"حسن محمّد محمود"؛ طبيبٌ شعبيّ اهتدى باكراً إلى معالجة الكسور، عندما كان يرعى الأغنام، ثمّ دفعه حبّه لهذه المهنة إلى مُداواة النّاسِ مجّاناً، حيث اكتفى منهم بالابتسامة، والدّعاء بالخير.

مدوّنة وطن "eSyria" التقته في قريته "بسوطر" في ريف "جبلة" بتاريخ 20 تشرين الأول 2014، للحديث عن تجربتهِ في علاج الكسور، حيث ابتدأ حديثه بالقول: «كان عمري 11 عاماً، عندما كنت أرعى قطيعاً من الأغنام، حيث انكسرت رجلُ نعجةٍ، فأرسلني والدي إلى المجبّر العربيّ "حسن أحمد عبّاس بنيّات" في قريةِ "رأس العين" القريبة من قريتنا، وعندما حضر لعلاجها، تابعته وهو يقصّ الصّوفَ عن ساقها، ويخلط البيضَ والصّابون ويدهنها، ثم يثبّتها بواسطة القصبِ والخيوطِ. وبعدَها كَسَرْتُ رجلَ نعجةٍ بطريق الخطأ، وخفتُ من عقابِ والدي، فجمعتُ رفاقيَ في الرّعي، وقمتُ بتكرار ما فعله المُجبّر "حسن"، وعندما شاهدَ والدي النّعجةَ، استغربَ الأمرَ، وسألني عن مجبّرها، فقلت له المجبّر "حسن"؛ فظنّ والدي أنّه مُجبّر "رأس العين"، ولم ينتبه إلى أنّني كنت أقصد، ابنَه المجبّر الصّغير "حسن"؛ لكوننا نملكُ نفسَ الاسم. وبعد 15 يوماً أزلتُ الجبيرةَ، وكانت النّعجة سليمةً».

لقد عالجتُ الكسور غير النّاجحة التجبير، الّتي تُسمَّى عندنا باللهجة العاميّة "مربّاية زغل"، بواسطة أفراخ الحمّام الحديثة الولادة، مُستفيداً من سخونتها، التي تجعل الكسرَ كورقة "الخسّ" في يدي، حيث أمدّه وأعيده إلى وضعه السّابق

وتابع: «أوّل إنسانٍ عالجته هو ابنتي "ناهي"؛ وكان عمرها 7 سنواتٍ حين تعرّضتْ لكسرٍ في معصم يدها اليمنى، وقمتُ في علاجها باستخدام الخطوات السّابقة، لتشفى يدها تماماً بعد أسبوعين، ومنذ ذلك الوقت شاع اسمي كمجبّرٍ عربيٍّ، وكنت وقتها في أواسط العشرينات من عمري، ولا يزال بيتي حتّى الآن عيادتي الخاصّة، التي لا تخلو من مريضٍ، أو طالبِ مشورةٍ كل يوم».

يرتشف شاي التسعين من العمر

وعن المواد الّتي يستخدمها في العلاج قال: «سابقاً استخدمتُ البيض والصّابون والخيوط والقصب والمياه السّاخنة، وكنتُ أعتمدُ في تقييم نجاح العلاج على الإحساسِ الدّاخليّ، باستخدامِ أصابع اليد، وتمسيدِ العظم، ولكن مع تطوّر العلم الطّبّيّ، انتقلتُ إلى استعمالِ المراهم الحديثة، والأخشاب "الدّفّ"، والشّاش، والقطن، وأصبحتِ الصّورةُ الشّعاعيّة أساسيّةً في بدء العلاج، وفي تقييم الحالة الصّحّيّة للعظام المكسورة».

وعن الحالات التي يعالجها قال: «من خلال تجربتي استطعتُ علاج الكثير من حالات الإصابة، حيث عالجتُ كسورَ الأطفال والنّساء والرّجال، ولكنّ أصعب الحالات التي اعترضتني هي إصابة عنقِ الفخذ، وكسرِ الحوض؛ لكونه لا يمكن التحكّم بوضع الجبيرة إلا من جهةٍ واحدةٍ، وتثبيت الرِّجل المُصابة بكاملها، بواسطة أكياسٍ من الرّمل».

"القبيلي" أمام منزله

وتابع: «لقد عالجتُ الكسور غير النّاجحة التجبير، الّتي تُسمَّى عندنا باللهجة العاميّة "مربّاية زغل"، بواسطة أفراخ الحمّام الحديثة الولادة، مُستفيداً من سخونتها، التي تجعل الكسرَ كورقة "الخسّ" في يدي، حيث أمدّه وأعيده إلى وضعه السّابق».

وعن الفائدة المادّيّة من عمله هذا قال: «لي في هذا العمل أكثر من سبعين عاماً، ولم أتقاضَ على أتعابي، سوى شكر النّاس، والدعاء لي بالخير والتوفيق، وطول العمر. لكن هناك الكثيرون من المرضى يجلبون معهم القطنَ والشّاش، وأحياناً أتلقّى الدّعمَ من المقرّبين، ومن مستوصف القرية».

الفنّي الشّعاعيّ "نعيم العلّوني" قال: «لا يلجأ المجبّر "حسن" في رد الكسور إلا عن طريق الصّور الشّعاعيّة الموثقة والصّحيحة، وهو يتعامل مع مركزنا الشّعاعيّ في كل حالاته؛ فالكسور التي هي خارج السّيطرة كالكسور المتبدّلة والمفتوحة، فإنّه يُحيلها إلى اختصاصيّ الجراحة العظميّة، أما باقي الكسور فيقوم بمعالجتها جيّداً وبنسبةِ نجاحٍ عالية، وهو يستطيع أن يقرأ مدلولات الصّورة وأبعادها الجراحيّة، وعموماً، فإنّ الجبيرة العربيّة في الكسور الخفيفة، أفضل من الجبيرة بالجبس، وأكثر راحةً للمريض، ومن ثم الشّفاء الأسرع».

المزارع "عبد الرّحمن مفلح" قال: «يكاد لا يُوجَد كسرٌ في قرى "جبلة" إلا وللمجبّر "القبيلي" لمساته عليه، ومعظم النّاس يثقون بقدرته على العلاج، وأعتقد أنّ سبب ذلك هو صدقه في العمل، وخبرته التي استمدّها من التّجربة، والاحتكاك مع المرضى والأطبّاء. وعلى الصّعيد الشّخصيّ فقد عالج يدي اليمنى، التي تعرّضتْ لكسرٍ في ثلاثةِ أصابعٍ، لأعودَ بعدها للعمل وكأنّ يدي لم تصَبْ بأذى ذات يوم».

يُذكر أنّ المُجبّر العربيّ "حسن محمود" من مواليد قرية "بسوطر"، 1924م.

وهو معروف وشهيرٌ باسم "القبَيْلي".