يعمل في الأصل مهندساً في "مرفأ اللاذقية"، ولكن لديه هواية غريبة هي البحث عن أعطال الحنفيات والمواسير في الحدائق والأماكن العامة وإصلاحها؛ وهي كثيرة بحكم ثقافة "شبه منتشرة" تبيح أملاك الدولة للتخريب.

التقته مدونة وطن "eSyria" مصادفة قبل وقت من الآن، ورفض الحديث لوقت طويل متذرعاً بأن الأمر "مو مستاهل"، لأن ما يفعله يقوم به هو وكثيرون غيره دونما حاجة إلى إعلان ولا إعلام، إلا أن إلحاحنا عليه جعله يوافق على مضض، وقد اكتشفنا فيه نعم الإنسان الذي يفكر بطريقة مختلفة.

عدا عملي الهندسي، فأنا أعمل معلم صحية، فأتعهد ورشات صحية من قبيل تمديد المواسير والصرف الصحي والطاقة الشمسة والتدفئة أيضاً للبيوت، وهذا العمل الإضافي لي أحبه وأستمتع به كمصدر دخل وكهواية أبدع فيها بهذا الشكل أو ذاك خاصة في قضايا تدفئة المنازل

"نزيه" شاب سوري حاصل على شهادة في "الهندسة الكهربائية" من جامعة "تشرين" وهو موظف في مرفأ "اللاذقية" على "المكسر"، يقول في حديث معنا بتاريخ 22 شباط 2015: «عدا عملي الهندسي، فأنا أعمل معلم صحية، فأتعهد ورشات صحية من قبيل تمديد المواسير والصرف الصحي والطاقة الشمسة والتدفئة أيضاً للبيوت، وهذا العمل الإضافي لي أحبه وأستمتع به كمصدر دخل وكهواية أبدع فيها بهذا الشكل أو ذاك خاصة في قضايا تدفئة المنازل».

المهندس نوح عباس

يضيف المهندس "نزيه" في حديثه: «عندما كنت أمر في الحدائق العامة لفت انتباهي كثيراً تواجد حنفيات مفتوحة تهدر المياه لوقت طويل، وعطلها كله قد يكون الحاجة إلى تبديل قلب أو "جلدة" للحنفية أو تبديل الحنفية كلها في أسوأ الحالات وهذه ثمنها لا يتجاوز الثلاثمئة ليرة سورية، وفي أماكن أخرى وجدت المواسير نفسها مكسورة ولا يحتاج إصلاحها إلا إلى لصاقة من السيلكون أو تسخين الأنبوبين ولحمهما معاً، وهذه أمور ممكنة وغير مكلفة، فعزمت على إصلاحها ما أمكنني ذلك».

حمل الرجل عدته وبدأ في جولة على الحدائق التي شاهد فيها تلك الأعطال، في البداية كما يقول: "اعتقد الناس أنني من عمال الحديقة أو موظفي البلدية، ولكن مع فضولهم وأسئلتهم استغربوا عدم وجود علاقة لي بهذه الجهة أو تلك، بعضهم لم يعجبه الموضوع على اعتبار أن هذا الأمر من شؤون البلدية أو المحافظة أو إدارة الحديقة، إلا أن الأغلبية رأت في التصرف فعلاً نبيلاً، يقول المهندس "نوح عباس" (صديقه): "إن هذا التصرف كان مفاجئاً للناس لأن بعض الناس تعودوا دوماً التخريب، وفي ثقافتهم الخاطئة هذه إن على الدولة الإصلاح".

خلخل هذا التصرف قناعات الناس، وبعضهم خجل من التعليق على الأمر، واعتبر التصرف "مثالياً" في زمن المصالح وزمن العلاقات المبنية على المادة، يقول "محمد نور" إن هذه الحالة استثنائية وغير منطقية في ظل الوضع الاقتصادي المتردي لأغلب الناس، وأن على إدارات الحدائق أن تكون مسؤولة عن قطع عملها وتراقب حدائقها ولو بوضع كاميرات مراقبة كما تفعل كل دول العالم لقمع العابثين وردع المخالفين، ولكنه اعترف إن الفكرة استهوت كثيرين ممن يحبون عمل الخير: "شعبنا طيب عموماً، ويحب فعل الخير مهما كان".

يقول المهندس "نزيه" مضيفاً قصة أخرى تتعلق بمكان عمله: «بعيد العاصفة "زينة" انفجرت عدة مواسير في "المكسر" بسبب البرد الشديد، وإصلاحها يحتاج كالعادة في القطاع العام إلى وقت بسبب الروتين الإداري والبيروقراطي، فما كان مني إلا أن أحضرت العدة ذات صباح بعد استئذان الجهة المرتبطة وهي إدارة المرفأ، وقمت بعملية إصلاحها خدمة للناس الذين يستخدمونها مع حنفياتها، ومنهم مواطنون وموظفون في المرفأ».

على إثر هذه العملية قام عدد من الشباب بجمع مبلغ من المال لتقديمه لـ"نزيه" إلا أنه رفض بالمطلق أخذ أي أجرة على ما يفعله، يقول الشاب "منذر علو" وهو من مدينة "حلب" ويقطن في "اللاذقية" منذ سنوات: «تفاجأنا بالتصرف حقيقة، الجميع هنا يلومون الدولة في حين أن التخريب قد يكون طبيعياً أو بفعل فاعل ولا أحد يفكر بإصلاح أي خلل فني دون أن يكون لديه مصلحة في ذلك، "نزيه" خرج عن القاعدة ليصلح هذه الأعطال بشهامة ومروءة يحسد عليها، حقيقة جمعنا له مالاً ثمن الأدوات التي وضعها مثل قلب للحنفيات وقطع مواسير وغير ذلك، إلا أنه رفض كل هذا وقال لنا: "مو مستاهلة"».

من الواضح أن انتشار هذه الثقافة يحمي المناطق العامة ومنها الحدائق من التخريب الدائم الذي يقوم به ضعاف النفوس، ولكن نقلها إلى عموم الناس أمر يحتاج إلى تضافر جهود كثيرة منها إدارات هذه الأماكن التي يمكنها أن توقف عملية استنزاف موارد الدولة، وخاصة الموارد التي يصعب تجددها وتخضع لظروف خارجة عن إرادتنا مثل المياه والكهرباء والغاز.