموجه خاصة إلى طلاب السنوات الجامعية الأخيرة، ‏حيث دربنا شرائح من الطلاب في كلية الهندسة الميكانيكية والكهربائية بالتعرف إلى عالم الأعمال وكيفية الدخول إليه والبدء بعد التخرج بتأسيس مشروعات خاصة صغيرة انطلاقاً من رأسمال صغير ومتناهٍ في الصغر، وعدم الاعتماد فقط على العمل في المؤسسات والشركات الحكومية، أو الارتهان للشركات الخاصة الكبيرة».

المخبر كورشة

في العام 2008 تولى الإشراف على مخبر السباكة والنجارة في مبنى الورشات في الكلية، وأعد شرحاً كاملاً بالنواقص التي تمنع تشغيله وإعادة تأهيل الآلات والمعدات المتقادمة والموجودة فيه منذ زمن وبعضها متوقف عن العمل لهذا السبب أو ذاك، ولكن بسبب الأزمة التي تعصف بالبلاد لم يتم تأمين النواقص، فكان التفكير بطريقة تؤمنها محلياً.

يقول "د. هادي": «عملنا على تصنيع ما نحتاج من داخل الكلية في مخابرها وورشاتها بالتعاون مع إدارة الكلية والجامعة، وبمشاركة الطلاب ضمن مشاريع تخرج ومقررات دراسية لتكون في المحصلة نتيجة مضاعفة هي تدريب طلاب الكلية عملياً على تصميم وتنفيذ مشروع ميكانيكي متكامل، إضافة إلى الحصول على منتج "تركيبة آلية" مفيدة توضع كوسيلة تعليمية وإنتاجية في مخابر الكلية بتكلفة بسيطة جداً مقارنة مع التكلفة الحقيقية لآلة يتم شراؤها من السوق».

مع الطلاب في الورشة

وعبر ورشات عمل تحولت إلى خلايا نحل؛ تم إنجاز كثير من الآلات التي تحتاج إليها الكلية؛ مستخدمين ما توافر فيها من مواد ضمن مشاريع سابقة، من الآلات المنتجة مثل: "فرن صهر معادن كهربائي وآخر يعمل على المازوت، فرن معالجات حرارية للمعادن ذو حوض، جهاز تنظيف المسبوكات والقطع التي غلب عليها الصدأ عن طريق السفع (الضرب) بالرمل، آلة كهربائية للف ملفات المحولات والمحركات الكهربائية"، وغيرها الكثير.

الخطوة التالية كانت الإشراف على حملة واسعة لإصلاح أثاث الكلية المتقادم من كراسٍ وطاولات ومقاعد دراسية، باستخدام عدة وآلات النجارة الموجودة في مخبر النجارة والسباكة، سواء عن طريق مبادرات طلابية تطوعية أم عن طريق ورشات خارجية متخصصة، فتم بذلك إعادة أكثر من 500 قطعة أثاث إلى الاستعمال، محققين بذلك وفراً اقتصادياً كبيراً للكلية والجامعة عدا زرع فكرة التطوع بطريقة حضارية مميزة.

هكذا أصبح المخبر

كما قلنا لا يتوقف التطوع عند حد، فقد تابع الدكتور "هادي" وفرقه التطوعية العمل من أجل تقديم المنتج الطلابي إلى الشركات والناس المهتمين عبر معرض كلية "الهمك" الهندسي في دوراته التي حققت في العامين الماضيين نجاحاً كبيراً في جذب وخلق حالة تفاعلية كبيرة بين الطلاب والمدرسين والمجتمع بكافة اهتماماته.

ويركز "هادي" دوماً على عقلية الفريق التي يعدّها المدخل الحقيقي لأي نجاح بعيداً عن الفرد وأنانيته.

يقول عن هذه الفعالية: «انطلقنا في فكرة إقامة هذا المعرض من أهداف كثيرة ولكن الهدف الأكبر على الإطلاق هو ما تحقق فعلاً بعد المعرض، وهو الحماسة والإصرار والتحدي التي تكونت داخل أغلب طلاب الكلية للقيام مستقبلاً وبكل جدية بتنفيذ مشاريع تطبيقية عملية ليعرضوها في معرض الكلية في العام القادم، لتكون محط أنظار وإعجاب الجميع، وليسوّقوا أنفسهم في سوق العمل كمهندسين بخبرات وطاقات واعدة».

كثيرة هي الشهادات التي تحدثت وتتحدث عن "هادي" الإنسان قبل المدرس، والمرتبط بعلاقة وثيقة مع طلابه كعائلة واحدة، تقول الطالبة "فاطمة سعيد بارود" سنة ثالثة هندسة قوى: «الجميل أنه يعمل على مبدأ "اعمل بصمت؛ ودع إنجازك يتكلم عنك"، حلمه بتحقيق صناعة محلية ما يزال يشغل باله كثيراً، لا يكتفي بذلك فهو مصدر دائم للطاقة الإيجابية للجميع».

المهندسة "كندة علي" التي عملت مع د. "معلا" في معرضي الكلية قالت عنه: «د. هادي من أروع القامات العلمية المبادرة والنشيطة بجامعة تشرين، ويشرفني أنني عملت معه في يوم من الأيام».