استطاع د. "سمير نصير" بجهوده إدخال معايير جديدة في دليل التصنيف العالمي المعتمد، كما توصل إلى طريقة لمعالجة ظاهرة "المعاومة" في الزيتون، وفوق ذلك كله، يتابع تقديم شروحات الكنوز الأثرية السورية للعالم منذ سنوات.

هو اليوم واحد من المراجع الرسمية لـ"أكاديمية العلوم والتكنولوجيا ـ جامعة مونبلييه" الفرنسية، الدكتور "سمير نصير" الباحث، والأكاديمي السوري، من مواليد عام 1949، في لقاء مع مدونة وطن eSyria بتاريخ 4 آب 2014، تحدث عن رحلته العلمية والعملية وتجربته الثرية في التعامل مع الشجرة المقدسة.

أنه رجل البحث العلمي بامتياز، لا يترك لك فرصة لغير احترام جهوده الكثيرة الحضور والكثيرة المتعة في آن واحد معاً

يقول: «اختصاصي في تكنولوجيا النبات، وبالدقة في "المعاومة في شجرة الزيتون"، وحالياً أستاذ متقاعد في قسم البساتين، كلية الزراعة بجامعة "تشرين"، وقبل الأزمة كنت خبيراً استشارياً في مكتب الزيتون في محافظة "إدلب"، وخبيراً استشارياً في المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة (أكساد) بـ"دمشق"، التابع لجامعة الدول العربية».

غلاف الموسوعة

بعد تخرجه في "فرنسا"، عاد إلى الوطن ليبدأ رحلته الطويلة مع "الزيتون ومشكلاته"، وأهمها على الإطلاق مشكلة "المعاومة"، يقول: «قد لا يعرف البعض ماذا يعني مصطلح "المعاومة"، وهو: "عدم إنتاج الشجرة للثمار كل عام". وهذه ظاهرة يعرفها الجميع واسمها الشعبي "مَحْل الزيتون"، وقد وصلت في بحث الدكتوراه إلى معرفة أسباب المعاومة دون أن أتطرق إلى الحل، وإن كنت قد تلمست أطرافه، وكان ذلك نهاية العام 1977، ضمن ظروف البحث العلمي والعمل في بلدنا، كانت عملية سبر وتنظيم طريقة حل هذه المعضلة بطيئة، وكنت في هذا الوقت مبتعداً عن المشاركة في أي نشاط علمي كبير أتعرض فيه إلى السؤال أو المناقشة حول موضوع "المعاومة"، لأنني كنت أشعر بنفسي كطبيب شخّص المرض ولكن ليس لديه دواء له، في منتصف التسعينيات تبلورت لدي طريقة حل المعضلة، ولكن ظهرت معضلة أكبر، وهي طريقة نشر الحل للاستفادة منه وخصوصاً أن النتائج العلمية عبارة عن جداول ومنحنيات وتحاليل إحصائية».

كانت هذه النتائج بعد بحث واستقصاء ميدانيين، وعلى كافة المناطق التي تزرع بالزيتون، ولنقل الحلول إلى المزارعين لجأ الدكتور "نصير" إلى الرسوم التوضيحية مترافقة مع الشرح المباشر للمزارعين عبر أيام حقلية لمدة ست سنوات، بعد أن تم اعتماد البحث من قبل وزارة الزراعة، وذلك بالقيام بالأيام الحقلية في ثلاث مناطق من كل محافظة، تطبق فيها طرائق الحل بوجود المزارعين والمهندسين الزراعيين، مترافقة بتوزيع بروشورات ولوحات إرشادية بالصور الملونة عن الموضوع على الجميع.

أحد الشروحات للمزارعين

نشرت نتائج الأبحاث عبر المجلات الأكاديمية المتخصصة، يقول: «خلال سنوات التطبيق الميداني لطرائق الحل، نشرت نتائج بحوثي (بعد أن تأكدت تماماً من نجاعة الحل في جميع الأصناف والمناطق السورية)، وذلك في بحثين محكمين ومعتمدين هما: "البناء التركيبي في شجرة الزيتون – مدخل إلى حل معضلة المعاومة في شجرة الزيتون"، وقد نشرته مجلة "دراسات" التابعة للجامعة الملكية الأردنية. والبحث الآخر بعنوان "أثر وجود الفراغات الخالية من الكتلة الخضرية على الإنتاج في شجرة الزيتون"، وقد نشرته مجلة جامعة تشرين للبحوث والدراسات العلمية».

وانتقل بعد ذلك خطوة إضافية أخرى، تحتاج إلى مؤسسات متكاملة للقيام بها، وهي كتابته منفرداً لموسوعة الزيتون، يتحدث عنها قائلاً: «في البداية فكرت بسلسلة كتب (أجزاء متسلسلة) عن الشجرة، ولكن دون حماس كبير، لأننا مجتمع لا يهوى القراءة فكيف يبحث ضمن أجزاء الكتب عن المعلومة التي يريدها؟ (نحن نهوى أن تصل اللقمة إلى الفم دون عناء)، إضافة إلى شيء آخر خاص بي وهو امتعاضي أثناء القراءة عندما تبرز جملة: "عد إلى الجدول كذا أو الشكل كذا أو الصفحة كذا". كنت أعتبرها تشتيت أفكار، لجأت إلى برنامج "PowerPoint" وصممت من خلاله الموسوعة بعنوان: "شجرة الزيتون ثروة الحاضر والمستقبل"، التي تتضمن الصورة والشرح وذلك عبر سيديين "2CD" وكتيب صغير (30 صفحة) بمنزلة "دليل" تبحث فيه عن عنوان الموضوع وتذهب بعدها إلى الـ"CD" رقم "1" أو "2"، وداخله إلى المحفظة الرئيسة، ثم الفرعية ثم اللوحة أو اللوحات التي تحتاج إلى معرفة مضمونها.

تشكل المكورات في الزيتون

تضمن أول CD دراسات تاريخية وأدبية وفنية وإحصائية وتوصيفية لشجرة الزيتون ومنتجها وزيتها، والثاني تضمن كيفية تأسيس بستان الزيتون والخدمات المطلوبة (ري، تسميد، تقليم) والأمراض والإصابات والوقاية والمكافحة والقطاف، وتخليل الزيتون، وتصنيع الزيت،... إلخ. إضافة إلى البحوث التي نشرتها عن الشجرة والبالغة حوالي 20 بحثاً، وهذه وضعتها وفق برنامجي "Word" و"PowerPoint". استغرق إنجاز هذا العمل (30) شهراً بجهد فردي خاص، ولم أعرضه للبيع، رغم العروض الكثيرة المغرية التي جاءتني، وإنما أهديت نسخاً لأصدقاء مهتمين بشكل جدي».

لم يتوقف نشاط الدكتور "نصير" عند الزيتون ومشكلاته، وبحكم خبرته الكبيرة في اللغة الفرنسية، فقد بدأ منذ فترة بمشروع طموح، يهدف إلى التعريف بسورية التاريخ والحضارة للعالم وبجهد فردي أيضاً، يقول: «أثناء دراستي بفرنسا انتبهت إلى افتخار الفرنسيين بما لديهم من كنوز تاريخية، وراعني أكثر الكتابة المستمرة وحتى الآن عن كنوز بلدنا في الغرب، وفي فرنسا بالذات، حيث الاهتمام كبير، فعملت على متابعة ما ينشر، وزادني حماساً مشروعي الميداني مع وزارة الزراعة؛ حيث كنت أتنقل عبر الطرق الريفية مشاهداً الآثار والقلاع والمدن الأثرية، فكنت أعود دوماً وأوثق ما رأيت وما صورت، وأبحث في الفضاء الإلكتروني عما ينقصني من معلومات كهواية لي تسعدني حين أدخل في متاهاتها، ومنذ فترة أطلقت مشروعي الخاص "أنا سوري والباقي تفاصيل" عبر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، وعرضت فيه الكثير من المعلومات لأوضح كم هي "سورية" غنية، وعلينا الحفاظ على كنوزها وطهارتها، واتسع مجال كتاباتي، فانتقلت إلى كل ما يحمل اسم "سورية" في ذاكرة العالم العلمي، حيث هنالك العديد والعديد من النباتات والحيوانات التي يحمل اسمها العلمي كلمة "سورية"، وانتقل اهتمامي إلى كل ما ينشر من كتب غربية عن "سورية"».

في العلاقة مع الدكتور "نصير" يرى الأستاذ "اسحق العفني" مدير غرفة السياحة في "الساحل السوري" أن ما يقدمه الدكتور "نصير" يرقى إلى أن يكون عملاً مؤسساتياً، ويضيف: «باحث بين السطور يقرأ بين الحرف والنقطة، يغور في بحر العلوم لمعرفة أدق التفاصيل، والأهم أنه لا يبخل بأية معلومة ليقدمها للعموم».

في حين يرى الدكتور "محمد إبراهيم" زميله في كلية الآداب- جامعة تشرين «أنه رجل البحث العلمي بامتياز، لا يترك لك فرصة لغير احترام جهوده الكثيرة الحضور والكثيرة المتعة في آن واحد معاً».

الدكتور "سمير" اليوم يتابع نشاطه دون كلل ولا ملل، "الجد" الذي يتوزع أحفاده حول العالم، يقرأ يومياً، ويقضي أغلب وقته على الشبكة العنكبوتية باحثاً ومتقصياً عن كل معلومة، ولا يزال يفكر بمشاريع جديدة لخدمة "سورية".