مزارع نشيط، عشق الأرض والعمل فيها، فأخلصتْ له كما أخلص لها؛ حيث صنع منها جنته الصغيرة، وبُورِكتْ جهوده الزّراعيّة الباكرة بجائزةٍ تقديريّةٍ في المباريات الإنتاجيّة.

مدوّنة وطن "eSyria" التقت المزارع "إبراهيم الدّخيل" في منزله في قرية "الأشرفيّة"، بتاريخ 25 آذار 2014 للحديث عن تجربته الزّراعيّة وعن جائزته، حيث ابتدأ بالقول: «ولدتُ في بيئةٍ زراعيّةٍ تعيش من مواسمِ الأرض، ودرستُ في مدرسة القرية القديمة لكنّي لم أنل شهادة الثالثِ الإعداديّ، لأتابعَ حياتي بعدها كشابّ مزارعٍ. وفي السّابعة عشرة من العمر توفي والدي لتزداد مهمّتي ومسؤوليّتي نحو أسرتي؛ فأنا الابن الأكبر في العائلة، ومنذ ذلك الوقت أخذتني الزّراعة فزرعتُ "القمح والشّعير ودخان الفرجينيا" في أرضنا التي تبلغ مساحتها 31 دونماً، وفي بداية الثّمانينيات تحوّلت الأرض بكاملها إلى مزرعة "حمضيات"، وتمّ توزيعها على إخوتي، فحصلتُ من الإرث على 17 دونماً حيث زرعتُ فيها ثلاثة أنواعٍ من الليمون فقط "أبو صرّة، كلمنتينا، ماندلينا"، وكانَ كلّ نوعٍ في مكانٍ من الأرض، فلم تكن متداخلة بشكلٍ عشوائيّ، وهذا ما جعل المزرعة تبدو كأنّها حديقة منظّمة».

أنا أعمل في الأرض كعاشقٍ لها حيث أتعطّرُ كما لو أنّني عاشقٌ شابّ يذهب للقاء معشوقته، ويُطلق عليّ بعض أبناء القرية "المزارع الأنيق"

وتابع: «في تلك المرحلة التقيتُ كبار المزارعين في القرية واستمعتُ إليهم واستشرتهم لكونهم أصحاب خبرةٍ، ولكنّ الدّروس الأكثر فائدةً بالنّسبة لي تلقّيتها من المهندس الزّراعي "طارق أبو كفّ" الذي كان يجتمع بمزارعي القرية في مقرّ الجمعيّة الفلاحيّة، وكنتُ أنفّذ تعليماته على مزرعتي، فعرفت أوقات السقاية والسّماد والرّشّ والقطاف والتّقليم بشكلٍ سليمٍ وعلميّ».

المزارع "إبراهيم الدخيل" في منزله مع الكأس وشهادة التقدير

وأضاف "الدخيل": «في نهايات سبعينيات القرن الماضي أسّست الوحدة الإرشادية في قرية "الأشرفية" التي ساهمت في نشر التوعيّة الزّراعيّة بين الفلاحين، فزاد الاهتمام بالزراعة. وفي سنة 1988 ترأسَ المهندس الزّراعي المرحوم "جهاد هدلا" الوحدة، وفي إحدى جولاته على مزارع الليمون فوجئ بنظافة بستاني وهندسته وطريقة تقليمي للأشجار؛ حيث كانت مقلّمة بطريقةٍ واحدةٍ، وترتفع الأغصان عن الأرض مسافة 70 سنتيمتراً لكي لا تلامس التراب وتتعفن بسبب ثقل حبّات المطر، إضافة إلى كبر حجم الثمرة. وعندما رأى هذه العناية نصحني بالمشاركة في المباريات الإنتاجيّة لمصلحة القرية، التي كانت تتمّ كلّ عام وكانت المنافسة على مستوى المحافظة. وفي عام 1989 شاركت فعلاً في هذه المسابقة، وكان التقييم النّهائيّ عبر مجموعةٍ من اللجان المُرسلة من قبل مديريّة الزّراعة برفقة المصوّرين، وعندما لاحظت اللجنة جمال مزرعتي الخالية من الأعشاب، التي كانت أشجار النّوع الواحد تبدو كأنّها شجرة واحدة، قرّرت منحي الجائزة كأفضل مزرعةٍ في "معرض الحمضيات الحادي عشر"».

وأوضح حول التقدير الذي ناله: «تمّ تكريمي في مديريّة الزّراعة، ونلتُ كأساً وشهادة تقديرٍ وثلاث خلايا من النّحل، ولكنّ الجائزة الأهمّ بالنّسبة لي هي جائزة التّشجيع ورفع المعنويّات؛ حيث أحببتُ عملي أكثر، وشعرتُ بأنّ هناك من يهتمّ بتعب المزارعين وإن كانوا في مناطق بعيدةٍ. وبعد الجائزة أصبحت تجربتي مهمّةً لمزارعي القرية الذين أصبحوا يستشيرونني ويستفيدون من خبرتي، وبعد ذلك تطوّرت زراعتي حيث أقمتُ مجموعة من البيوت البلاستيكيّة لزراعة "البندورة"، وزرعت أنفاق "الباذنجان والكوسا"، وربّيتُ الأبقار والدّواجن والنّحل حيث تمّ تحقيق نقلة نوعية على الصعيد الاقتصادي للأسرة لتأخذ بعد ذلك الأرض وقتي كلّه فأنا أستيقظ باكراً وأذهب إلى الحقل ولا أعود إلى البيت إلا لتناول وجبات الطّعام أو استقبال الضّيوف».

مزرعة ليمون حديثة

وختم حديثه بالقول: «أنا أعمل في الأرض كعاشقٍ لها حيث أتعطّرُ كما لو أنّني عاشقٌ شابّ يذهب للقاء معشوقته، ويُطلق عليّ بعض أبناء القرية "المزارع الأنيق"».

المزارعة "أمل مرهج" قالت: «أنا شريكته في الحياة والعمل، ومنه تعلّمت كيف أحبّ الزّراعة كثيراً، فهو يعطيها من قلبه وروحه ويعمل بنشاطٍ وصدقٍ، ولا ينتظر أيّ شيءٍ ودائماً يقول لي: "الله الرزّاق"».

الكأس الذي ناله في معرض الحمضيات الحادي عشر

جاره وصديقه المهندس الزّراعي "ياسر أبو غبرة" قال: «سرّ نجاح "إبراهيم" هو تجربته العمليّة حيث يزرع ويفشل، ويعيد المحاولة لينجح من جديد معتمداً في ذلك على نفسه حيث يمتاز بالنّفَس الطّويل في العمل الزّراعيّ لأنّه يستمتع به ولا يعدّه وسيلةً للعيش فقط. وأعتقد لو أنّنا نملك مجموعةً من المزارعين مثله لتطوّر الوضع الاقتصاديّ في قريتنا».