رافقته الكاميرا مذ كانت مزودة بأفلام السحب اليدوي، لينتقل بعدها إلى عالم الديجتال في الصورة والفيديو موثقاً الإنسان والمكان وتغيرات الأحوال، وارثاً عن أبيه ولعه بهذا الصندوق العجائبي.

ينتمي المصور "فارس هلال" (مواليد 1981 في قرية "الدالية" محافظة "اللاذقية") إلى جيل المصورين الشباب المبدعين بصمت دون البحث عن إضاءات الكاميرا له شخصياً، موضوعات كثيرة تناولتها صوره الفنية ولقطاته المفارقة، مخلداً بكاميراته لحظات الذاكرة في مختلف المناطق التي وصلتها قدماه ويداه.

كانت غايتي وما زالت التأكيد على أن "سورية" ستنهض من أزمتها وهي أكثر ثقة بأبنائها وبناتها وهم يعيشون ثقافة التضحية والحياة في آن واحد، لذلك فقد صورت بالفيديو والصورة أفراح وأتراح الناس لتبقى شهادة على الحياة واستحقاق السوريين لها

تعلم "الفارس" التصوير الضوئي على يد والده الفنان الضوئي والمصور "عبد الحميد هلال" أحد أبرز من وثق الحياة الطبيعية وتغيرات البيئة الإنسانية في الساحل السوري، والحائز على جائزة مجلة "العربي" الكويتية في التصوير الضوئي عام 2008، يقول المصور "فارس" في حديث مع مدونة وطن "eSyria” بتاريخ 1 كانون الثاني 2014، عن تعلمه التصوير: «رافقت والدي في رحلاته التوثيقية منذ يفاعتي، انتبهت أثناءها إلى هذا العالم الغريب الذي يأخذ الزمان والمكان إلى ثبات الصورة، يومها لم تكن التقنيات متوافرة مثل هذه الأوقات، كان والدي يستخدم كاميرتي "الزيينت" و"المينولتا" الروسيتين اللتين تتمتعان لحد الآن بجودة اللقطة، لم يلتقط أبي الصور بعيداً عن روح اللقطة، في أيام المطر والثلج و"الزميتي" (تجمد المياه بسبب البرد) كان يأخذني معه لاكتشاف مكامن الجمال المخبأ تحت الثلج، ومنه تعلمت أن أحترم الطبيعة والإنسان والمكان».

الدالية ليلاً، صورة مشاركة في مسابقة دولية

حب التصوير دفعه للقيام بتجاربه التصويرية الأولى في غفلة من أبيه المصور الذي سافر إلى اليمن للتدريس، كانت الصور الأولى لمناطق محيطة بالقرية الجبلية أيام الخريف كما يقول في حديثه، ويتابع: «كان عمري ثماني سنوات وقتها، من تلك الأيام تعلقت بشدة بالكاميرا، وثق أبي بي فأعطاني الكاميرا التي يصور بها لتكون رفيقتي لسنوات طويلة، ومن الطبيعة إلى الإنسان وثقت مختلف اللحظات التي شدتني موضوعاتها، ليس فقط الطبيعة بل المكان والحجر والطرقات وكل ما يمثل فارقاً بصرياً للمتلقي، كنت أطبع الصور وأعرضها في منزلنا لجمهور الأصدقاء والأقرباء».

المصور المحترف برأي مصورنا ليس من يعتمد على تقنيات الكاميرات الكثيرة هذه الأيام: «بل من يستطيع أن يظهر جمالية اللقطة مع توظيف هذه التقنيات توظيفاً صحيحاً، فالصورة الطبيعية هي الأصل الذي يقرب المشاهد إليها، ولكن التقنية تساعد في توضيح بعض جوانب الصورة الملتقطة، الطبيعة تعطي جماليات ذات أصالة وحرفية، والتقنية تلعب دور المكمل، رغم أن إضافة هذه التقنيات تبعد الصورة عن أصلها إلا أنها تخدمها من جهة ثانية في إعطائها بعداً بصرياً أعمق».

حوار

تنتشر الصور التي التقطها "فارس" اليوم على امتداد منطقة "جبلة" كلها، صور ووثق "سورية" في جراحاتها الأخيرة بعين الواثق من تجاوزها لمحنتها، يقول: «كانت غايتي وما زالت التأكيد على أن "سورية" ستنهض من أزمتها وهي أكثر ثقة بأبنائها وبناتها وهم يعيشون ثقافة التضحية والحياة في آن واحد، لذلك فقد صورت بالفيديو والصورة أفراح وأتراح الناس لتبقى شهادة على الحياة واستحقاق السوريين لها».

بعد التصوير الضوئي انتقل "فارس" إلى عالم الفيديو، والفرق بينهما كبير كما يقول: «ففي الصورة الثابتة قد تأخذ عدة لقطات حتى تقتنع بالصورة النهائية، أما في الفيديو فعليك أن تحسب حساب كامل المشهد، صورت و"منتجت" عدة أغانٍ للتلفزيون السوري وعرضت في مختلف المناسبات، اعتمدت فيها رؤية المشهد ككل متكامل مع الموضوع والأغنية واللحن، حاولت خلق تناسب دائم بين الإيقاع الصوتي والبصري في بناء الأغنية؛ كما حدث مع أغنية (عرس الوطن) التي لاقت انتشاراً واسعاً».

حوار الأجيال

من جهته، يقول المصور الضوئي "عبد الحميد هلال" في "فرخ البط" خاصته: إنه سعيد لأن هناك من حافظ على تراثه من الصور وأضاف لها كثيراً، ويضيف: «تتعرض الأفلام القديمة لخطر الفقدان بسبب الرطوبة أو مختلف العوامل الأخرى، قام "فارس" بتحويلها كلها إلى وثيقة إلكترونية يمكن طباعتها والحفاظ عليها لوقت طويل، في أرشيفي آلاف الصور التي توثق مراحل مهمة تغيرت فيها البلاد، وتوثيقه لأرشيفي أمر أعتز به وأشكره عليه».

شارك الفنان في عدد من المعارض الجماعية للتصوير الضوئي في قريته، ونالت صوره انتشاراً طيباً بين الجمهور، يقول الكاتب والسيناريست "حسن م. يوسف" فيه: «"فارس" هو الوريث الشرعي للفنان الضوئي القدير "عبد الحميد هلال"، فهو ابنه لجهة النسب ولجهة الإبداع، لكن "فارس" لا يكرر إبداع والده الذي كان صياداً محترفاً للضوء، يشارك الطبيعة في صنع الجمال وحفظه، فهو لا يقف عند الحدود التي وصل إليها والده، إذ إنه منفتح على التكنولوجيا الحديثة ويحسن استخدام برمجيات الحاسب لإعادة تنسيق الصورة ولصنعها أحياناً بدلاً من الاكتفاء بالتقاطها، ويمتاز بعين حساسة للجمال محسناً صياغة الكادر واختيار الموضوع ولحظة الالتقاط، إلا أن حضور الحاسب في بعض أعماله يشوش على حضوره كفنان أحياناً، ورغم ذلك، يبقى واحداً من خيرة الفنانين الضوئيين الشباب في "سورية"».