مع اقتراب شهر أيلول من نهايته، يحذر صيادو السمك في الساحل السوري من نوءة بحرية تأتي شديدة تحدث الأذى للصيادين المبحرين، في المقابل ينتظر أمطارها مزارعو الزيتون، فهي وحدها تؤذن لهم بجني المحصول.

في موعدها جاءت نوءة "الصليب" هذا العام، ابتداءً من يوم الخميس 25 أيلول 2014، بدأت رياح قوية تهب على الساحل السوري مع أمطار خفيفة بدأت خجولة، ما لبثت أن اشتدت في اليوم الثاني والثالث، وحتى اليوم الرابع من العاصفة، بقيت الفلك راسية في ميناء الصيد والنزهة "اليوغوزلافية" شمال مدينة "اللاذقية" ولم يخرج أي منها إلى البحر، بل انصرف الصيادون إلى أشغال أخرى، في حين ينتظر الفلاحون التحضير لإزالة الأعشاب من أسفل أشجار الزيتون تحضيراً لقطافه.

تعد كل من "التصليبة" ونوءة "الصليب" بداية فصل الخريف وفيها يزدهر الصيد، إذ يتغير بعدها اتجاه الرياح ليصبح شرقياً مع فترة هدوء تجعل البحر ساكناً تماماً، هذا التغيير يجعل السمك أكثر تواجداً وشراهة ما يجعل الصيد أوفر

ولأنها حدث مفصلي يغير أنماط العمل بشكل عام عند كل من الصيادين والفلاحين كل على حدة؛ اختارت مدونة وطن "eSyria" الوقوف على هذه الظاهرة عند هاتين الفئتين الفاعلتين في المدينة وريفها.

جمال حمادة

الريس "جمال حمادة" صياد عتيق قضى قسطاً كبيراً من حياته بين الأمواج التقته المدونة، فأكد أن هذه العاصفة منتظرة وفي موعدها: «هذه هي نوءة الصليب وهي في موعدها تماماً، وبشكل عام يمكن أن تتأخر أو تتقدم يوماً أو يومين من سنة لأخرى، ويمكن أن تأتي ضعيفة لدرجة لا نشعر بها -كما حدث في العام الماضي- أو تأتي قوية فيها رياح شديدة وخطرة على الصيادين، لذلك يخشاها الصيادون ويتحسبون لها. ونعرف كثيراً من الفلك غرقت لصيادين كانوا يبحرون فيها، ويجب أن نميز بينها وبين "التصليبة" التي تحدث في منتصف شهر أيلول، في تلك، تبرق السماء وترعد من الجهات الأربع مترافقة مع مطر كما حدث هذا العام، ولكن لا تصاحبها رياح شديدة كما في نوءة الصليب».

لحدوث نوءة الصليب أهمية عند الصيادين فعلى الرغم من أنها تمنعهم من الصيد لثلاثة أو أربعة أيام إلا أنه في الأيام التي تليها؛ وطوال شهرين أو ثلاثة، يزداد السمك ويصبح موسماً جيداً للصيد، وعن سبب ذلك يقول "حمادة": «تعد كل من "التصليبة" ونوءة "الصليب" بداية فصل الخريف وفيها يزدهر الصيد، إذ يتغير بعدها اتجاه الرياح ليصبح شرقياً مع فترة هدوء تجعل البحر ساكناً تماماً، هذا التغيير يجعل السمك أكثر تواجداً وشراهة ما يجعل الصيد أوفر».

رمان ما بعد الصليب

ليس بعيداً كثيراً عن الشاطئ يتفاءل مزارعو الزيتون بهذه العاصفة الممطرة، فهي عندهم أيضاً تعني الانتقال إلى موسم جديد، وهي تحديداً تمثل الإيذان بقطاف الزيتون.

المزارعة "منيرة شهرة" ولدت لعائلة تجيد العناية بهذه الشجرة، وتعرف كثيراً عن آليات الزراعة والقطاف، وربطها بالمناخ، تحدثنا عن أهمية المطر في هذا الوقت من العام، فتقول: «لا يصح قطاف الزيتون إلا بعد أن يسقى بالمطر، فنحن لا نسقي الزيتون بل هو "عدي" يحتاج إلى ماء السماء، والمتعارف عندنا هنا في "اللاذقية" أننا نقطف الزيتون في شهر تشرين الأول بعدما يسقى بماء المطر، وإن لم تهطل الأمطار في الصليب فهذا سيؤذي موسم الزيتون بشكل كبير».

أشجار زيتون الساحل السوري

تربط "شهرة" حدوث أمطار "الصليب" بتغيرات كبيرة في الطقس، فتقول: «في ثقافتنا يرتبط عيد "الصليب" بتغير في المناخ وظواهر في الطبيعة، فعندما يصلب الصليب يبرد الطقس، ومن مؤشرات الصليب أن ثمرة الرمان تصبح نصفين وبعد الصليب تيبس الخضراوات وتعشف الأرض وتصح الفلاحة، ذلك لأن الريح تصبح شرقية ويتوقف هبوب الهواء الرطب، هذا هو الخريف».

يتطابق موعد النوءة مع عيد "الصليب" الذي تحتفل فيه الطوائف المسيحية التي تتبع التقويم الشرقي، وهو ظاهرة مفصلية عند الكائنات جميعها التي يتغير سلوكها، ابتداء من السمك في البحر وصولاً إلى الأشجار، وحتى الأبقار في المزارع، ونورد هنا ختاماً مثلاً شعبياً قديماً ذكرته الباحثة "فريال سليمة الشويكي" في كتابها "كنوز منسية" يقول: "بأيلول ديروا بالكن من عوجات القرون".