مع زيادة أعباء تكاليف العلاج التي أثقلت كاهل العديد من الأسر الفقيرة، خصوصاً أجور معاينات الأطباء، اتّجه كثير من الأطباء نحو العمل الخيري في مبادرات لعلاج المرضى مجاناً.

هي تجربة تكررت في أكثر من منطقة على امتداد الجغرافية السورية، وسنكون في لقائنا التالي مع إحدى هذه المبادرات التي أطلقها الطبيب "مصطفى الفار" من مدينة اللاذقية، حيث أسس عيادة خيرية في منطقة الرمل الفلسطيني، بهدف مساعدة المرضى الفقراء والمحتاجين، بالإضافة لطرح برامج طبية تشمل أفراد الأسرة كافة بأسعار رمزية لتخفيف الأعباء عن المرضى ومراعاة لظروفهم المادية الصعبة.

برزت فكرة العمل الخيري منذ سنوات عدة، فقد عملت بالمجال الإنساني مع الجمعية السورية الخيرية لأورام الثدي في "اللاذقية" ما يقارب عاماً كاملاً خلال فترة الحرب، كما عملت بعد عودتي إلى "سورية" على تأسيس مشروع خيري لأهل المخيم خاصة والناس عامة

رحلة ما بعد اللجوء

رحلة الطبيب "مصطفى الفار" يرويها في حديث لمدوّنة وطن بقوله "والداي من "فلسطين"، استقر بهما الحال بعد النكبة في "اللاذقية"، حيث كان عمرهما آنذاك ست سنوات، عاشوا وتربوا فيها، وأنا مثلهما عشت هنا ودرست الابتدائية والإعدادية في مدارس "الأنوروا" بالمخيم، والأول والثاني الثانوي في مدرسة "عدنان المالكي" في "اللاذقية"، انتقلت بعدها إلى" الإمارات العربية المتحدة" حيث كان يعمل والدي ودرست الثانوية العامة فيها، ثم بدأت دراسة الطبّ عام 1983 في جمهورية "الهند" الديمقراطية لمدة سبع سنوات».

د. مصطفى الفار

ويضيف: «عدت بعد ذلك إلى "سورية" وأديت الخدمة الإلزامية، وبعدها سافرت إلى "دولة الإمارات" حتى عودتي إلى "سورية" نهاية 2009، حصلت بعدها على وظيفة طبيب عام بمديرية الصحة في "اللاذقية" في قسم الإسعاف بالمستشفى الوطني، ثم انتقلت منذ عام إلى مستوصف "العائدين" الطبي».

فكرة العمل الخيري

بذرة العمل الخيري التي دأب والداه على زرعها بين أفراد العائلة َنضجت لتثمر عيادة خيرية في المخيم الذي عاش فيه، وهنا يتحدث د."الفار" قائلاً: «برزت فكرة العمل الخيري منذ سنوات عدة، فقد عملت بالمجال الإنساني مع الجمعية السورية الخيرية لأورام الثدي في "اللاذقية" ما يقارب عاماً كاملاً خلال فترة الحرب، كما عملت بعد عودتي إلى "سورية" على تأسيس مشروع خيري لأهل المخيم خاصة والناس عامة».

د. مصطفى في الجمعية السورية الخيرية لأورام الثدي

ويضيف: «تبلورت فكرة العمل منذ ستة أشهر تقريباً، بعيادة خيرية تقدم خدمات طبية منوّعة مجانية، وأخرى رمزية جداً وهي عيادة خيرية ليست ربحية وبدعم من أخي المغترب في "الإمارات" وذلك وفاءً وعرفاناً لوالدينا ومراعاة لأهلنا بالرمل الفلسطيني وسكان المدينة وخاصة الفقراء منهم، وأولئك الذين تركت الحرب عليهم آثارها القاسية».

ويتابع الطبيب حديثه بالقول: «عملي في قسم الإسعاف بالمشفى الوطني جعلني على تماس مباشر مع تلك الطبقات الفقيرة والوسطى وعلمت بمعاناتهم، ما دفعني لتبني هذه الفكرة التي قمت بتطبيقها على مستوى مدينة "اللاذقية" على أمل أن أعممها في مدن عدة بناء على حاجة أولئك المحتاجين، فقد جرّبت الفكرة في مدينتي "الحفة" و"الدريكيش"، ولكن العائق المادي كان أصعب وأكبر من تطبيق المبادرة».

عطاف قرطيش

خدمات طبيّة منوّعة

يقدم د."الفار" في عيادته الخيرية حسب قوله: «خدمات الطبّ العام وتخطيط قلب وإيكو داخل العيادة، وهناك مبادرات مجانية من بعض العائلات والأصدقاء داخل وخارج الوطن لمعالجة المرضى مجاناً، كما نقوم بوضع برامج طبية شهرية وسنوية تشمل أفراد العائلة كافة بأسعار رمزية، وهذه البرامج حازت على دعم من المتبرعين لتقديم العلاج مجاناً، وأصبح المرضى يأتون من معظم مناطق "اللاذقية" لتلبية حاجتهم في العيادة التي أطلقت عليها اسم مركز العائلة الطبي الخيري، والسعي مستمر لتطوير العيادة لمركز طبيّ يشمل اختصاصات عدة»، ويضيف: «كان دعاء المرضى الدائم لي يرافقني ويصل إلى كل متبرع، وكان حافزاً دائماً للاستمرار والعمل وتحقيق أمنية والدي.

معاينة بـ500 ليرة

مديرة جمعية "نحن لبعض" أخصائية تخاطب ونطق "عطاف قرطيش" تقول: «يركز الطبيب "مصطفى الفار" في مهنته على الجانب الإنساني، فقد استطاع مدّ يد العون لكل مريض محتاج أو فقير، وهو كريم ومعطاء لا يكترث للجانب المادي فهو يعالج أغلب المرضى مجاناً، كما أن أجور المعاينة لديه لا تتجاوز خمسمئة ليرة سورية، وعمل على تخفيف أعباء الحياة الصعبة عنهم بافتتاح عيادته في حيّ شعبيّ، حيث يقصده الكثيرون ممن لم تسعفهم الظروف على تحمل أجور الطبابة العالية.. قمت بزيارته بهدف التنسيق لعمل مشترك مع جمعية "نحن لبعض" بما يخص كشف وفحص وعلاج الأطفال وأسرهم ضمن الجمعية».

من الفقراء ولهم

أما الطبيب "محمد نجار" طبيب إسعاف وداخلية عامة قال عنه: «تربطني به زمالة عمل قديمة في المستشفى الوطني في "اللاذقية"، فقد عرفته إنساناً بكل معنى الكلمة محباً لعمله ومرضاه الذين ينتمون في معظمهم للطبقات الفقيرة فكان منهم ولهم، حيث كرّس جزءاً كبيراً من وقته لعيادته وعمله وليس غريباً عنه أن يكمل مسيرته بهذا المشروع الخيري والإنساني الذي يحقق الفائدة الجماعية، فكانت له بصمته الخيّرة في هذا المجال».

الجدير بالذكر أنّ الطبيب "مصطفى محمد الفار" من مواليد "حي القدس" الجزء الأقدم من الرمل الفلسطيني التابع لمدينة "اللاذقية" عام 1964.