جعل من مقاعد الدراسة في كلية الزراعة بجامعة "تشرين" قاعدة انطلق منها نحو التفوق الدراسي والتحصيل العلمي، وبين عدة دول وجامعات مختلفة أغنى مسيرته العلمية بالكثير من الجوائز والشهادات.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 6 كانون الأول 2018، مع الباحث المهندس "خلدون علي"، ليحدثنا بالقول: «دخلت كلية الزراعة في جامعة "تشرين" عام 2004، رغبة مني وبتشجيع من أهلي، خاصة أن والدي يعمل بالمجال الزراعي ولديه خبرة واسعة بالأمور المتعلقة به، وكانت ميولي بالعموم باتجاه العلوم البيولوجية عموماً، ودراسة الكائنات الحية بأنواعها المختلفة خصوصاً، وبعد دراسة علم الحيوان في السنة الأولى والتعرّف إلى الدكتور "سليمان إحسان" قررت أن أتخصص بمجال وقاية النبات، ثم متابعة الدراسات العليا كالدبلوم والماجستير باختصاص علوم الحشرات، فقد تخصصت بمجال وقاية النبات، وأنهيت المرحلة الجامعية عام 2009، وتخرّجت بالمرتبة الأولى، وتمّ تكريمي ومنحي جائزة "الباسل" للخريج المتفوق من قبل رئاسة الجامعة، ولأسباب إدارية لم يتمّ تعيين كل الخريجين الأوائل؛ وأنا منهم، في ذلك العام كمعيدين في الكلية بغرض إيفادهم لاحقاً للحصول على المؤهل العلمي المطلوب، ثم العمل في الجامعة فيما بعد، فكان لا بدّ من شقّ طريقي بنفسي من خلال المنافسة للحصول على قبول ضمن برامج المنح الدراسية البريطانية والأميركية، كان الأمر صعباً، خاصة أنه يتم اختيار طالب واحد من بين كل المتقدمين من أرجاء العالم كافة، وكخطوة أولى سجلت بدرجة الماجستير في قسم وقاية النبات من كلية الزراعة باختصاص تصنيف الحشرات، وخلال تلك المدة كان عملي في مخبر علم الحشرات مع الدكتور "سليمان إحسان"، استمرت تلك المرحلة قرابة خمس سنوات اكتسبت خلالها خبرات مهمة بالجانب التدريسي، وعملي البحثي خلال تلك السنوات تركز حول حصر وتصنيف أنواع الخنافس ذات القرون الطويلة في المنطقة الساحلية بـ"سورية"، وقمت بالتعاون مع بعض الخبراء الأوروبيين من خلال المراسلات المتعلقة بالنتائج التي توصلت إليها، وبالنتيجة تمكنا من تدقيق كل نتائج العمل على مستوى "سورية" والشرق الأوسط، ثم على المستوى العالمي، وسجلنا بالمحصلة وجود أحد عشر نوعاً جديداً لأول مرة في "سورية"؛ من خلال نشر نتائج البحث ضمن مقالين علميين بمجلة "Biodiversity" العالمية، واعتمدت نتائج البحث لاحقاً ضمن قاعدة البيانات الدولية لأنواع الحفارات ذات القرون الطويلة المسجلة في العالم، ومع الأسف توفى الدكتور "سليمان" قبل نشر المقال الأول بمدة قصيرة؛ وهذا كان خسارة كبيرة لي على الصعيد الشخصي، وللكلية على الصعيد الأكاديمي».

أظنّ أننا في "سورية" نملك كل الإمكانات للارتقاء بالبحث العلمي للمستوى العالمي، لكن بعض المشكلات تكمن في أن الجامعات تعاني نقصاً كبيراً بالمراجع العلمية خصوصاً في ظل غياب وجود اشتراكات بالمجلات والدوريات العلمية الكبرى غير المتاحة مجاناً، نحتاج إلى الابتعاد عن الأسلوب الذي يعتمد طرائق التلقين والحفظ، وتشجيع الطرائق التي تقوم على البحث عن المعلومة وتقييمها، ثم ربطها ومكاملتها مع غيرها من المعلومات؛ ليصار إلى بناء المعرفة بأسلوب نقدي وليس حفظياً بحتاً

ويتابع: «فكرة الدراسة في الخارج كانت بالحقيقة موجودة منذ البدايات، فقد بدأت تعلّم اللغة الإنكليزية من عمر الخامسة بتوجيه وتشجيع الأهل، واستمر الاهتمام على هذا النحو حتى نهاية دراسة الماجستير في "سورية"، ثم انتقالي إلى "بريطانيا"، خلال تلك السنوات الطويلة درست الإنكليزية البريطانية والأميركية والأسترالية. أما البداية الفعلية للمسيرة العلمية خارج القطر، فكانت في "لبنان"، ففيه تقدمت لكافة الامتحانات المعيارية الدولية الخاصة باللغة الإنكليزية، واختبارات الكفاءة الخاصة بالقبول ضمن برامج الدراسات العليا في الجامعات البريطانية والأميركية، وهي ذات المدة التي كنت أدرس خلالها الماجستير في "سورية"، اجتزت كافة الامتحانات بتفوق، وهذا التفوق -إلى جانب الجودة العالية للعمل الذي أنجزته خلال دراستي للماجستير في "سورية"- مكنني لاحقاً من الحصول على قبول ضمن منح لمتابعة التخصص في العديد من الجامعات البريطانية العريقة؛ اخترت منها جامعة "هاربر آدامز" التي كانت الأنسب لاختصاصي، وبالفعل انتقلت إلى "بريطانيا" وباشرت دراسة التخصص في تلك الجامعة بعد إنهائي الماجستير في "سورية"، ونظراً لكون الجامعة التي اخترتها هي الأهم في مجال علوم الحشرات والمكافحة الحيوية في "بريطانيا وأوروبا"، فقد كانت المنافسة شديدة، والانتقال إلى مرحلة الدكتوراه سيكون من نصيب الأوائل فقط، ولا مكان للحلول الوسط، وبالمحصلة أنهيت دراسة الماجستير خلال عام واحد، وتخرّجت بدرجة امتياز وبالمرتبة الأولى، ولكوني الخريج الأول قامت الجامعة بترشيح اسمي إلى عدة منح خاصة بمتابعة دراسة الدكتوراه في "بريطانيا" وعدد من البلدان الأخرى كـ "الدنمارك، وكندا، والولايات المتحدة"، وكان القبول الأول من "كندا" باختصاص حديث ومهم عالمياً، وعليه قررت الانتقال إلى "كندا" لمتابعة التخصص والحصول على الدكتوراه، وقبل مغادرتي "لندن" تم تكريمي ومنحي عضوية ضمن "الجمعية المليكة البريطانية لعلوم الحشرات" وجمعية "علوم أمراض الحشرات الأميركية"، إضافة إلى اختياري للحصول على جائزة "الامتياز العلمي" لعام 2016 من قبل "الجمعية الملكية" في "لندن"، وبدأت دراسة الدكتوراه في جامعة "ساسكاتشوان" في "كندا" في بدايات عام 2017، حيث حصلت على منحة دراسية بأحد التخصصات الحديثة، وتخصصي الحالي في مجال دراسة دور المركبات الكيميائية النباتية في تحديد سلوكيات اختيار الفريسة عند المفترسات الحشرية في النظم البيئية الزراعية، ونظراً إلى قلة المختصين بهذا المجال، يمكنني القول إنني من بين الباحثين الشباب القلائل العاملين في هذا المجال على مستوى العالم حالياً، هذا الأمر مهّد لي الطريق للانتساب إلى مزيد من الجمعيات العلمية، منها جميعة "علوم الحشرات الأميركية"، وجمعية "علوم النبات الأميركية"، وجمعية "علوم الحشرات الكندية"، و"الجمعية الدولية لعلوم الكيمياء البيئية"، وخلال العام الأول من عملي في الدكتوراه توصلت إلى العديد من النتائج المهمة، كما أن تفوقي بالمقررات الدراسية ساهم بترشيحي للجائزة الذهبية لأبحاث الدكتوراه في علوم النبات، التي حصلت عليها منتصف صيف عام 2018، وخلال ذات المدة تم اختياري لجائزة أخرى بناء على الأداء الأكاديمي الذي أبديته في عملي ودراستي منذ التحاقي بالجامعة، وخلال تشرين الثاني الماضي تم تكريمي من قبل عمادة كلية الزراعة في جامعة "ساسكاتشوان"، وتسلّمت شهادة الامتياز العلمي لعام 2018 أيضاً، كما تلقيت دعوات عديدة للمشاركة في عدد من المؤتمرات العلمية في "أوروبا والولايات المتحدة"».

تسليم جائزة الجمعية الملكية البريطانية لعلوم الحشرات صيف 2016 في "برمنغهام"

ويختتم بالقول: «أظنّ أننا في "سورية" نملك كل الإمكانات للارتقاء بالبحث العلمي للمستوى العالمي، لكن بعض المشكلات تكمن في أن الجامعات تعاني نقصاً كبيراً بالمراجع العلمية خصوصاً في ظل غياب وجود اشتراكات بالمجلات والدوريات العلمية الكبرى غير المتاحة مجاناً، نحتاج إلى الابتعاد عن الأسلوب الذي يعتمد طرائق التلقين والحفظ، وتشجيع الطرائق التي تقوم على البحث عن المعلومة وتقييمها، ثم ربطها ومكاملتها مع غيرها من المعلومات؛ ليصار إلى بناء المعرفة بأسلوب نقدي وليس حفظياً بحتاً».

الدكتور "ميلاد يوسف" الموفد إلى "إسبانيا" للحصول على الدكتوراه، عنه يقول: «قضينا خمس سنوات معاً، لكن سنوات الاختصاص في قسم وقاية النبات كانت الأكثر أهمية لأعرف "خلدون" الذي أطلق عليه صفة "العالم"؛ لكونه يمتلك كمية واسعة من المعلومات، وقد قرأ كتباً كثيرة في مجاله وغيره، وما يميزه أنه كان في كلية الزراعة طالباً لا يخفى على أحد شغفه بالفرع الذي يدرسه، ولم يحالفه الحظ كغيره من الأوائل في فرصة الإيفاد إلى الخارج، لكنه لم ييأس أبداً، فاستطاع الحصول على منحة في "بريطانيا" تعطى سنوياً لعدد قليل من الطلبة، ومكّنته مؤهلاته من إقناع الجميع لتنهال عليه فيما بعد عروض المنح للدكتوراه من دول مختلفة، وبالمجمل شبابنا السوريون يتألقون في شتى الميادين، لما يمتلكونه من عزيمة وإصرار على التفوق والنجاح».

"خلدون علي" في "لندن"

يذكر، أن الباحث المهندس "خلدون علي" من مواليد محافظة "اللاذقية"، عام 1986.

صورة تذكارية من أحد التكريمات