كان في مقتبل العمر عندما غادر وطنه سعياً في طلب العلم متجهاً نحو "بلغاريا" لكي يتلقى علوم الطب، واختار طب الأمراض العصبية اختصاصاً له في عمله كردة فعل على وفاة والده في هذا المرض معيداً الأمل للكثيرين بالعودة إلى مزاولة حياتهم بشكل طبيعي، دون أن تنال الغربة من أصالة السوري الذي يسكنه.

وللاطلاع على تجربة الطبيب السوري المغترب "سعد خدام" مدونة وطن eSyria التقته خلال زيارته إلى وطنه الأم سورية في 10/10/2012/، حيث قال: «بدأت تجربتي مع الطب في العالم /1986/ عندما سافرت إلى "بلغاريا" بقصد الدراسة وبقيت هناك /9/ سنوات عدت بعدها إلى بلدي الجميل "سورية"، وعملت في محافظة "ادلب" لمدة عامين قبل أن أختص في طب الأمراض العصبية وأسافر إلى "فرنسا"، حيث التطور العلمي والبحثي هناك».

"سعد" طيب وحنون ومحب لبلده ولعمله وأنا فخورة جداً به وأتمنى له الحظ والتوفيق من الله سبحانه وتعالى وأتضرع دائماً إلى الله بأن يمن عليه بالرضا ويحفظه ويحثه أكثر على عمل الخير

وأردف قائلا: «اختياري للأمراض العصبية لم يأت من فراغ وانما جاء نتيجة وفاة والدي بهذا المرض وعدم قدرة الأطباء على تشخيصه حينها، ما دفعني لدراسة الطب ومعالجة جميع حالات الأمراض العصبية متخصصاً في علاج الأمراض الوعائية العصبية كالجلطات والنزوف الدماغية، متأملاً أن يكون لدي القدرة على إعادة الكثيرين إلى مزاولة حياتهم بشكل طبيعي».

الدكتور "سعد خدام"

واجه الدكتور "سعد" العديد من الحالات الحرجة ضمن اختصاصه كطبيب عصبي حيث قال: «اعترضتني حالات عديدة لشباب وشابات تعرضوا لأمراض وعائية عصبية، وكان لي الشرف الكبير بعلاجهم بالوقت المناسب عن طريق إعطائهم "حالاّت خثرة" تساعدهم على الشفاء بسرعة والعودة لمزاولة حياتهم الطبيعية كالسابق حائلاً دون وقوعهم في العجز الدائم».

وأضاف: «الأطباء السوريون في الخارج مبدعون، وهم محط احترام الجميع واعجابهم نظراً لنجاحم في عملهم، لكن هذا النجاح ليس وليد المصادفة وانما له مسببات عدة في مقدمتها توافر كافة الظروف المساعدة على الإبداع، وعلى سبيل المثال فرنسا تقدم للطبيب كل الامكانيات والتسهيلات التي تجعله يستطيع تقديم كل الخدمات العلاجية التي يحتاجها المريض، وكل طبيب ينال ثناءً يتناسب مع المجهود الذي يبذله والنجاح المهني الذي يحققه. فرنسا تهتم بالطب والأمراض مثل سورية، التي تخصص لهما ميزانية ضخمة كفيلة في جعل مستوى الطب في سورية يضاهي فرنسا في حال تم استثمار الكوادر البشرية السورية بطريقة صحيحة ووضع الشخص المناسب بالمكان المناسب، واعطاء كل ذي حق حقه بحيث يكون الثواب على قدر المشقة والتميز».

مع زوجته

وتابع: «من حكم تجربتي في المغترب ومعرفتي لعدد كبير من الأطباء أبناء وطني أستطيع ان أؤكد أن أغلبيتهم الساحقة على استعداد للعودة الى الوطن ووضع خبراتهم في خدمته في حال وفرت لهم الظروف المناسبة وباجور مناسبة للوضع في سورية».

ثم قال: «نحن الآن نعيش على جزيرة فرنسية في البحر الكاريبي ضمن جالية سورية قديمة بسيطة ليس لها علاقات معقدة، وهناك قسم كبير منهم تأقلم بشكل مميز مع الحياة هناك وعاش حياة كريمة وبدخل جيد، هؤلاء تركوا صورة جميلة عن السوريين سواء بعاداتهم وتقاليدهم أم بالتزامهم الأخلاقي والعلمي الذي كان له بالغ الأثر على نفس الفرنسيين شيباً وشباناً، فتربطنا بالفرنسيين علاقات اجتماعية طيبة من خلال الزيارات المتبادلة وقد عبروا لي عن حبهم للأكل السوري وللحكايات السورية والتواصل الاجتماعي الذي تضرب بأواصره المترابطة الأمثال، بالإضافة إلى حبهم لشخصيتنا وخصالنا العربية المتجذرة بالأعماق بعد نقلنا لهم أصالة بلدنا وحضاراتنا القديمة العريقة التي نفخر بها».

مهما ابتعد المواطن عن وطنه يبقى الوطن ساكناً في روحه، هذا ما يؤكده الدكتور "سعد" حيث قال: «أعيش في فرنسا جسداً، ولكن روحي هنا في قريتي التي سكنتني دافعة بي للعودة دائماً إلى بلدي كل ستة أشهر رغم التكاليف المالية الباهظة، ولكن ثمن الشوق يبقى اقسى وأشد وطأة، فأنا أعشق بلادي بكل مفرداتها الطبيعية والبشرية، واعبر عن حنيني وتعلقي بها بقراءة شعر المهجر, واستطيع تلخيص غربتي في بيت الشعر التالي: "وطني ما زلت ادعوك أبي / وجراح اليتم في قلب الولد"، فأنا هناك أعيش على أمل العودة لأحضان قريتي وأنعم بالسكينة تحت سقف وطني الجميل سورية».

السيدة "فاديا درويش" زوجة الدكتور "خدام" قالت: «لم تتمكن الغربة من تغير "سعد" فهو لا يزال محافظاً على التفاصيل الصغيرة منذ طفولته وبحكم ظروف معيشته في الخارج فقد زادت الأشياء العملية في حياته, ولكنها لم تتمكن من محو ما علق بجدران قلبه من حنين وتعلق بالأرض والأهل والتراث البسيط الذي لا يقدر بثمن. زوجي يحمل هموم المرضى ويطمئن عليهم دائماً ويواكب تطور حالاتهم حتى عندما يكون في المنزل، وهو إنسان حنون جداً ومحافظ على أخلاقه التي تربى عليها».

والدته "بدرا خدام" قالت: «"سعد" طيب وحنون ومحب لبلده ولعمله وأنا فخورة جداً به وأتمنى له الحظ والتوفيق من الله سبحانه وتعالى وأتضرع دائماً إلى الله بأن يمن عليه بالرضا ويحفظه ويحثه أكثر على عمل الخير».

الدكتور "صلاح فارس" وهو من المطلعين على تجربة "خدام" قال: «سعد طبيب ذكي ومثابر أحب المهنة حتى قبل أن يعلم بها ووضع نصب عينيه التميز، قدم الكثير من الأبحاث العلمية والطبية التخصصية في طب الأمراض العصبية، هذه الأبحاث أهلته للعمل في الخارج وفتحت الطريق أمامه للعمل في أوروبا واثبات قدراته وكفاءته العلمية التي نحن بأمسّ الحاجة لها في سورية».

يذكر أن الدكتور "سعد خدام" من مواليد اللاذقية في العام /1968/.