لم يمنع حصوله على عشرات الجوائز، ومنها لقب "رجل الأرض" من "الأمم المتحدة"، ودعوته المتكررة إلى كبريات الجامعات والمنظمات العالمية وعضويته فيها، أن يبقى في وطنه مدافعاً عن أولوية أبناء بلده بعلمه وخبرته.

الدكتور المهندس "عادل عوض"، واحد من كبار العلماء في العالم اليوم، عضو محكم في كبريات الجوائز العالمية ومنها "جائزة آينشتاين" الدولية، يخجلك بتواضعه الجم وحرصه الكبير على أن يكون علمه في خدمة أبناء بلده، قدم دراسة واقعية مع أجهزة علمية لتدوير النفايات الصلبة إلى بلدية مدينة "اللاذقية" إلا أن الروتين والعقلية البيروقراطية لا تزال تمنع تنفيذ هذا المشروع الذي يسترجع تكلفته في العام التالي لتأسيسه.

كنت من طلابه حين كان معيداً، وأفخر بأنه علمني، إنه قامة علمية بحد ذاته، وإذا حضر الماء بطل التيمم

في حديثه معنا بتاريخ 4 آذار 2015، في مكتبه في قسم "الهندسة البيئية" في كلية الهندسة المدنية بجامعة "تشرين" أثار الرجل أفكاراً ثرية، الرجل الذي يستدعى سنوياً إلى عشرات الجامعات العالمية كضيف مرموق ويقدم عشرات الأبحاث التي تستفيد منها الدول التي يزورها (آخرها "بلجيكا" العام الفائت)، ما زال مؤمناً بأن المستقبل لأبناء "سورية"، ولو "تأخرنا عن غيرنا لأننا مبدعون حيث حللنا".

مع عميد كلية الطبوغرافيا

ولد "عادل عوض" في "اللاذقية" عام 1949، وتخرج في كلية الهندسة المدنية بجامعة "دمشق" العام 1973، سافر بعدها بمنحة إلى جامعة "ميونخ" الألمانية ونال الدكتوراه في هندسة "تخطيط المدن" في آذار 1983، ثم الدكتوراه الثانية من جامعة "شتوتغارت" في تموز نفس العام، فكانت صاعقة للمجتمع العلمي الألماني، يقول "عوض" موضحاً: «كانت المرة الأولى التي ينال فيها طالب أجنبي أو ألماني شهادتي دكتوراه بفارق زمني لا يتجاوز أربعة أشهر، اجتمعت الإدارة الجامعية للتدقيق وإجراء اختبارات الدقة العلمية وانتهت إلى أن البحثين مبتكران؛ وهما بلغة علمية عالية المستوى (بالألمانية)، واستقبلني رئيس جامعة "شتوتغارت" مستغرباً قدرتي على إنجاز البحثين في وقت متقارب، مع عرض لي أن أبقى هناك للتدريس والبحث إلا أنني رفضت وعدت إلى وطني لأساهم في تقديم خبراتي ومعرفتي».

في جامعة "تشرين" ساهم في بناء أساسيات التعليم فيها وقت إنشاء الجامعة وتأسيس عدد من الكليات، فبدأ التدريس في الجامعة فور وصوله، وكتب عدداً من الكتب التدريسية (منها معالجة مياه الصرف الصحي، 1991)، وبدأ في نفس الوقت نشر أبحاثه المتعلقة بعلوم البيئة والنظم المائية البيئية والتخطيط الحضري مع اعتماد العديد منها على تطبيقات النمذجة المثلى باستخدام أنظمة الذكاء الصنعي والمحاكاة الحاسوبية، نذكر منها "فرز وإدارة النفايات الصلبة المدينية والطبية"؛ وهو المشروع الذي تقدم به لبلدية محافظة "اللاذقية"، ولم تنفذه حتى الآن رغم عدم وجود أية محطة لمعالجتها في "سورية" كلها.

في الحوار مع الدكتور عوض

في عمله المستمر حرص على أن يكون مثال الباحث المدقق عما يفيد به مجتمعه وبيئته فيخفف أعباءً كثيرة باستخدام العلم، يقول في حديثه معنا: «البلدان تتسابق حالياً من الأكثر ارتباطاً بتطورات العلم التي تخدم مجتمعاتها، هناك تطورات يومية تتحقق واقعياً بالعلم والبحث العلمي المرتبط بالواقع وليس فقط بمجال التنظير البحثي والعلمي، تُكلّف الجامعات ومراكز البحث بإجراء دراسات دائمة لحل مشكلات المجتمعات وإلا ما فائدة العلم والعلماء؟ هذه مشكلة عويصة الحل لدينا للأسف حتى اليوم، وهي تستلزم حلولاً ناجعة لمشكلاتنا في التطبيق العملي للبحوث على أرض الواقع، سأذكر لك نموذجاً، في ألمانيا"، كلفت بإنجاز بحث بيئي لإحدى البلديات وكانت هي من مول المشروع ثم طبقته على الأرض، إذاً نحتاج إلى تشبيك متكامل بين الهيئات والمؤسسات التي يمكن أن تستفيد من خدمات العلم وبالتالي تخدم المجتمع».

هنا يكمن الفرق بين جامعاتنا وجامعات الدول المتقدمة، وجود مراكز بحثية تعنى بمشكلات المجتمعات التي هي جزء منها، يقول "عوض": «ونحن نعاني من غياب المراكز البحثية الحقيقية، المختبرات التي تدفع إلى الأمام وليس تلك التي تعيد إجراء تجارب معروفة، وحالياً فإن النمذجة والمحاكاة الحاسوبية قد حققت كثيراً من الوفر في الوقت والتكاليف وتقدم صورة مثالية لما سيكون عليه واقع أي مشروع مطروح مستقبلاً، ولكن العبرة ليست هنا، بل في تحويل هذه المحاكاة إلى مشاريع واقعية منفذة لخدمة الناس».

قليل من الشهادات فيه

مع مطلع التسعينيات؛ ونتيجة لأبحاثه المتفوقة علمياً؛ انضم إلى قائمة الشرف للإنجاز البيئي (500 شخص عالمي) التي ينظمها "برنامج الأمم المتحدة للبيئة"، واعتمد في نفس العام من قبل "الهيئة الدولية للابتكارات لتطوير المجتمع" (IDEA) لترشيح المشاركين في جائزة الهيئة، كما سجل اسمه في "الموسوعة العالمية للعلوم والتكنولوجيا" في "أميركا" مع موسوعة "الماركيز" الدولية، وحاز في العام 1995 جائزة "القرن العشرين للإنجازات العلمية في الهندسة" من جامعة "كامبريدج" البريطانية.

استمر "عوض" في تقديم الأبحاث العملية والعلمية والعمل عليها، فحقق في العام 1996 أول نموذج "رائد وتطبيقي لفرز النفايات الصلبة المدينية"؛ وسجل كاختراع جديد سورياً وعالمياً (برقم 1996 عالمياً)، ونال عليه ميدالية ذهبية في معرض الاختراعات السوري السادس العام 1997، ومنح بسببه جائزة أفضل اختراع من الجمعية العالمية للملكية الفكرية (وايبو) في "جنيف" نيسان عام 1999.

حقق في العام 1997 بحثه العملي "استخدام الزيولايت الطبيعي في المعالجة المتقدمة لإزالة المواد المغذية من مياه الصرف الصحي" على براءة اختراع سورية مماثلة، وسجلت دولياً أيضاً (1997 مع "سامح غريبة")، وفي نفس العام نال ميدالية الرجل الأكثر تميزاً Most Admired Man Of The ABI، وأدرج اسمه في موسوعة الخمسة آلاف شخصية ذات الإنجازات المؤثرة في البشرية (ABI).

شارك في عشرات المؤتمرات العلمية المحلية والعربية والدولية مقدماً دائماً أبحاثاً جديدة ومبتكرة في خدمة الهندسة البيئية والمجتمعية؛ مركزاً على مفهوم "الجودة" في التعامل مع هذه المستجدات اليومية المتكاثرة بسبب التطور التقني المتسارع، يقول موضحاً: «نحتاج إلى تقديم أفضل ما لدينا من معلومات علمية بما يؤدي الغرض الصحيح منها، من هنا فإن للجودة الهندسية والعلمية حضورها المهم جداً، حتى في إعداد الكوادر البشرية يجب أن نعمل على تغذيتها حيث نحقق لاحقاً النتائج التي تضعنا على الطريق الصحيح».

"عوض" عضو في عدد كبير من الهيئات العلمية العالمية التي تتسابق لمنحه عضويتها، فهو مثلاً عضو محكم في اللجنة العلمية التخصصية التابعة للمجلس الثقافي العالمي لتقويم أعمال المرشحين لجائزة "آينشتاين" العالمية للعلوم ومن بينهم حاملو جائزة "نوبل"، كذلك هو عضو محكم في كبريات المجلات الهندسية العالمية مثل: Inder Science، وElsevier Science، وغيرها الكثير، وقد منحته الأمم المتحدة عام 2007 جائزة "رجل الأرض"؛ وهي جائزة بيئية عالمية جديدة تمنح من قبل برنامج الأمم المتحدة للبيئة.

أثناء حوارنا حضر عميد كلية "الهندسة الطبوغرافية" الدكتور المهندس "أديب القاموع"، الذي رفض أن يقدم شهادة في "معلمه" قائلاً: «كنت من طلابه حين كان معيداً، وأفخر بأنه علمني، إنه قامة علمية بحد ذاته، وإذا حضر الماء بطل التيمم».

الدكتورة "هناء سلمان" رئيسة قسم الهندسة البيئية في الكلية قالت في شهادتها عن الأستاذ "عوض": «هو قامة كبيرة في جامعة تشرين، وإذا كان للجامعة ترتيب عالمي؛ فإن الفضل الأكبر فيه يعود للدكتور "عوض"، فمؤلفاته غطت مناحي كثيرة وله مساهمات علمية عالمية رائدة، أما إنسانياً فلن تجد مثيله،

يساعد كل الطلاب والأساتذة والمهتمين من أي مكان أتوا، حتى تكاد تجد كل أنواع الكليات عنده، هذا الرجل قامة علمية ويستحق التكريم حيثما حل».

يعمل د."عوض" حالياً أستاذاً زائراً في جامعتي "هامبورغ" و"دار مشتات" التكنولوجيتين في "ألمانيا"، وأستاذاً مشاركاً في جامعة العلوم والتكنولوجيا في "الأردن"، إضافة إلى عمله في جامعة "تشرين"، ومشرفاً على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه هنا.