بعض الناس لديهم رؤية مختلفة في العلاقة مع المجتمع تنسجم مع تصوراتهم عن الحياة والرزق والشهامة، والسائق على خط "سقوبين" "فادي حوا" أحد هؤلاء ويعمل بقناعة مدهشة وبعلاقة طيبة مع الناس.

تغيرات أسعار الوقود المستمرة، إضافة إلى غيابها أحياناً جعلا من أجور النقل تعلو يومياً على مختلف خطوط النقل في "اللاذقية"، ولا تهبط ولو انخفض سعر الوقود، هذه هي الصورة المتداولة لنقل الناس من أماكن سكنهم إلى المدينة، وتبلغ ما يقارب 7كم فأكثر.

بعض الأصدقاء والناس اللذين أعرفهم يترقبون السرفيس، ليس فقط بسبب الأجرة بل لأن صاحبه شخص مهذب في تعامله معهم، وهو يبادلهم الود والاحترام، لو كان ربع السائقين مثله لكان وضع النقل بألف خير

يعمل "فادي" سائقاً على خط "سقوبين ـ اللاذقية" على "سرفيس" سعة أربعة عشر راكباً منذ عشر سنوات حين كانت أجرة النقل لا تتعدى العشر ليرات سورية، وحتى اليوم ما زال مثابراً على عمله، إلا أن التغيرات الكبيرة في أسعار الوقود دفعت بكثيرين من السائقين إما لإيقاف سياراتهم أو رفع الأجور بما يعلو أحياناً على التعرفة الرسمية كثيراً، الأمر الذي سبب لهم وللناس مشكلات كثيرة.

في العمل

السائق "فادي" رفض تغيرات الأجرة هذه مصراً على ترك المواطن يدفع أجرته كما يناسبه، يقول في حديث مع مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 25 شباط 2015: «أجرة "سقوبين" الرسمية هي 22 ليرة سورية، من أين للمواطن وللسائق بهذه الليرتين أولاً؟ وثانياً لماذا على السائق التورط مع المواطن في حين تعرف مديريات التموين أنها شبه اختفت من السوق ويصعب على السائق كما المواطن تأمينها؟ ثم لنفترض أن المواطن أعطاك خمساً وعشرين ليرة قطعة واحدة، من أين لي بثلاث ليرات لأعيدها له؟ هذه المشكلات سببها آلية التسعير التابعة لمديرية التموين التي تعرف هذه الحقائق وتتجاهلها».

ما أمكن حله لدى السائق "فادي" هو ترك المواطن يدفع الأجرة التي تناسبه حيث لا يكون المواطن ولا السائق مغبوناً، فعشرون ليرة سورية مقبولة، كذلك الخمس وعشرين، ولا يتقاضى الرجل أي ليرة سورية زيادة عنهما "كما يفعل أغلب السائقين هذه الأيام معللين بأسعار المازوت المتغيرة وبما يدفعوه على الكازيات من "أتاوات" ورشاوى لتسهيل أمورهم عدا الانتظار لساعات طويلة".

نمير فندي

يقول "فادي" في حديثه معنا: «هناك أيضاً أمر جديد تعوده بعض السائقين وهو أخذ أجرة كاملة لأي راكب يستقل الحافلة من على الطريق وينزل قبل نهاية الخط، ولكني أرفض ذلك، فكثيرون من الناس ينتقلون لمسافات صغيرة، وهذه لا تستحق أجرة كاملة، خاصة طلاب الجامعة على خطنا، فهؤلاء يركبون لمسافات قصيرة لا تتجاوز كيلومتراً واحداً أو اثنين، ومن المنطقي أن تكون أجرتهم مخفضة، وأنا لا أتقاضى أحياناً كثيرة أجوراً من هؤلاء».

سألته في حوارنا: "هل الغلة تكفيك؟ على هذا العمل سيكون نهارك دون "غلة كافية"؟ أجابني بصراحته: «هذا السرفيس لوالدي، والسرفيس يعيل أربع عائلات، وعدد الأفراد الذين يعتاشون منه يتجاوز الثلاثين، ومع ذلك يكفيهم جميعاً، ويحقق دخلاً طيباً، ومع كل ما نقدمه من عمل فإن الغلة تكفي وتحقق لنا حياة مقبولة جداً، القناعة كنز جميل، المهم أن تكون مسروراً في عملك وعلاقاتك مع الناس».

"السرفيس" على الخط

يستغرب العديد من المواطنين تصرفات "فادي" ولكنهم جميعاً يحبونه ويقدرون أخلاقه العالية وتعامله الطيب مع الناس جميعاً، تقول "منى سعيد" وقد التقيناها بعد وصولها إلى المدينة: «حسب "بورصة الأجور" اليوم فالأجرة من "سقوبين" إلى المدينة بين 30 و35 ليرة سورية، إلا أن "فادي" لا يأخذ أكثر من حقه المقرر، ورغم تغييرات الأسعار الشهرية والأسبوعية التي لم نعد نلحق بها إلا أنه يصمم على أن يأخذ حقه فقط، هذا الرجل نادر الوجود هذه الأيام».

الشاب "نمير فندي" يعرف السرفيس جيداً ولكنه لا يعرف صاحبه، يقول في حديث معنا: «بعض الأصدقاء والناس اللذين أعرفهم يترقبون السرفيس، ليس فقط بسبب الأجرة بل لأن صاحبه شخص مهذب في تعامله معهم، وهو يبادلهم الود والاحترام، لو كان ربع السائقين مثله لكان وضع النقل بألف خير».

ختمنا الجولة مع "فادي" بكوب من القهوة على الطريق، مع أمنيات له ولنا أن يكون القادم أحلى لكل السوريين.