في الماضي القريب كان العرض المسرحي يشكل حدثاً ثقافياً يشغل الصحف والمجلات ويتصدر صفحاتها وينتقل إلى المقاهي والسهرات فيصبح حديث الناس، وفي مطلع التسعينيات بدأ المسرح السوري يفقد ألقه ويفقد جمهوره وصولاً إلى العام /2010/ الذي انقسم فيه المسرحيون حول واقع المسرح فمنهم من يجد أنه مازال يشكل حالةً ثقافية ومنهم من يحمل مسؤولية تراجعه إلى المخرجين الذين احتكروا العرض المسرحي بإعدادهم وإخراجهم وتمثيلهم له.

ومن النقاد من اعتبر غياب النص المسرحي المعاصر سبباً في فقدان المسرح لهويته وهناك من يرى أن المسرح لم يستطع مجاراة العولمة فسقط في فخها وأخيراً ظهر رأي جديد يقول إن المسرح السوري لم ينشأ بعد وأننا مازلنا في مرحلة التأسيس له.

إذا كانت العولمة في أحد جوانبها السلبية تسعى للقضاء على الهوية والخصوصية المحلية لأي أمة، فمن المؤكد أنها في جانبها الإيجابي تساهم في انتشار المسرح وتبادل الخبرات، من خلال التثاقف والحوار الثقافي المستمر بين الثقافات والحضارات المتعددة

موقع "eSyria" بحث واقع المسرح مع مسرحيي محافظة "اللاذقية" الذين اتجهوا اتجاهات مختلفة في تقييمهم لواقعه، والبداية كانت مع الفنان "حسين عباس" نقيب فناني "اللاذقية" حيث قال: «نعم، مازال المسرح حالة ثقافية وسيبقى حالةً ثقافية لكن تأثيره لم يعد ذاك التأثير الذي كان منتشراً في الماضي والسبب غياب الجمهور، أما موضوع النص المسرحي فهو موضوع شائك وكثر الحديث عن ترجمة النصوص وتوليفها لتصبح ملائمةً للمجتمع العربي مع وجود محاولات تأليف وإخراج لكنها حالة لم تنضج بعد، واعتقد أن نصوصنا مازالت متوسطة.

المخرج "ياسر دريباتي"

النقطة المهمة أحب أن أشير إليها، تلك التي تتعلق بموضوع "المخرج المؤلف" أو ما يسميه النقاد احتكار المخرج للعرض فأنا ضد هذا الرأي لأن المخرج ليس لديه خيارات فنحن نفتقد الاختصاصيين في الإضاءة والديكور وغير ذلك من أساسيات المسرح فيضطر المخرج إلى تنفيذ رؤيته بنفسه فيصبح معداً ومخرجاً ومؤلفاً مع أنه يتمنى وجود من يريحه وهذه ليست أنانية وإنما حاجة وهي ليست سبباً في تراجع المسرح».

"المسرح عصيٌ على الموت" عنوان عريض تضمنه حديث المخرج "ياسر دريباتي" عن المسرح عندما قال: «المسرح أبو الفنون وهو لا يزال حالة ثقافية ومحركاً ثقافياً واجتماعياً، إنه أحد أهم مكونات الثقافة التي لم تكن يوماً على الهامش وبقي حاجةً حتى يومنا هذا، المسرح الفاعل والنظيف لم يكن حليفاً للأنظمة السياسية وهو يعمل في الخفاء ويضيءُ ما هو معتم فيحفر عميقاً بوجدان الناس ومشاكلهم من خلال سلطته المعرفية والحياتية التي جعلته يمر بأزمات عبر تاريخيه، هذه الأزمات تعددت لكن ما فاقم أزمته، هو الغزو التكنولوجي الذي فعل فعلته بالمسرح لكنه لم يقضي عليه لأنه عصي على الموت؛ وحاجتنا له حاجة ثقافية واجتماعية، ومع ذلك المسرح ليس في حالة صدام ولا صداقة مع العولمة.

الفنان "عبد الله الشيخ خميس"

النص المسرحي غير موجود في هذه الأيام والقلة في الإنتاج المسرحي سببها قلة الموارد المالية التي جعلت الكتاب يهربون إلى التلفزيون بأغلبهم ولم يبق للمسرح سوى بعض النصوص النسبية في محاكاتها لآلام الناس وهمومهم، باختصار المسرح السوري لم يتشكل بعد، صحيح أنه يوجد مجموعة من الظواهر المسرحية والعروض الهامة والمسرحيين المهمين لكن الحديث عن المسرح السوري يحتاج ديمومة، والديمومة غير متواجدة حالياً».

الأعمال المسرحية الخالدة لنجوم القرن الماضي "دريد لحام، نهاد قلعي، رفيق سبيعي، ياسين بقوش" وغيرهم لم تصنع مسرحاً سورياً من وجهة نظر الفنانة "رغداء جديد" التي تقول: «من المفروض أن يكون المسرح حالة ثقافية لكن هناك عروض مسرحية تسيء للثقافية، المسرح اليوم يعيش حالة مختلفة فالناس اعتادوا عليه لكنهم لم يعتادوا مناقشة عروضه كما كان يحدث قبل حوالي عشرين عاماً عندما كنا (نفصفص)- أي نناقش مطولاً أي عرضٍ نحضره- والسبب في ذلك أن الجمهور أصبح يحب راحة البال من جهة وتقوده العواطف من جهة أخرى وبكل الأحوال المسرح لم يعد يمتلك ذلك الجمهور الكبير لأن التلفاز استحوذ على الحيز الأكبر من وقت الناس.

الفنان "مصطفى جانودي" في مسرحية "نيغاتيف"

اعتقد أن المسرح السوري لم يتأسس بعد وبعض الأعمال التي علا شأنها قبل أكثر من /20/ عاماً لم تصنع مسرح وفي اللحظة التي نحاول فيها صناعة مسرح، الأغلبية منا لا يبنون أساسات صحيحة كما أن تصميم المسرح الحالي لا يلبي الطموح فهو مملوء بالنواقص والعيوب التي بوجودها لن نوجد مسرحاً سورياً، أوروبا اجتازت حدود السماء بمسرحها وأدواته وشعبها يتمتع بفوائد المسرح وثقافته، يقول "نابليون" أعطني مسرحاً أعطك شعباً».

الجيل المسرحي الجديد كان له وجهة نظره التي عبر عنها الفنان الشاب "مصطفى جانودي" عندما قال: «مكان المخرج الصحيح يكون بين الجمهور إنها مشكلة أن يكون المخرج الكل بالكل قد يصلح مخرجاً ومؤلفاً في حال كان هناك أفكار معينة يريد طرحها وهذه الأفكار غير متوافرة في النصوص المتاحة أمامه، فنحن نعاني من عدم مواكبة النصوص لمتطلبات العصر (هناك خلاف فكري بين المخرج والمؤلف).

كما اعتقد أن هناك المشكلة لدى الجمهور وليست لدى المسرح فعليك أن تعزم أقرباءك لكي تملأ الصالة وفي الوقت الراهن، نحن لا نعرف ما هو الحل لكي ننهض بالمسرح لكن ما نعرفه ونحن متأكدون منه أن جمهور المسرح مزاجي ولا يحضر لكي يكتشف جودة العرض من عدمها».

المخرج المسرحي "عبد الله شيخ خميس" يعلق على موضوع النصوص قائلاً: «النصوص المترجمة موجودة وبكثرة ونحن كمخرجين يمكننا تجنيدها لمصلحتنا كما بإمكاننا استحضار نصوص قديمة وتحديثها وهذا أفضل من أن نتوقف عن العمل في المسرح لكي لا يموت ولكي يبقى حالةً ثقافية، علينا أن نبقي الأمل بالتطور لأننا لا نعرف متى يمكن أن تبدأ ولادة النصوص التي تواكب العصر».

نقاط ضعف كثيرة يعاني منها المسرح السوري وآراء متعددة سمعناها من مسرحيين كلها تصب في خندق واحد هو أن المسرح اليوم أصبح حاجةً أكثر من أي وقت مضى، لذا يجب الاهتمام به وتدعيمه وجعله مواكباً للعولمة، وكما يقول الباحث والناقد المسرحي المعروف "عبد الناصر حسو": «إذا كانت العولمة في أحد جوانبها السلبية تسعى للقضاء على الهوية والخصوصية المحلية لأي أمة، فمن المؤكد أنها في جانبها الإيجابي تساهم في انتشار المسرح وتبادل الخبرات، من خلال التثاقف والحوار الثقافي المستمر بين الثقافات والحضارات المتعددة».